تابعونا على صفحاتنا

بالفداء
مقالات

مريم العذراء ليست شريكة بالفداء

بعد أن قام قداسة البابا فرنسيس بإعطاء تعليم الكنيسة الرسمي حول والدة الله، العذراء مريم، في المقابلة العامّة يوم الأربعاء 24 آذار 2021، عشيّة عيد سيّدة البشارة، مؤكّداً ما تقوله الكنيسة دائماً وهو أنّ المسيح هو الفادي الوحيد للبشريّة، وأنّ مريم العذراء أمّنا ليست شريكة بالفداء؛ تمّ تناقل بعض الآراء التي تهاجم الكنيسة وتعاليمها ورأسها قداسة البابا، بالتفتيش عمّا يمكن إيجاده من أجل رمي الاتّهامات. إليكم دراسة صغيرة تحمل بعض البراهين اللاهوتيّة حول هذا الموضوع.

سنعرض حقيقة ما يقوله تعليم الكنيسة الرسمي عن موضوع شريكة الفداء، وما يقوله البابا بنديكتوس السادس عشر، اللاهوتي الكبير، حول الموضوع، وحقيقة ما قاله البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني الذي تمّ تحريف كلامه، ولماذا الاعتقاد بمثل هكذا عقيدة هو ضرب للإيمان المسيحي.

يجب أن نعرف جيّداً أنّ لقب “شريكة الفداء” يعني حرفيًّا “coredentrice” باللّغة الإيطاليّة أو “co-redemptrice” في الفرنسيّة. والكلمة مهمّة جدًّا لأنّ فيها أساس الموضوع كلّه. ولمعرفة حقيقة الأمور علينا العودة إلى النصوص الأصليّة الرسميّة باللّغة التي كُتِبَت بها، ونحن نعلم أنّ تعليم الكنيسة والباباوات لم يُكتب باللّغة العربيّة بل تمّت ترجمته.

أوّلاً – ما يقوله قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر
أكّد قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر عندما كان لا يزال الكاردينال جوزف راتزنغر رئيساً لمجمع عقيدة الإيمان: “إنّ مفهوم شريكة الفداء ينحرف تماماً عن الكتاب المقدّس وعن كتابات آباء الكنيسة. كلّ شيء يعود إلى المسيح كما تؤكّد لنا رسالتَي أفسس وكولوسّي. مريم أيضاً هي كلّ ما هي عليه من خلاله. إنّ مصطلح “شريكة الفداء” سيخفي تماماً هذه الحقيقة الأصليّة. إنّه حسن نيّة يتمّ التعبير عليه بكلمات خاطئة. في مجال الإيمان، إنّ الاستمراريّة بالتكلّم بلغة الكتاب المقدّس وآباء الكنيسة هو أمرٌ أساسيّ. ولا يمكن التلاعب باللّغة على هوانا” (Voici quel est notre Dieu, p. 215-216).
وبهذا الشكل، يكون أيضاً قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر قد رفض كليًّا مفهوم “شريكة الفداء” لمريم العذراء.

ثانياً – حقيقة كلمات البابا يوحنّا بولس الثاني
تزعم بعض الآراء التي تمّ تداولها أنّ البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني قد أصدر تعليماً يحمل إسم “مريم شريكة الفداء” في 9 نيسان 1997، وهذه كذبة. فلنراجع النصّ الأصلي الموجود على صفحة الفاتيكان الرسميّة، والذي كتبه البابا القدّيس بالأصل باللغة الإيطالية. فهو يقول: “Maria cooperatrice della Redenzione” أي “مريم متعاونة في سرّ الفداء“. وفي كلّ النصّ المذكور لم يذكر ولا لمرّة واحدة كلمة “coredentrice”، وكلّ ما تمّ ترجمته ونقله إلى العربيّة هو خطأ، وخطأ كبير، لأنّه تحريف للحقيقة ويناقض الكتاب المقدّس وتعليم الآباء كما قال البابا بندكتوس السادس عشر.
إذاً، البابا يوحنّا بولس الثاني لم يقل أبداً أنّ مريم شريكة بالفداء ولم يقرّها عقيدة إيمانيّة في الكنيسة.

