الصبر والإيمان
في رسالته الى أهل غلاطية، يعدّد بولس الرسول “ثمار الروح” ويأتي على ذكر الصبر. إنّ هذه الفضيلة هي أساس التسليم الكامل لمشيئة الله، فالسيد المسيح بذاته، في خضوعه الكامل لمشيئة الآب، تحلّى بالصبر حتى أقصى حد، وكان لنا خير مثال!
أن تصبر يعني أن تتألّم وتحتمل… أن تنتظر رحمة الربّ بشجاعة ورجاء… أن تتخلّى عن الأنا الخاصة بك وبالآخرين، لتنمو أكثر وأكثر في نعمة الرب وفي القدرة على عيش وصاياه في حياتك محقّقاً إرادته… يقول الإنجيلي لوقا: “الزرع الَّذِي فِي الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ، هُوَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ فَيَحْفَظُونَهَا فِي قَلْبٍ جَيِّدٍ صَالِحٍ، وَيُثْمِرُونَ بِالصَّبْرِ” (لو7: 15)، وبالتالي فقط الذين يتحلّون بالصبر يستطيعون أن يثمروا ثماراً تليق بالملكوت.
وبعد، في زمن الاضطهاد والتجارب، عندما يُطلب من المسيحيين أن يعطوا جواباً عن إيمانهم بالمسيح، ويكونون بسبب إيمانهم “مبغَضين من الكل” من أجل اسمه، يوصينا السيد قائلاً: “بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ” (لو 21: 19) أي أنّه يدعونا أن نحتمل المشقّات من أجل اسمه ونثبت الى النهاية حتى نخلص! “خُذُوا يَا إِخْوَتِي مِثَالاً لاحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ: الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِ الرَّبِّ. هَا نَحْنُ نُطَوِّبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ” (يعقوب 5: 7-11).
غالباً ما ينسى المؤمنون المجاهدون أنّ الصبر فضيلة، فيطلبون كلّ شيء للحال وبأقلّ تعب ممكن. غالباً ما ينسى المؤمنون المجاهدون أنّ الصبر نعمة من الله، وثمرة للروح، فيعتقدون خازين أنّ بإمكانهم أن يصبروا بجهدهم الشخصي، بإرادتهم الخاصّة، من دون طلب ذلك من الله، فيتخبّطون بحالات من الاضطراب الروحي لا تنتهي.
فضيلة الصبر إذاً هي أن نحمل صليبنا حتى النهاية، هي أن نبقى مسمَّرين على الصليب مهما حصل، خاضعين لمشيئة الله في كلّ شيء. هي مقترنة بالمحبّة، والرجاء، والتواضع، وطبعاً بالإيمان. يجب تجديدها يوميّاً بالصوم والصلاة والاتحاد بالله من خلال المناولة المقدّسة. نجدها عندما نتعلّم أن نذكر الله في مختلف أمور حياتنا، عندما نلتصق بالمسيح ونرى كل ما يجري على ضوء ملكوت الله. إنّ آباء الكنيسة يجمعون أنّ اقتناء الصبر الحقيقي مستحيل بمعزل عن الإيمان، ومن أراد أن يقتني فضيلة الصبر، عليه أن يتّحد بالمسيح، ويعيش بقوّة الروح، ألم يقل الكتاب: “أَلْقِ عَلَى الرَّبِّ هَمَّكَ فَهُوَ يَعُولُكَ. لاَ يَدَعُ الصِّدِّيقَ يَتَزَعْزَعُ إِلَى الأَبَدِ” (مز55: 22)؟ فتشدّدوا ولتقوَ قلوبكم، يا جميع المتوكّلين على الرب! (مز 31: 24)!
Subscribe تسجّل على قناتنا على يوتيوب
https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg
شكراً لزيارة موقعنا وقراءة مقالة “الصبر والإيمان”. ندعوك لمشاركتها مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب.