تابعونا على صفحاتنا

مقالات

الفضيلة العظيمة

الفضيلة العظيمة

الفضيلة العظيمة

جاء في الأدب الرهباني أنّه كان يوجد شيخ له تلميذ جيّد. ومن الملل كان الشيخ يُخرجه خارج الباب ويزدري به، فكان التلميذ يمكث جالساً خارجاً، ولمّا فتح الشيخ الباب في اليوم الثالث، وجده جالساً، فأدّى له الشيخ مطّانيّة وقال له: “يا ولدي، إنّ تواضعك وطول أناتك قد غلبا شرّي وصِغَر نفسي، فهلمّ الآن الى داخل، ومنذ الآن كُن أنتَ الشيخ وأنا التلميذ”.

إنّ هذه القصة نقطة في بحر هذه الفضيلة العظيمة التي بواسطتها نقهر المُعاند وننتصرعلى الكبرياء، أمّ الرذائل. من يمتلك هذه الفضيلة يتشبّه بربّ الأرباب ويستقي منه أبهى صفاته، هو الذي قال: “تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب تجدوا راحة لنفوسكم” ( متى11: 29)، هو الذي بتواضعه الأقصى ارتضى أن يأخذ صورة عبدٍ ليفتدي الجنس البشريّ بدمه الكريم ويُصلَب ويقوم ويفتح لنا باب عدن الذي كان قد أُغلق بوجه آدم الأول العاصي.

لم يتوانَ أيّ من آباء الكنيسة عن الحديث على ميزات التواضع، وأهمّ الكتابات وأقدمها هي للقدّيس إسحق السرياني وجاء فيها: “إذا كان الغرور يشتّت النفس ويبدّدها ويدفعها إلى تحليقات هوائية فالتواضع يجمعها بهدوء ويُضرم فيها النار ويجنّحها بالغمام. إذا كانت النفس غير منظورة بالعيون الجسدية كذلك المتواضع لا يُعرَف بين البشر، وكما النفس تختبئ وسط الجسد، كذلك المتواضع لا يتحاشى أن يظهر بين الناس وفي اجتماعاتهم فحسب، بل يسجن نفسه في ذاته بإرادته صامتاً قانعاً بعالم أعماقه، يعيش فيه كأنه يعيش في عالم مستقلّ لا يقيّده زمان ولا مكان، ثماره المعاني التي يغرفها من عالم صمته ونقاوته، معانٍ تنسيه حتى ذاته، فيرتفع إلى درجة من عدم المعرفة مضاعفاً فيه الكنوز التي يزيدها التواضع الصامت إشراقاً وإشعاعاً”.

ويضيف: “المتواضع لا يطرب لأناشيد البشر ولا تستهويه الحياة العامة، بمجتمعاتها وترفها واهتماماتها المظلمة، المتواضع يفرح بالوحدة ويُسرّ بالصمت ويعيش على الحقيقة، الوحدة والانفراد هما الدافع إلى الارتفاع وهذا يرتفع بتواضعه إلى عالم السلام الفكري والهدوء الذهني، ويبتعد عن الاهتمامات التي تقفل باب السلام لتفتح باب الجحيم المعذب المضني. لا مجال في التواضع للأفكار المحمومة والكلام الفارغ، المجال فقط لعالم الهدوء والاطمئنان، لا يعرف المتواضع الخوف حتى لو طبّقت السماء على الأرض،  المتواضع يعيش في هدوء دائم، لأنه ليس من هذا العالم، إنه لا يخاف الأحزان ولا ترعبه ولا تغيره، لا يباهي ولا يفتخر، لا تبطره المسرّات لأن أفراحه في سيده”.

أمّا ثمار التواضع فهي الحشمة والرقة والإحسان والدموع والقلب المنسحق وشل حركة الغضب والصبر وطول الأناة وإطفاء نيران الشرير… المتواضع يقف أمام الله كإنسان مفقود الجرأة لا يعرف ماذا يقول وماذا يصلي وماذا يطلب، جل ما يطلبه رحمة الله وإرادته ومشيئته، جل ما ينشده صمت فيه كل معاني الكمال، كل التعبير عن غزارة عالمه الروحي، يحني رأسه أمام الله في خشية وخجل في حين تكون نفسه شعلة محترقة فوق درج باب القدسات يلفّه الغمام الذي يبهر أعين الملائكة، يحني رأسه صامتاً ساكباً فوق مصفّ الملائكة صمته، بالرغم من هذا كلّه، لا يجسر أن يقول إلا صلاة المتواضع: فلتكن إرادتك يا رب. وهذا ما يجب أن نفعله نحن أيّها الأحباء، في هذا الزمن المقدّس الذي يُعدّ فرصة ذهبية سانحة لنا لنجاهد روحياً ونقتدي بالرب يسوع بتواضعه ووداعته، ونمارس الفضائل السامية ونقرن إيماننا بالأعمال الصالحة لمجد الله، آمين!

Subscribe تسجّل على قناتنا على يوتيوب

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا وقراءة مقالة “الفضيلة العظيمة”. ندعوك لمشاركتها مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب.