موقع Allah Mahabba – إثنين بشارة العذراء
رسالة القدّيس بولس إلى أهل غلاطية 3: 1 – 6
يا إِخوَتِي، أَيُّها الغَلاطِيُّونَ الأَغْبِيَاء، مَنْ سَحَرَكُم، أَنْتُمُ الَّذين رُسِمَ أَمَامَ عُيُونِكُم يَسُوعُ المَسيحُ مَصْلُوبًا؟
أُريدُ أَنْ أَعْرِفَ مِنْكُمْ هذَا الأَمرَ فَقَط: أَمِنْ أَعْمَالِ الشَّرِيعَةِ نِلْتُمُ الرُّوح، أَمْ مِنْ سَمَاعِ الإِيْمَان؟
أَهكَذَا أَنْتُم أَغْبِيَاء؟ أَبَعْدَمَا بَدَأْتُمْ بِالرُّوح، تُكَمِّلُونَ الآنَ بِالجَسَد؟
هَلِ ٱحْتَمَلْتُم كُلَّ تِلْكَ الآلامِ عَبَثًا؟ هذَا إِنْ كانَ عَبَثًا!
فالَّذي يَمْنَحُكُمُ الرُّوح، ويَعمَلُ فيكُمُ الأَعْمَالَ القَدِيرَة، أَمِنْ أَعْمَالِ الشَّرِيعَةِ يَفْعَلُ ذَلِكَ، أَمْ مِنْ سَمَاعِ الإِيْمَان؟
هكَذَا إِبرَاهِيم: «آمَنَ بِالله، فَحُسِبَ لَهُ ذَلِكَ بِرًّا.
إنجيل القدّيس لوقا 11: 27 – 32
فيمَا يَسوعُ يَتَكَلَّم بِهذَا، رَفَعَتِ ٱمْرَأَةٌ مِنَ الجَمْعِ صَوْتَها، وَقَالَتْ لَهُ: «طُوبَى لِلْبَطْنِ الَّذي حَمَلَكَ، وَلِلثَّدْيَينِ اللَّذَينِ رَضِعْتَهُمَا».
أَمَّا يَسُوعُ فَقَال: «بَلِ ٱلطُّوبَى لِلَّذينَ يَسْمَعُونَ كَلِمَةَ اللهِ وَيَحْفَظُونَها!».
وفيمَا كانَ الجُمُوعُ مُحْتَشِدِين، بَدَأَ يَسُوعُ يَقُول: «إِنَّ هذَا الجِيلَ جِيلٌ شِرِّير. إِنَّهُ يَطْلُبُ آيَة، وَلَنْ يُعْطَى آيَةً إِلاَّ آيَةَ يُونَان.
فكَمَا كَانَ يُونانُ آيَةً لأَهْلِ نِينَوى، كَذلِكَ سَيَكُونُ ٱبْنُ الإِنْسَانِ لِهذَا ٱلجِيل.
مَلِكَةُ الجَنُوبِ سَتَقُومُ في الدَّيْنُونَةِ مَعَ رِجَالِ هذا الجِيلِ وَتَدِينُهُم، لأَنَّها جَاءَتْ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَان، وَهَا هُنَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَان.
رِجَالُ نِينَوى سَيَقُومُونَ في الدَّيْنُونَةِ مَعَ هذا الجِيلِ وَيَدِينُونَهُ، لأَنَّهُم تَابُوا بِإِنْذَارِ يُونَان، وَهَا هُنَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَان.
