موقع Allah Mahabba – عيد القدّيس إغناطيوس الأنطاكي الشّهيد
رسالة القدّيس بولس إلى أهل رومة 8: 31 – 39
يا إخوَتِي، إِذا كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟
فاللهُ الَّذي لَمْ يَبْخُلْ بِٱبْنِهِ، بَلْ سَلَّمَهُ إِلَى المَوْتِ مِنْ أَجْلِنَا جَميعًا، كَيْفَ لا يَهَبُ لَنَا مَعَهُ أَيْضًا كُلَّ شَيء؟
فَمَنْ يَشْكُو مُخْتَارِي ٱلله؟ أَللهُ يُبَرِّرُهُم.
فَمَنِ الَّذي يَدِين؟ هوَ المَسِيحُ يَسُوعُ الَّذي مَات، بَلْ أُقِيم، وهوَ أَيْضًا عَنْ يَمينِ ٱلله، وهُوَ أَيْضًا يَشْفَعُ لَنَا!
مَنْ يَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ المَسِيح؟ أَضِيقٌ، أَمْ شِدَّةٌ، أَمِ ٱضْطِهَادٌ، أَمْ جُوعٌ، أَمْ عُرْيٌ، أَمْ خَطَرٌ، أَمْ سَيْف؟
كَمَا هُوَ مَكْتُوب: «إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ النَّهَارَ كُلَّهُ، وقَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْح!».
إِلاَّ أَنَّنَا في كُلِّ ذلِكَ نَغْلِبُ بِالَّذي أَحَبَّنَا.
فإِنِّي لَوَاثِقٌ أَنَّهُ لا مَوْتَ ولا حَيَاة، ولا ملائِكَةَ ولا رِئَاسَات، ولا حَاضِرَ ولا مُسْتَقْبَل، ولا قُوَّات،
ولا عُلْوَ ولا عُمْق، ولا أَيَّ خَلِيقَةٍ أُخْرَى تقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتي في المَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.
إنجيل القدّيس يوحنّا 12: 23 – 30
قالَ الرَبُّ يَسُوع: «لَقَدْ حَانَتِ السَّاعَةُ لِكَي يُمَجَّدَ ٱبْنُ الإِنْسَان.
أَلحَقَّ ٱلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: إِنَّ حَبَّةَ الحِنْطَة، إِنْ لَمْ تَقَعْ في الأَرضِ وتَمُتْ، تَبْقَى وَاحِدَة. وإِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِير.
مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يَفْقِدُهَا، ومَنْ يُبْغِضُهَا في هذَا العَالَمِ يَحْفَظُهَا لِحَيَاةٍ أَبَدِيَّة.
مَنْ يَخْدُمْنِي فَلْيَتْبَعْنِي. وحَيْثُ أَكُونُ أَنَا، فَهُنَاكَ يَكُونُ أَيْضًا خَادِمِي. مَنْ يَخْدُمْنِي يُكَرِّمْهُ الآب.
نَفْسِي الآنَ مُضْطَرِبَة، فَمَاذَا أَقُول؟ يَا أَبَتِ، نَجِّنِي مِنْ هذِهِ السَّاعَة؟ ولكِنْ مِنْ أَجْلِ هذَا بَلَغْتُ إِلى هذِهِ السَّاعَة!
يَا أَبَتِ، مَجِّدِ ٱسْمَكَ». فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يَقُول: «قَدْ مَجَّدْتُ، وسَأُمَجِّد».
وسَمِعَ الجَمْعُ الحَاضِرُ فَقَالُوا: «إِنَّهُ رَعد». وقَالَ آخَرُون: «إِنَّ مَلاكًا خَاطَبَهُ».
أَجَابَ يَسُوعُ وقَال: «مَا كَانَ هذَا الصَّوْتُ مِنْ أَجْلِي، بَلْ مِنْ أَجْلِكُم.