ثالثاً – ما يقوله تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة
المجمع الفاتيكاني الثاني يقول حرفيًّا باللّغة الأصليّة اللاتينيّة في العدد 58 من الدستور العقائدي “نور الأمم” أنّ مريم: “et sacrificio Eius se materno animo sociavit”، وباللّغة الإيطاليّة “associandosi con animo materno al suo sacrifico”، أي “مرتبطة بروحها الأموميّة في ذبيحته“.
وفي العدد 61 يقول أيضاً أنّ مريم العذراء “singulariter prae aliis generosa socia”، وباللغة الإيطالية “generosamente associata”، وما معناه أنّ مريم العذراء “مرتبطة” بشكل سخيّ بعمل إبنها. إذاً هو لا يذكر أبداً في النصّ الأصليّ كلمة “شريكة” أي “coredentrice”.
إنّ ترجمت كلمة “مرتبطة” إلى “شريكة” هو خطأ في اللّغة العربيّة.

باختصار، لماذا مريم العذراء ليست شريكة بالفداء؟
مريم العذراء، أمّ الله الكليّة الطوبى، الفائقة القداسة، سلطانة السموات والأرض، وأمّنا الحنون، لا ترضى هي بذاتها أن تُلقَّب “شريكة بالفداء”، لماذا؟ لأنّ هذا يشكّل إهانة لابنها يسوع المسيح، ابن الله والمخلّص وفادي البشريّة جمعاء. إذا أقرّينا إيمانيًّا بأنّ مريم هي شريكة بالفداء، فهذا يعني أنّنا نقول بأنّ “فداء المسيح ناقص” وأنّه “لا يمكنه أن يفدي البشريّة لوحده”، وهذه هرطقة كبيرة في الإيمان المسيحي.
لن يتمّ إقرار مريم شريكة الفداء أبداً، والكنيسة لا تبحث في الأمر كما يروّج البعض، لأنّ الكنيسة لا تبدّل في جوهر إيمانها. إنّ “مريم شريكة الفداء” كعقيدة إيمانيّة هي ضربٌ واحتقار لخلاص المسيح.

وبالتالي، كما رأينا، فقداسة البابا فرنسيس لم يقُل أيّ شيء جديد في تعليمه عن مريم في المقابلة العامّة يوم 24 آذار 2021، بل ذكّر بما تعلّمه الكنيسة أصلاً والباباوات من قبله. لا بل فإنّه يتكلّم بكلماته الرائعة عن مريم ويقول: “إنّ العذراء التي عهِدنا إليها يسوع كأُمّ، هي تضمُّنا جميعاً؛ ولكن كاُمّ، وليس كإلهة، ولا كشريكة بالفداء: ولكن كأُمّ… مريم حاضرةٌ هناك، تصلّي من أجلنا، وتصلّي من أجل من لا يصلّي. تصلّي معنا. لماذا؟ لأنّها أمُّنا”.

إنّ عدم الاعتراف بعقيدة “مريم شريكة بالفداء” ليس تقليل أبداً لقيمة مريم، بل العكس تماماً. هي مثال لكلّ واحد منّا، تعلّمنا كيف نرافق المسيح على طريق الجلجلة، كيف نتأمّل في آلامه وكيف نقف عند الصليب مثلها. هي مرتبطة ومتعاونة في سرّ الفداء الذي أتمّه الفادي الوحيد للبشريّة، يسوع المسيح.

ومن هنا أناشد الذين ينشرون الأضاليل ويحرّفون أقوال الباباوات، ويقومون بالتحريض ضدّ رأس الكنيسة، قداسة البابا فرنسيس، أنّهم يقومون بدور إبليس الذي يريد أن يقسم الكنيسة. لينتبه كلّ مسيحي من هكذا “أنبياء دجّالين وكذّابين” الذي ينطبق عليهم ما قاله الكاردينال روبرت سارا، رئيس مجمع العبادة والأسرار السابق، إذ يقول: “الحقيقة هي أنّ الكنيسة ممثّلة على هذه الأرض من نائب المسيح، أي البابا، وكلّ من هو ضدّ البابا هو تلقائيًّا خارج الكنيسة. من يقول أنّني ضدّ البابا فرنسيس يقوم بتصريحات شيطانيّة” (مقابلة مع الجريدة الإيطاليّة كورييري ديلا سيرا، 7/10/2019).

أخيراً، أرفع صلاتي إلى أمّي الحبيبة مريم: يا أمّنا رافقينا على درب الجلجلة، لكي نحمل صلباننا مع المسيح. علّمينا أن نتبعه كما تبعِهِ أنتِ. علّمينا أن نصلّي كما صلّيتِ أنتِ. علّمينا أن نثق بهِ هو مخلّصنا وفادينا الوحيد. آمين.

تسجّل على قناتنا على يوتيوب

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا وقراءة مقالة “مريم العذراء ليست شريكة بالفداء”. ندعوك لمشاركتها مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وأن يقدّسك بشفاعة أمّنا مريم العذراء.