أخي القارئ أدعوك اليوم لمشوار صغير نبحر به أنت وأنا في مسيرة رسولَين من الرسل الإثني عشر “يهوذا وبطرس” أتتساءل لما هذين الرسولين؟ ماذا يربط حبّ بطرس بخيانة يهوذا؟ أين القاسم المشترك بينهما؟ كيف يمكن أن تربط مسيرة يهوذا بمسيرة بطرس وقد كانت النهاية مختلفة كلّ الاختلاف؟… هلمّ بنا، فلنبدأ مشوارنا منذ البداية، خطوة فخطوة، ولنمحّصها مرحلة تلو الأخرى ولنرى أين سنرسي…
إختار يسوع يهوذا رسولًا فكان من عداد الرّسل الإثني عشر وكذا بطرس، كان يهوذا متشبثًا ببشريّته (حب المال) «لماذَا لم يبع هذا الطيب بثلاثمئة دينار ويعط للفقَراء؟ قَال هذا ليس لأَنه كَان يبالي بِالفقَراء، بل لأَنه كَان سارقاً، وكَان الصندوق عنده، وكَان يحمل ما يلقَى فيه» وبطرس أيضًا كان متشبثًا بها «ونحن ماذا يكون لنا فقد تركنا بيوتنا و… وتبعناك؟». أوكل يسوع يهوذا بمهمّة حفظ ماله ومال التلاميذ فكان صندوق المال عنده، يسوع أيضًا جعل بطرس الصخرة التي سيبني عليها كنيسته وسلّمه مفاتيح ملكوت السّموات. كان يسوع عارفًا بأن يهوذا سيخونه «أَجابهم يسوع: أَلَيس أَني أَنا اختَرتكم، الاِثثي عشر؟ وواحد منكم شيطَانٌ!”، وبأنّ بطرس سينكره «لا يصيح الدّيك إلا وأنكرتني ثلاث مرّات». سمِع يهوذا كسائر الرسل عظات يسوع وتعاليمه، رأى الآيات التي أجراها، رافق يسوع إلى كل الأماكن كسائر الرّسل «وكان يهوذا يعرف الأماكن التي اعتاد يسوع على الاختلاء بها بتلاميذه كبستان جثسيماني» وكذلك الأمر بطرس. لم يفرّق يسوع يهوذا عن سائر الرّسل، ففي بداية العشاء الأخير، قام يسوع بغسل أرجل كل رسله. أطعم يسوع يهوذا من يده رغم علمه بما يدور برأسه وقلبه «وتناول يهوذا اللقمة وخرج في الحال، وكان ليلاً» وبطرس تقاسم الخبز على مائدة يسوع. ثمّن يهوذا يسوع بثمن عبد: «ثم اتفق يهوذا مع رؤساء كهنة اليهود على أن يُسْلِم لهم المسيح مقابل ثلاثين قطعة فضة» وبطرس أنكر ولعن وحلف أمام جارية والحرّاس. سخّر يهوذا أسمى وأجمل ما في الحياة لخدمة مكره:«دلَّ اليهود على مكانهم في بستان جثسيماني وكان قد اتفق معهم مسبقا بان الذي سيقبله سيكون هو يسوع الناصري» وقع بطرس فريسة اندفاعه البشري البحت «فاستل سيفه وقطع أذن…» وبعد القبض على يسوع تآكله الخوف والرّعب. حتّى هذه اللحظة كان الإثنين متعادلين ولكن هنا اختلف المسار.
نعم هنا اختلف المسار «فبعد أن ألقى اليهود أيديهم على يسوع ندم يهوذا لأنّه سلمه وأعاد الفضة للكهنة وذهب وشنق نفسه» دون أن يتذكّر حب يسوع. أمّا بطرس فسمح لنظرة يسوع أن تخترق قلبه فندم وسخّر أنقى ما في الحياة “الدمعة” لخدمة توبته متذكرًا حب يسوع «وبكى بكاء مرًّا».
أخي، حال بطرس ويهوذا هي حال كل منّا، هي حالك وحالي، حبّ واحد ونفخة روح واحد أُعْطينا منذ البدء، قلب أب واحد أحبّنا فدُعينا للوجود، دعوة أولى وزنة أولى، نعمة الحياة. أنت وأنا كبطرس ويهوذا، إذ حُمِّلْتُ مسؤولية تُناسب وزناتي وحُمِّلْتَ أخرى تتناسب ووزناتك، أنت وأنا مدعووين لوليمة واحدة فيها الحبّ ذبيح وزاد الحياة، أنت لست معصومًا عن الخطأ وأنا خشبة في عيني لا قشّة،… أخي خلقنا متعادلين في الكرامة والمحبّة والمسؤولية، زُرِعْتَ في حقل وقد زُرِعْتُ في آخر لتُزْهِر وأُزْهِر… ولكن هنا يختلف المسار… قد تحاصرنا الأشواك وما أكثرها: مرض، ضعف، زلّة،… قد تهب العواصف: نكران، شك، فتور،… قد تُحْرِقنا قوّة الشمس: خيانات، دموع، خيبات أمل وألم… وهنا الإختيار أأكون يهوذا أم بطرس…؟! أأترك لنظرة الله أن تخترق جذروي وتحرّك الحنين إلى البدايات أم أترك الواقع يخنق بصري وبصيرتي فتكون نهايتي الموت…
أخي إيّاك أن تسمح ليهوذا الذي فيك أن يخنق إيمان بطرس فيخنق الأمان من أيّامك… إيّاك أن تصرّح للألم مسؤوليّة إدارة ردّات فعلك بل أترك للحب مهمّة تدبير حياتك وربّعه على عرش قراراتك… أخي مهما تكبّر وكبُر يهوذا فيك لا تترك للندم فرصة قتلك بل حوّله إلى صدمة توقظ فيك الحنين إلى البدايات وارمي بنفسك في قلب الحبيب وتغلّب على يأسك واعبر من حالة الموت إلى الحياة لا بل إلى ملء الحياة…
“قف لحظة”… واغسل ضعفك بدموع الندم فتجد صور الحبّ تغمرك… وهبّ مسرعًا واشنق هفواتك واعبر إلى حيث أنت مدعو فأنت ابن محبوب لأب رحوم لا يعرف سوى أن يُحبّ.
تابعوا قناتنا
https://www.youtube.com/channel/UCWTL4VXQh38PrPBZvVSZGDQ
شكراً لزيارة موقعنا وقراءة مقالة “بين بطرس ويهوذا… أين أنت؟! ”. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وأن تحبّ المسيح وتكون رسولاً حقيقيًّا له.