الحريّة قمّة الكمالات بمداركها إذ تفوق الجمال والصلاح والحكمة، وتسبقهم في السمّو. هي ليست عطيّة بمقابل، ولا منّة من مانح الى مُستعطي. ولكن هل الإنسان حرّ؟
هوذا السؤال الجوهريّ مذ كان الإنسان، إذ اختار لنفسه ان يكون إله نفسه، فأبتكر العداوة بالدمّ. وبها قتل اخيه، ونسله… ونفسه، ودّمر الخليقة التي حوله، فقضى على جوهره ومعنى وجوده. وما اكتفى، حتى إختال مزهوّاً أنّه بالذمّ دفن الله عينه، وأقام نفسه حارساً لقبره كي لا يقوم.
كلّي ضدك في الأرض وفي السماوات! وكانت عبودية الفناء. ولكن، هل الفناء مُنتهانا؟
في عودة الى بدء البدايات، بداية الجواب: هو الله خلقنا على صورته ومثاله، وملّكنا على الخليقة. التتمّة أهمّ: لا يمكنني أن أكون إنسانا إن الغيتُ صوت الروح فيّ، الذي يميّز بين الظلمة والنور، الحقّ والباطل، الحريّة والحتميّة: بين التجليّات والأفعال.
فهل يمكن الاّ اكون حرّا والله حرّ؟
الجديد الذي اتى به المسيح، ان لا حريّة من دون شغف، والشغف هو ذروة الحب.
انّه شغف الربّ بنا. يحوّلنا… بحلوله فينا، ثالوثياً، بفعل الوحدانية الجوهريّة للطبيعة الالهيّة. وهو القائل: “إذا أحبّني احد حفظ كلامي فأحبّه أبي، ونأتي اليه، ونجعلُ لنا عنده مقاماً.” هكذا تكون لحريّتنا جوهرها إن جعلنا الآب والأبن والروح القدس يعيشون حياتهم الثالوثية فينا… تلك الحياة عينها التي عاشها يسوع عندما تأنّس شغفاً بالإنسان، وماأ لنفسه الّا ان يُدعى: إبن الإنسان.
آه كم الانسان حرّ… لدرجة أنّه وحده القادر على تغييّر إرادة الله. أتذكرون مريم، وتقريبها لساعة يسوع في قانا؟ أتذكرون المرأة الكنعانيّة وتوسلّها لا اعجوبةَ خلاصِ إبنتها من الشيطان الذي يعذّبها، بل فُتاتَ الأعجوبة الملقاة للكلاب؟ كلّي لكَ في الأرض وفي السماوات! هذه حريتي! فلتكن لي حياة الحريّة، الآن وفي الزمن الأبدي…