موقع Allah Mahabba
من يقرأ في تاريخِ لُبنان الحديثِ والبعيدِ قَليلًا، يُلاحِظ التداخُل الثقافيّ والصّراع الطّائفيّ والمذهبيّ والسياسيّ بينَ الأقلّيّات المكوّنة لمُركّب ما يُسمّى المُجتمع اللُّبنانيّ.
من يُعمّق النّظر والبحث في جذورِ هذا الصّراعِ المُتأتّي من التآلف المُصطنع لما يُسمّى العيش المُشترَك، يَكتشف أنّ الأُصول ليست في ذاتِها دينيّة ولا طائفيّة بالمعنى الدّقيق والصّحيح، إنّما تَكمُنُ في مسيرةِ كُلٍّ من هذه الأقلّيّات الَّتي عرفت في تاريخها الإضطهاد، وباتت معًا على بُقعةِ أرضٍ واحدة، هي الوطن لُبنان، وميزتُها أنّها تُمارِسُ الإضطهاد تُجاهَ بعضها البعض بأشكالٍ متنوّعة.
لم تتوحّد هذه الأقلّيّات مع بعضها، ولم تستطع حتّى أن تتلاقى على مفهوم واحدٍ للوطن، حتّى الإنتماء للأرضِ لديها مُتزعزعٌ فالقابليّة على الهجرة، أكثرُ وأكبرُ جدًّا من المكوثِ في أرضِ الأجداد.
ونحن في خضمّ السؤال عن مكانة الدّولة ودورها، ورجال الدّولة والمسؤوليّة المنوطة بهم تجاه الوطن والشّعب والأرض والأمّة، نكتشفُ أنّنا لسنا بمواطنين ولا ننتمي إلى دولة وإن هي وَفقًا للقوانين الدّوليّة، دولةً معترفٌ بها واسمها لبنان.
في العُمقِ وَفقًا لتاريخ وتركيب هذا المجتمع بمختلفِ أطيافِهِ، الإنتماء الأوّل – تحت وضعيّةِ أهل الذّمّة وما يُفرض عليها من تقيّة- هو للزّعيم وليس للدّولة ولا للوطن.
يكفي الرّجوع قَليلًا إلى الماضي القريب، لنتذكّر أوّليّة المُطالبة الشّرسة والعنيدة من أجلِ عودةِ هذا من المنفى، وخروجِ ذاك من المعتقل، وتكريس الآخر وليًّا وسيّدًا على ملّة ومنطقة، وحزبٍ وحركة، واحتكار الجميع لسلب مقدّرات الدّولة وذلك للمنفعة الشّخصيّة البحتة. من هنا نفهم جيّدًا أنّ أهل الذّمّة لا يستطيعون أن يُحاسبوا الزّعيم، فهو لهُم بمثابة المخلّص، حتّى ولو شَهدوا بأُمّ العين على أنّهُ نفسه القاتل والمجرم. يرغبون أن يكذّبوا أنفسهم ألف مرَّةٍ ومرّة على أن يمسّوا ولو بطرف إصبعهم عصمة زعيمهم المزيّفة.
لم يعُد اليوم باستطاعتنا التّكلّم عن حقوق الدّولة، فمع هذا المنطق ليس هناك من يريدها، فالمطلوبُ الأوّل تقديس وتأليه وتبرير الزّعيم والدّفاع عنهُ والموت وإن إذلالًا من أجلِه. فمن صفات الزّعيمِ السّلبيّة حصر حقوق خاصّتهِ بشخصِهِ وبحاشيتِه، وهذا ما يندرج تطبيقيًّا من خِلالِ المُحاصصة.
طالما أهلُ الذّمّة قابعين داخل الكهف، وزعمائهم لا ذمّة لديهم، فالوطن يبقى سِجنًا كبيرًا، ويبقى أشلاءً متناثرة مع رفاتِ شُهدائِه، أمّا الرّجاءُ هو شعلةُ الحرّيّة الكامنة في قلوبِ من يُحبّون لبنان الوطن والرسالة والقضيّة، بعد الله وفوق كلّ شيءٍ آخر، فبسواعد هؤلاء يعادُ مجد لبنان.
تابعوا قناتنا
https://www.youtube.com/channel/UCWTL4VXQh38PrPBZvVSZGDQ
شكراً لزيارة موقعنا وقراءة مقالة “أهلُ الذّمّة عند زُعماء اللّاذمّة”. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت، وأن تكون مسيحيًّا حقيقيًّا، تشهد للمسيح أمام الآخرين في وطنك.