موقع Allah Mahabba – لبنان في أزمة
ما نعيشُهُ اليوم كلُبنانيّين على أرضِ الوطن، بات أكثرَ من إِزلالٍ وقهرٍ وإضطهادٍ مُتَعمّد مِن قبل السّلطة الحاكمة تجاه شعبها الذي صار بالنّسبةِ لها أشبهُ بالغريب لا بل بمثابةِ العدوّ والمحتلّ، فإمّا يموتُ جوعًا أو عليهِ أن يُهاجِر دون رجعة، لأنَّ لا “أوادِم” يُطالبون بِحقّهِ. لِلقَتلِ أشكالٌ وأشكالٌ مُتنوّعة، مِنها المُباشر والمُعلَن، وَمِنها المُتعمّد ولكِن عن طريقِ اللّامُباشَر والخفيّ تحت ستار البطيء وبتدرّجٍ مع الزّمن وذلك لكي لا يُعرَف المُجرِم ولكي تتعدّد الإحتمالات والتحليلات حول الأسباب الأساسيّة الموجبة، فتضيعُ الحقيقة وتُنتسى مع مرّ الوقت وكثرة الأحداث المتداخلة، وهذا فِعلًا ما تعتمدُهُ قصدًا السّلطة الفاسدة في لُبنان لا تُجاهَ جريمة انفجارِ المرفأ وحسب بل في كُلّ جرائمها القديمة والحاضرة ذات الطّابع اللامُباشر والخفيّ بوجهِ ملاكِ نورٍ ينفُثُ قتلًا وتدميرًا وهلاكًا.
إنَّ كُلَّ لُبنانيّ يُعاني من هذا الإجرام السّفّاح صارَ مشروع شهيدٍ وقد لاقى موافقة مجمعِ دعاوى القدّيسين والحبر الأعظم، ليُرفعَ طوباويًّا على مذبحِ الكنيسة والعالم، وذلِكَ مع الطّوباوييّن الكبّوشييّن اللّذين يترقّبُ لُبنان إعلانهُما في ال٢٠ من حزيران ٢٠٢٢، ليونارد ملكي عويس، وتوما صالح البعبداتِيَين. الأوّل كانت طريقةُ استشهادهِ بالمباشر، أمّا الثّاني باللّامباشر، ولكن المُجرِم نفسه؛ وهذا ما يحصَلُ بِمعظم اللُّبنانيَّين اليوم من خلالِ قطع الحاجات الأساسيّة والضروريّة لمقوّمات الحياة، بما فيها من أكلٍ ودواءٍ واستشفاء. فوطني بات يلفظُ أنفاسهُ الأخيرة، مثل مريضِ سرطانٍ أُنذِرَ أنّهُ سيموت بعد أشهُرٍ قليلة.
إنّ واقِعَنا المرير هذا، يقودُنا للتّفكيرِ جدّيًّا بمعنى الخطيئة الأصليّة-أصلُ كُلّ الشّرور. الفسادُ المُستشري في جسم الوطن ليس نتيجة اليوم، للأسف لقد بات جزءًا أساسيًّا من ثقافتنا، بالإضافةِ إلى التّبعيّة والتّحزّب والطّائفيّة والولاءِ للزعماءِ بدلًا عن الوطن. نحنُ مواطنون لم نعرف يومًا المواطنيّة ومعنى الحرّيّة والإستقلال والسيادة، فيوم أُعلِنَ لُبنانُ الكبير وطنًا لكلّ أبنائه، أجهضناهُ بسببِ مراهقتِنا المتمسّكة بشروشِ الزعامة والمناطقيّة والطائفيّة… علينا ألّا ننسى أننّا أقليّاتٌ تعايشنا مع بعضنا تحت وطأة الأحداث والظروف التاريخيّة، وطواله نخشى ونخافُ من بعضنا البعض، وكلٌّ منّا يلجأُ لقوىً خارجيّة ليحتمي تحت كنفِها. من هنا ثقافةُ السياسيّين الفاسدة لم تقف عند العملِ لأحزابهم وطائفتهم (أو زعم العمل من أجلها) ومنطقتهم، بل تمحورت على الأنانيّة الفرديّة والشخصيّة، فأصبح التيّار والحزب والعائلة والمجتمع والوطن في خدمة الزّعيم وليس العكس أبدًا. لقد قلبوا كلّ المقاييس الصّحيحة وشرّعوا مقاييس أُخرى طِبقًا لمحدوديتهم وانغلاقهم وفسادِهم؛ هذا جِزءٌ من وجه الخطيئة المُشتركة.