التأمّل
”طوبى لِمَن يَسمَع كَلِمَةَ اللهِ وَيَحفَظُها“
يَقومُ اتِّصالُ الإِنسان بِذاتِهِ وَبِالوُجودِ عَلى الحَواسِ الخَمس: النَّظَر، السَّمَع، الذَّوق، الشَّمُّ وَاللَّمس. بِفُقدانِ واحِدَةٍ مِنها تُصاغُ بَرمَجَةُ كَيان الإِنسان بِشَكلٍ مُختَلِفٍ عَن العادَة. إِذا كانَتِ الحَواسُ هِيَ نَوافِذُ الإِنسانِ عَلى الحياةِ وَللعَلاقَةِ مَع الله وَالآخَرين، فَهذا يَعني أَنَّ كُلَّ امرءٍ يَفقِدُ حاسَّةً مِن تِلكَ الحَواسِ لا يَعودُ بِاستِطاعَتِهِ الإِتِّصالُ مَع الواقِع، بِشَكلٍ طَبيعيّ. هذا الأَمرُ لا يَتَّصِلُ بِمـَوضوعِ العَلاقَةِ مَع الله، لِأَنَّها تَعني قَلبَ الإِنسان في الصَّميم. مِن هُنا، نَدخُلُ إِلى الحَياةِ الرُّوحِيَّة، الَّتي لا تَقومُ عَلى كَثرَةِ المـَعلوماتِ وَوَفرَتِها، وَلا عَلى المـَعرِفَةِ النَّظَرِيَّة، بَل عَلى مَعرِفَةٍ مِن نَوعٍ آخَر، هِيَ مَعرِفَةُ قَلبِ الإِنسانِ لِقَلبِ الله. إِنطِلاقًا مِن هُنا سَماعُ صَوتِ اللهِ لا يَقِفُ عَندَ حاسَّةِ السَّمَعِ وَلا عِندَ قُدرَةِ النُّطق، بَل يَقِفُ عِندَ طَواعِيَّةِ القَلبِ لِعَمَلِ النِّعمَةِ الَّتي تُحَوِّلُ الإِنسانَ وَتَجعَلُهُ مُصَوَّبًا بِكُلِّيَّتِهِ نَحوَ الغايَة، نَحوَ الحُبِّ الأَزَليّ مَصدَرِ كُلِّ شَيءٍ وَهوَ الله. مِنَ العَذراءِ مَريَم، نَتَعَلَّمُ تِقَنِيَّةَ إِصغاءِ القَلبِ لله.
يَا بُنَيَّ، إِنَّ أُمِّي العَذراء، لَم تَسمَع صَوتَ المـَلاكِ خارِجًا عَن كِيانِها، وَبَعيدًا عَن كَينونَتِها، بَل بِسَماعِها لِلكَلِمَة، بَدَت كَأَنَّها أَمامَ مِرآةٍ حَقيقيَّة، تَكشِفُ لَها عَن ذاتِها وَعَن رَغبَتِها العَميقَةِ جِدًّا. هذا ما يُسَمَّى سَمَعُ القَلب، أَي استحالةِ المـُستَحيلِ إِلى واقِع، وَالحُلُمِ إِلى حَقيقَة، بِقُوَّةِ الإِيمانِ وَالرَّجاءِ وَالمـَحَبَّة. لَقَد شَعَرَت أُمِّي العَذراءِ مَريَم بِقُوِّةِ الكَلِمَة تَتَفَجَّرُ في أَعماقِ قَلبِها، لِذا لَم يَكُن لَها أَن تَحفَظَني عَلى مُستَوى الذَّاكِرَةِ وَحَسب، بَل عَلى مُستَوى الهَذيذِ الرُّوحيّ، بِحَيثُ لَم أَبرَح ذِهنَها وَقَلبَها وَإِرادَتَها. بِحُضوري اللَّطيفِ اجتَحتُ مُثَلَّثَها: القَلبُ، وَالعَقلُ وَالإِرادَة، فَصِرتُ فيها قَبلَ ميلادي قُوَّةَ كَيانِها وَوَحَدَةَ شَخصِها. كَما أَخذتُ مِنها كُلَّ طَبيعَتي الإِنسانِيَّة، أَعطَيتُها مِن مِلءِ طَبيعَتي الإِلَهِيَّة، فَصارَت بِذاتِها “نَعَم”. صَارت مَريَمُ أُمّي، لِتُعَلِّمَكَ لُغَّةَ القَلبِ، وَكَيفِيَّةَ الإنفِتاحِ عَلى عَمَلِ الرُّوحِ القُدُس، مِن حَيثُ عَلَيكَ أَن تُصغيَ لِذاتِكَ أوَّلاً، لِدَوافِعِكَ، لِحَرَكَةِ قَلبِكَ وَفِكرِكَ،َتَتَحَسَّسَ ما يَجري في العُمقِ، حَيثُ أَودَعتُ ذاتي فيكَ سِرًّا. مَع مَريَم تَتَعَلَّمُ الإِنصاتَ للصَّمتِ الصَّارِخِ فيكَ وهوَ أَنا.
