تابعونا على صفحاتنا

يسمع الله
مقالات

هل يسمع الله، وهل يرى؟!

مع ارتفاعِ الزّفرات وسقوطِ الدّموعِ وأنينِ صيحات المتألّمين والجائعين والحزانى والمظلومين والمُضطهدين، نسأل: أينَ الله؟ مع تمزيقِ الأحلام، وحرقِ القلوب، واعتقالِ الحرّيّات، ورفضِ الخير، وقمع الحقّ وتزوير الحقيقة، نسأل: هل يسمعُ الله، وهل يرى؟

إن كان هُناكَ من جوابٍ، نأخذُهُ من فمِ الكلمة المُتجسّد يسوع المسيح الرّبّ والمعلّم. قد يكونُ للبعضِ مُقنِعًا وللبعضِ الآخَرِ سخيفًا، لأنَّهُ لا يقفُ عند حدودِ المنطق، فهو يستدعي الإيمان.

أمامَ كثافةِ الظّلم، نطلُبُ العدالة، -إذ نعتبِر أنَّ مِن خِلالها نلمُس إصغاء الله ونظرتهُ تُجاهنا- ولكنّنا في أعماقِ نفوسنا نستنجِدُ بالثّأرِ والإنتقامِ والقصاصِ والعِقاب. مقياسُ عدالتنا تعودُ إلى السُّنَنِ والشّرائعِ البدائيّةِ والقديمة: “العين بالعين والسّنُّ بالسّن”- تدفعها جراحُنا والرّغبة في الإنتقام – فيما مقياسُ عدالةِ الله تبدأ من قاعدة: “عامل النّاس كما تريد أن يعامِلوك”، “وبالكيل الذي تكيلُ بِهِ يُكالُ لَكَ”، ولا تَقِف عند حدود “إغفِروا للنّاسِ زلّاتهم…” فأساسُها الجوهريّ: “كونوا كاملين، كما أنّ أباكُم السّماويّ كاملٌ هو… فهو يُشرق شمسهُ على الأخيار والأشرار…”. عدالةُ الله تهدِف دائمًا إلى الخير، الّذي يقومُ على الإصلاحِ لا على الهدم، على الحياةِ لا على الموت، على التّوبةِ وليسَ على الفراق.

ولكِن، أين مهابَةُ الله وأين جبروتهُ، فهل يُعقلُ الصّمتُ على الظُّلمِ؟

لم يتجسّد “الكلمة” ليكونَ صامِتًا، لكنّهُ “قصبةً مرضوضةً لم يَكسِر…” وقد نطقَ بالحقِّ وَعُرِفَ بالثّائر، وقالَ جهارًا أمام بيلاطُس: “ما ولدتُ وأتيتُ العالَمَ إلّا لأَشهدَ للحقّ”.
كُلّ ما قالهُ المسيح وعملَ بِهِ وعلّمهُ جعلهُ ذاتَ بُعدٍ نهيويّ-إسختولوجي، ما معناهُ قد ربطَ الأَرض بالسّماءِ: الحياةَ في الزمن في الحَياةِ الأبديّة. هُنا يكمنُ الجواب الّذي نبحثُ عنهُ. فحياةُ الإنسان بما تحتويهِ من أفعال لا تقفُ عند ما يُرى، إنّما تمضي في صميمها إلى ما لا يُرى في عين الجسد. من هُنا لا تنتهي الأمور، مع موتنا، لا بل تبدأ بأخذِ شكلها النِّهائيّ حيثُ التّتِمّة.

في الصَّلاةِ الرّبّيّة ظهّر يسوع مشيئة الله بقولِهِ: “لتَكُن مشيئتُكَ كما في السَّماءِ كذلِكَ على الأرض”، لأنَّهُ أرادَ أن يعُمّ الخيرُ والسّلام ونظامُ النّعمةِ الجميع، ولذلكَ “من كان من الله يعمل أعمال الله”، وهؤلاء هم إخوة يسوع، خاصّتهُ وتلاميذه.
من لا يعمل بمشيئةِ الله الَّتي هي حياةٌ ورحمة، هو لا يصنعُ الخير ولا يعدِل. ومن يعمَل بمشيئةِ الله يثور على الظّلمِ وعلى الخطيئةِ وعلى الشّرّ، حُبًّا وتحسُّرًا وشفقَةً بالظّالِم، الّذي حَبِل بالخطيئةِ ليَلِدَ لذاتِهِ الموت.

سَمِعَ الله ورأى مذلّة شعبه، وهو الآن يرى ويسمع، فهو نفسهُ الّذي عُرِفَ برجُلِ الأوجاعِ والعارِفِ بالألَم، فسماعُهُ ورؤيَتُهُ على الصّليبِ فيهما تمام التّعاضدِ والإتّحادِ مع المتألّمين، فهم جزءٌ أساسيٌّ من حضورِهِ الفعليّ في هذا العالم، وَهُم في الآنِ عَينِهِ ميزان عدلِهِ وفقًا لقولِهِ: “كُل ما فعلتموه لهؤلاء إخوتي الصِّغار، فلي قد فعلتموه“. هكذا قلبَ الرّبّ المقاييس، وأجابَ على انتظارِنا لعدالتِهِ في التَّاريخ: فالمحكوم عليهِ ظُلمًا يغدو هو نفسهُ في عين الله قاضيًا، والحُكمُ يصدُرُ من فعلِ الظّالِمِ تُجاهَ نفسِه، وهكذا يجني الإِنسانُ في الآخِرة ثمار أفعالِهِ. إن عَمِلَ بمشيئةِ الله جعل أرضهُ سماءً، وإن لم يعمل أضحت لهُ جحيمًا أبديًّا.

في مسارِ عدالَة الله في التَّاريخ، تبقى الدّعوةُ إلى التّوبة قائمة ومُستمِرّة ومُلحّة، وتبقى الطّوبى لمن يعيشُ في المحبّة، لأنّها تستخفُّ بالدّينونة.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/channel/UCWTL4VXQh38PrPBZvVSZGDQ

شكراً لزيارة موقعنا وقراءة مقالة “هل يسمع الله، وهل يرى؟! ”. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وأن تشهد للمسيح، الكلمة المتجسّد في كلّ حياتك.