“الرَّحمَةُ في الحَقّ”
في أَوقاتٍ وَظُروفٍ كَثيرَة، نُواجِهُ تَحَديّاتٍ في كَيفيَّةِ تَرجَمَةِ عَيشِ إِيمانِنا المـَسيحيّ العامِلِ بِالمـَحَبَّة، خُصوصًا عِندَما يَتَّصِلُ المـَوضوعُ بِالحَقِّ وَالعَدلِ وكرامَةِ الإِنسان. كَيفَ لنا أَن نُوَفِّقَ بَينَ إِنصافِ المـَظلومِ وَإِعادَةِ حُقوقِهِ وَأَن نَرحَمَ الظَّالِم وَالمـُعتَدي؟! كيفَ لَنا أَن نَعيشَ تَعليمَ وَمِثالَ الرَّبِّ يَسوع عِندَما يَقول: “مَن طَلَبَ رِداءَكَ فَاعطِهِ ثَوبَكَ كُلَّهُ…” (متّ 5: 40)، “وَمَن ضَرَبَكَ عَلى خَدِّكَ الأَيمَن، فاعرِض لَهُ الآخَر” (لو 6: 29)، وأَيضًا “أَحِبُّوا أَعداءَكُم وَصَلُّوا من أَجلِ مُضطَهِديكُم” (متّ 5: 44). هَل الرَّحمَةُ الَّتي يَدعونا الرَّبُّ لِنَعيشَها وَنَلتَزِمَها تَعني صَرفَ النَّظَرِ وَالصَّمتِ عَن الحَقّ، أَم ذاتَ طابِعٍ إِنجيليٍّ خاصّ؟! عَلَينا أَن نَشجُبَ الفِكرَةَ الخاطِئَةَ الَّتي تَقولُ: إِمَّا الرَّحمَةَ أَو العَدلَ وَالحَقَّ، فَهُما لا يَلتَقِيان مَعًا.
في تَعليمِهِ وَمِثالِهِ كَشَفَ يَسوعُ الظُّلمَ وَالخَطيئَةَ، وَبَيَّنَ كَيفَ أَنَّهُ مِنَ القَلبِ تَنبَعِثُ المـَقاصِدُ السَيِّئَة، لَكِنَّهُ فَصَلَ وَمَيَّزَ بَينَ الفِعلِ وَالفاعِل، بَينَ الخاطِئِ وَالخَطيئَة… . كَما أَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ إِظهارَ الحَقِّ وَالحَقيقَةِ وَالمـُطالَبةِ بِالعَدلِ هُوَ في حَدِّ ذاتِهِ فِعلُ رَحمَةٍ يَدعو الخاطِئَ وَالظَّالِمَ وَالمـُعتَدي إِلى التَّوبَة لِيَعيشَ في النُّورِ رافِضًا الكَذِبَ وَالضّلالَ وَالظُّلمَة.
يوجَدُ لدَينا دائِمًا خَلطٌ بَينَ إِظهارِ الحَقِّ وَالدَّينونَة، فَفي إِظهارِ الحَقِّ يُكشَف قُبحُ الرَّذيلَة وَجَمالُ الفَضيلَة، أَمَّا الشُّعورُ المـُزعِجُ وَالذَّنبُ المـُتَأَتِّي مِن مَسؤولِيَّةِ فِعلِ الرَّذيلَةِ وَنَتائِجِها، يَتَّصِلُ بِنُقطَتَين: ضَميرُ وَمُعتَقَدُ الخاطِئ في عَلاقَتِهِ مَعَ الحَقيقَة، وَأُسلوبُ الشَّخصِ الَّذي صَوَّبَ على الفِعل المـُشين. نَحنُ مُلزَمونَ بِقولِ الحَقِّ وَمَدعُوّونَ لِنَكونَ رُحَماءَ وَمُحِبّينَ وَمُتَفَهِّمينَ، لا صامِتين، لِذَلِكَ عَلَينا أَن نَطلُبَ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ نِعمَةَ الفِطنَةِ وَالحِكمَة، لِنُحسِنَ التَّصَرُّفَ في الإِصلاحِ الأَخَويّ.
تَنبَثِقُ الرَّحمَةُ مِن قَلبِ الحَقِّ، وَقَولُ الحَقِّ في الرَّحمَةِ يُسقِطُ الإِدانَةَ، فَيَكونَ فِعلَ حُبٍّ.
تابعوا قناتنا