لَقَد اعتادَ مُمارسو الحَياةِ الرُّوحِيَّةِ وَالصُّوفِيَّة، عَلى أَربَع رَكائِز: الهُروب، الصَّمت، الصَّلاةَ وَالزُّهد. مَن يُريدُ أَن يَسمَع لِصَوتِ اللهِ عَلَيهِ أَن يَخرُجَ مِن ضَوضاءِ العالَم، وَهذا ما يُسَمَّى بِالهُروبِ مِنَ العالَم، لَيسَ فَقَط عَلى مُستَوى المـَكان، بَل أَيضًا عَلى مُستَوى الهُروبِ مِنَ العالَمِ الَّذي اجتاحَ القَلب. تَتميمُ هَذا الهُروب يُحَقِّقُ الصَّمتَ الدَّاخِليّ، الَّذي فيهِ تَستَيقِظُ كَلِمَةُ اللهِ مِمَّا وَراءِ صَمتِ الرَّغَبات؛ فَالصَّمتُ يَعني أَيضًا إِطفاءُ الرَّغباتِ للإِنصاتِ لِمَشيئَةِ الله. تَتميمُ هذا الصَّمت، يُحدِثُ صَلاةَ القَلبِ الَّتي هِيَ حِوارٌ حَميميّ بَينَ حَبيبَين، وَهُنا يَزهَدُ المـُصَلِّي بِكُلِّ شَيءٍ مِن أَجلِ مَن هُوَ الكُلُّ، فَيصيرُ التَّحَوُّلُ عَبرَ التَّبادُلِ العَجيب. إِذًا أُقصُد أَن تَهرُب، وَتَصمُت، تُصَلّي وَتَزهَد.
ربّي يَسوع، أُريدُ اليَومَ مَع أُمِّي العَذراءِ مَريَم، أَن أَكونَ بِكُلِّيَّتي أُذُنًا صاغِية، لِتَكونَ أَنتَ بِكُلِّيَّتِكَ الكَلِمَةَ الَّتي تَنطِقُ فِيَّ. أَرجوكَ رَبِّي أُهرب بي، إِلى واحَةِ بَرِّيَّتِكَ، وَاجَعلني أَسمَعُكَ في الصّمتِ وَأُناجيكَ بِخَفَقاتِ قَلبي حُبًّا، فَأَتَعَرَّى عَن كُلِّ ما لَيسَ مِنكَ، فَأَزهَدَ في الحَياةِ لِأَرغَبَ فيكَ وَحدَكَ. كُوني لي يَا أُمِّي العَذراءِ تِلكَ الواحَة، آمِين
تابعوا موقعنا
https://www.youtube.com/channel/UCWTL4VXQh38PrPBZvVSZGDQ
شكراً لزيارة موقعنا وقراءة تأمّل اثنين بشارة العذراء “طوبى لِمَن يَسمَع كَلِمَةَ اللهِ وَيَحفَظُها”. ندعوك لمشاركة هذا التأمّل مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت، وأن يعطيك نعمة القداسة لكي تكون ملحاً للأرض ونوراً لعالم اليوم!