التأمّل
”وَإِن ماتَت تَأتي بِثَمَرٍ كَثير“
تَسمَحُ لَنا لَوحَةُ الطَّبيعَة بِأَلوانِها وَحَيَوِيَّتِها وَحَرَكَةِ فُصولِها، أَن نَرى فيها وَحدَةً سِرِّيَّة رائِعَةً تَجمَعُ الحَياةَ وَالمـَوتَ مَعًا، تَدفَعُنا إِلى الإِندِهاشِ وَالإِستِغرابِ وَالحَيرَة. يَرى البَعضُ أَنَّ الوِلادَةَ تَمضي في صَيرورَتِها، إِلى المـَوت، وَالبَعضُ يَرى أَنَّهُ ما مِنْ وِلادَةٍ وَحَياةٍ مِن دونِ مَوت. لَيسَ المـَوضوعُ مِن أَينَ نَبدَأ وَأَينَ نَنتَهي، إِنَّما يَكمُنُ سِرُّ هَذِهِ الوَحدَةِ في الحُبِّ وَالعَطاء، لِأَنَّ الحَياةَ في ذاتِها عَطاءٌ يَستَدعي مَوتًا عَنْ الذَّاتِ حُبًّا بِالآخَر، فَيُصبِحَ هُنا المـَوتُ تَعبيرًا سامِيًا عَنْ الحُبّ، لَيسَت الغايَةُ المـَوتَ في حَدِّ ذاتِهِ، إِنَّما المـُرادُ هِيَ الحَياة. في الطَّبيعَةِ نَرى الثَّمَرَ يَموتُ عَنْ أُمِّهِ لِيُقطَفَ فَيَكونَ طَيِّبَ المـَذاق،… وَحَبَّةُ الحِنطَةِ تَموتُ هِيَ أَيضًا إِن بِزَرعٍ جَديدٍ يَكونُ بِمَثابَةِ خُصوبَةٍ جَديدَة، أَو عَنْ طَريقِ تَصنيعِها خُبزًا يُؤتي القوتَ لِلإِنسان. بِكِلا الحالَتَيْن تَكْمُنُ الحَياة، لَكِنَّ الشَّكلَ وَالطَّريقَةَ اختَلَفا، وَعَلَيْهِ تُطرَحُ جِدالاتٌ وَنِقاشات. المـَطلوبُ أَنْ نَرى قُدرَةَ اللهِ كَيفَ تَصْنَعُ مِنَ المـَوتِ حَياةً قِوامُها الحُبُّ وَالبَذلُ وَالعطاء.
يَا بُنَيَّ، إِنْ تَأَمَّلتَ في تَجَسُّدي أَو تَطَلَّعتَ في مَوتي وَقِيامَتي، تَرى فِعلَ الإِخلاءِ يَأخُذُ الحَيِّزَ الأَكبَرَ مِنَ شاشَةِ عَيْنَيْكَ، وَفيهِ تَتَعَرَّفُ عَلَى سُمُوِّ تَواضُعي، وَعلى عُمقِ مَحَبَّتي، فَيُفتَحَ البابُ أَمامَكَ لِتُدرِكَ كَيفَ أَنَّ المـَحَبَّةَ لِكَونِها تَحمِلُ الحَياةَ وَتُعطيها، لا تَستَطيعُ أَن تَكونَ مُنفَرِدَةً وَلا وَحيدَةً في حالَةِ انغِلاقٍ، بَل هيَ الَّتي تَصنَعُ العَلاقَةَ بَيْنَ إِثنَيْنِ وَأَكثَر، وَتَكونَها. في صَميمِ مُتَطَلِّباتِ هَذِهِ العَلاقَة تَرى كَيفَ أَنَّ المـَوتَ وَالحَياةَ يَتَناغَمانِ مَعًا وَفقًا لِهذا الإِخلاء. فَالمـَوتُ يَكونُ دائِمًا بَذلًا عَن النَّفسِ مِن أَجلِ الآخَرِ حُبًّا بِهِ، وَالحَياةُ تَكونُ دائِمًا عَطاءَ الذَّاتِ مِن أَجلِ الآخَرِ حُبًّا بِهِ. قَد تَسأل ما الفَرقُ هُنا بَينَ البَذلِ وَالعَطاء؟ في البَذلِ تُميتُ ما يَصُّدُكَ عَن العَطاءِ، وَفي العَطاءِ تَحيي ما يَدفَعُكَ لِتُعطي أَكثَر وَفقًا لِمُتَطَلِّباتِ الحُبّ الَّذي يُنمّيكَ في السَّلامِ وَالفَرَح. هَكَذا يَكونُ قَد اتَّضَحَ لَكَ أَينَ تَكمُنُ النِّعمَةُ وَالتَّجرُبَةُ في الآنِ مَعًا، وَما الَّذي يَجعَلُ الإِنسانَ يُعطي ذاتَهُ، وَما يَصُدُّهُ عنْ هذا الفِعل. لِكَيْ تَنتَصِرَ عَلَيْكَ أَن تَبذُلَ الأَنا، وَتُعطيها نِهائيًّا لي، عِندَئِذٍ تُعطي ثَمَرًا كَثيرًا. هَكذا تَكونُ تِلميذًا حَقيقيًّا لي وَشاهِدًا لِمَحَبَّتي.