الجزءُ الثاني منها، يظهرُ عن طريق التّفلّت والهروب والإنكار وتبرير الذّات والكذب على طريقةِ جدّينا الأوّلين آدم وحوّاء، فالتّهمة تقعُ دائمًا على الآخر والموضوع يُصبِح لا مسؤوليّة لدى من مِنَ المُفترض أن يكونَ مسؤولًا، ويُضافُ عليها اللّامبالاةَ تُجاهَ آلام ومُعاناةِ النّاس، هذه الَّتي حذّر ونبّه عنها البابا فرنسيس في إحدى رسائل الصّوم الأربعينيّ.
ما تتحلّى بِهِ منظومةُ السياسيّين الفاسدة هو اللّا أخلاقيّة العامّة فلا مسؤوليّة وَلامبالاةٍ، فهُم أشبهُ بقبورٍ مُكلّسة، سفسطائييّن كذّابين ماهرين، يُتقنون جميعًا فنّ الكلام والإقناع والحجّة ولكنّهم لا يعرفون الحقّ أبدًا، لأنّهُ يكمُنُ في الخير، وثمارُهُم تدلّ على أنَّهُم أضحوا عبيدَ خطيئتِهم أبناء إبليس فلا خير فيهم، بدلًا من أن يتوبوا ويظهروا بأعمالهم لا بكلامِهم أنَّهُم أبناء الله.
من المسؤول اليوم عمّا وصلنا إليهِ؟ انقطاعُ الدّواء وموارد الطّاقة والكهرباء؟! كم من الأشخاص مهدّدون بالموت في كُلّ لحظةٍ، كم من مريضٍ ومتألّم ونساءٍ حوامِل يُعانونَ الخوف والأرق؟ بسبب من؟ ليست هذه مشيئةُ الله ولا هي من أعماله قطعًا، فمشيئةُ الله هي “في كلّ شيءٍ صالح وكامل ومرضيّ”، إنّها الخير الأسمى للإنسان.
كما نقول وفق التقليد اللاهوتيّ حول إرث الخطيئة الأصليّة وتمدُّدها، نستطيع أن نقول أنّ المسؤول عن مُعاناةِ آلام النَّاسِ ودموع الشيوخ والأطفال والأمّهات والآباءِ وهجرة الشباب، وعن موت المرضى بسبب هذه الضائقة المعيشيّة، هُم من احتلّوا مراكز السّلطة وسعوا لبسط صولجانهم على ما أسمَوها وزارات سياديّة وخدماتيّة لمنفعتهم الشخصيّة البحتة، وكانوا لا مسؤولين وغير مبالين بسبب نرجيسيّتهم الفائقة، وعنادهم الشديد، وعمى قلوبِهم المُظلِمَة….
ما نحنُ عليهِ اليوم، يدفعنا لأن نعمل وفقًا لما يدعونا إليهِ الرّبّ يسوع في الإنجيل: “إذا كانت عينُكَ سبب عثرةٍ فاقلعها وألقها عنكَ…” علينا جميعًا أن نقلع من أعماق قلوبنا جذور الخطيئة الموروثة والّتي للأسف صارت ثقافتنا. علينا أن نتمسّك بالحقّ، وأن نستقيم بكلامنا وأعمالنا… علينا أن نُدرِكَ أنّهُ “لا يخرُجُ من العوسجِ تين…” والّذي يلجأُ إلى ظلّ البطمة والعلّيقة تلتهمُهُ النّار.
وطني يحتضر… أمّي، أبي، أخي وأختي، زوجتي وزوجي أطفالي أولادي، أقاربي وجيراني، وضيوفي… كُلُّنا معًا نحتضر، فيما الزّعيم يزاوِل مهنة القتل المباشر والغير المباشر، وذلِك لأنّنا لم نثُر مثلَ ربّنا ومعلّمنا يسوع المسيح، “الّذي جاء لتكون الحياة وتفيض أكثر” … وحدهُ باستطاعتهِ أن يأخذ بيد الوطن قائلًا لهُ: “قُم، إحمِل فراشَكَ وامشِ”، هذا إن غدا إيمانُنا عمل ثورة حُبٍّ وحقّ تجاه الظُّلم والباطِل.
تابعوا قناتنا
https://www.youtube.com/channel/UCWTL4VXQh38PrPBZvVSZGDQ
شكراً لزيارة موقعنا وقراءة مقالة “وَطني يحتَضر.. . – لبنان في أزمة”. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وأن تجد في الله كلّ المعنى لحياتك.
لبنان في أزمة