مِن خِلالِ الإِنجيلِ نَكتَشِفُ شَخصِيَّةَ يَسوع المـُتَأَمِّلَة وَالمـُصَلِّيَّة وَالعِلمِيَّة، عَنْ طَريقِ الصُّوَرِ وَالأَمثال الَّتي قَدَّمَها مِنَ الطَّبيعَةِ مُستَخرِجًا مِنْها العِبَر البَنَّاءَة لِحَياتِنا، وَالَّتي تُعَرِّفَنا علَيْهِ أَكثَر بِما فيهِ مِنَ الحُبّ، حَيثُ يُلَخِّصُ لَنا سِرَّ حَياتِهِ القُربانِيَّة. عَنْ طَريقِ حَبَّةِ الحِنطَةِ نَستَطيعُ أَن نُعايِنَ في الآنِ مَعًا سِرَّا التَّجَسُّدِ وَالفِداء المـَصهورانِ مَعًا في سِرِّ الإِفخارِسيتَّا المـُقَدَّسَة الَّتي أَسَّسَها لَيْلَةَ آلامِهِ الخَلاصِيَّةِ وَالمـُقَدِّسَة، وَعَنْ طَريقِها نَتَعَّلَمُ كَيفَ نَختارَ الحَياةَ في عَيشِ تَوبَتِنا بِالبَذلِ وَالعَطاء إِيمانًا بِمَنْ تَناوَلناه. هُنا نَتَمَكَّن مِن أَن نَتَحَسَّسَ تَواريهِ عَنْ عُيونِ الجَسَدِ، وَكَثافَةَ حُضورِهِ عَلى مُستوى القَلبِ وَالرُّوح. لِذا فَليَكُن قَصدُكَ أَن تَختارَ الحياةَ وَفقًا لِنَهجِ الرَّبّ يَسوع فَتُعطي ذاتَكَ حُبًّا.
رَبِّي يَسوع، لَم تَبخَلْ عَلَيْنا بِشَيءٍ أَبَدًا. لَحظَةَ عَطِشنًا حَقًّا إِلى الحَياةِ وَالحُبّ، أَتَيْتَ إلَينا فَقيرًا مُتَجَسِّدًا مِنَ العَذراءِ مَريَم، فَصِرتَ في عالَمِنا لِتُعطينا ذاتَكَ حَياةً وَحُبّ. وَعِندَما سَألناكَ كَيفَ يَكونُ هذا؟ أَجَبْتَنا: “خُذوا كُلُّوا…، خُذوا اشرَبوا…”. فَيا حُبًّا إِلَهِيًّا أَلهِبْ قَلوبنا بِالنَّارِ الَّتي أَضرَمتَ بِها شَهيدِكَ إِغناطيوس الإنطاكيّ، آمين.
تابعوا قناتنا
https://www.youtube.com/channel/UCWTL4VXQh38PrPBZvVSZGDQ
شكراً لزيارة موقعنا وقراءة تأمّل عيد القدّيس إغناطيوس الأنطاكي الشّهيد ”وَإِن ماتَت تَأتي بِثَمَرٍ كَثير“ لمشاركة هذا التأمّل مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت، وأن يعطيك نعمة القداسة لكي تكون ملحاً للأرض ونوراً لعالم اليوم!