ننقل لكم سبع تأمّلات حول مار يوسف كتبها القدّيس ألفونس ماري دي ليغوري. هذا هو التأمّل السّادس: وفاة القديس يوسف.
“كريمٌ في عينَي الرّبِّ موتُ أبرارِه”
تأمَّلوا كيفَ أنّ يوسُفَ، بعدَ أن خدَمَ يسوعَ ومريم بإخلاصٍ تامٍّ، اقتربتْ ساعةُ موتِه في بيتِه في الناصرة. وبما أنّ الملائكة وملك الملائكة، يسوع المسيح، يحيطون به، كذلك مريم خِطيِّبَته، وقد وقفَ كلُّ واحدٍ منهم إلى ناحيةٍ من سريره المتواضعِ. لقد تعزَّى بهذه الرفقة الحلوة، الفاضلة، مُحافظًا حتى الرَّمقِ الأخيرِ على هدوءٍ سماويّ، وتركَ هذه الحياة المليئة بالشقاء. كم كان وجودُ هذه المرأة وهذا الابن، الذي هو المخلـِّص، كافيًا كي يُمسي موتُ يوسُف هادئًا وثمينًا. فكيف سيُضحي موته مُرًّا إن هو انتقل بين يدَي الحياة عينِها؟ مَن منّا قادرٌ على التعبيرِ أو فهمِ التعزية والرجاءِ الرائعَين، وأعمالِ الخضوعِ وشُعلةِ المحبَّةِ التي تُشعلُ قلبَ يوسُف، بكلماتِ الحياةِ الأبدية التي كان يتلفَّظُ بها يسوع أو مريم في اللحظةِ الأخيرةِ من حياتِه؟ إذًا لا بدّ من رأي القدّيس فرانسوا دي سال أن يكونَ صحيحًا حين قال: “إنّ يوسُفَ ماتَ من فيضِ الحُبِّ الصافي لله”. هكذا كان موتُ القدّيس المسالم بلا خوفٍ ولا هلعٍ، لأنّ حياتَه كلَّها كانت مقدّسَةً. لكن لا يمكننا أن نسعى إلى موتٍ مشابهٍ لأنّنا أسأنا إلى الله، واستحققنا نارَ جهنّم. هذا صحيحٌ ربّما، لكن مع ذلك ستكونُ تعزيتُنا كبيرة في اللحظةِ الأخيرةِ إذ نرى حمايةَ القدّيسِ يوسُف. هو الذي أطاعهُ الله بنفسِه، ستطيعُه الشياطين حتمًا، وسيطردُها ويمنعُها من إغراء مَن يكرّمونَه، ساعةَ موتِهم. فطوبى للنفسِ التي تحتمي بهذا المحامي، لأنّه عند موتِهِ بمعونَةِ يسوع ومريم. وبإنقاذِه يسوع من الموت المحتوم، حين هرب به إلى مِصرَ، يتمتَّعُ بأن يكونَ شفيعَ الميتةِ الصالحةِ، ويحرر خدّامه المائتين من خطرِ الموتِ الأبدي.
†تأملات وصلوات:
يا حاميّ القدّيس، لقد نلتَ الحقَ الكاملَ بالميتَةِ المقدَّسَةِ، لأنّ حياتَك كلـَّها كانت مقدّسة. أمّا أنا فمِن الطبيعي أن أتوقعَ ميتةً مليئة بالعذاب، لأنّي استحققتُها بحياتي السيّئة. لكن إن دافعتَ أنتَ عنّي فلن أضيع. لم تكن من أقربِ أصدقاءِ مَن سيحكمُ عليّ فَحَسْبُ، بل كنت أيضًا حارسَه ووصيًّا عليه. وإن تشفّعتَ بي أمام يسوع فلن يدينني. يا راعيّ القدّيس، أختارُك بعد مريم راعيًا ومحاميًا رئيسًا عني. وأعدكَ حتى آخرِ حياتي أن أكرّمَك كلَّ يومٍ بمديحٍ خاصٍ، وأن أضعَ نفسي تحت رعايتك. أنا غير مستحقٍ، لكن باسم الحبِّ الذي تكنُّه لمريم ويسوع، اقبلني خادمًا لك إلى الأبد. باسمِ هذه العائلةِ المقدَّسة التي أسستها مع مريم ويسوع طَوالَ حياتِك، احمني طَوالَ حياتي، لئلاّ أنفصلَ يومًا عن الله وأخسرَ نعمتَهُ القدّوسة.
بحقّ المعونَة التي وجدتَها في يسوع ومريم ساعةَ موتِك، احْمِني ساعةَ موتي، كي أموتَ برفقتِك ورفقةِ يسوع ومريم، وأكونَ يومًا في الفردوسِ، أقدّمُ لكَ الشكرَ، وأتمكَّنُ من تسبيحِ إلهِنا برفقتِك.
أيتها العذراء الفائقة القداسة، أنت يا أملي، إنكِ تعرفين جيدًا أنَّه بحقّ آلام يسوع المسيح أوّلًا، وبشفاعتِك، أرجو أن أموتَ ميتةً صالحةً لأخلـُصَ. يا أمّي، لا تتخلَّيْ عنِّي، بل أعينيني خصوصًا في ساعةِ الموتِ الحاسمة. ونالي لي نعمةً أن ألفِظَ أنفاسيَ الأخيرة وأنا أتضرَّعُ إليكِ وأُحبّكِ واُحبّ يسوع.
وأنتَ، يا مخلـِّصي الحبيب، ستكونُ يومًا القاضي الذي سيحكم عليّ، أتوسّل إليك، سامحني عن كلّ ذنوبي التي ارتكبتها بحقـِّك. فانا أتوبُ عنها كلَّها من كلِّ قلبي، لا تتأخر في مسامحتي، قبل أن تأتي ساعةَ موتي وتحاكمني. كم أنا آسفٌ على ضياعِ كلّ تلك السنواتِ من دون أن اُحبَّـك! امنحني نعمة أن أحبّك حبًّا كبيرًا في الأيام القليلة المتبقية من حياتي. وحين تأتي لحظةَ انتقالي من هذه الحياة إلى الأبديّة، أعطني أن أموتَ مشتعلًا بنار محبَّـتِك. أحبّك يا مخلـِّصي، يا إلهي، يا حبّي ويا كلّي! ولا أطلبُ منك أيةً نعمةٍ سوى أن أحبَّك. أرغبُ في الفردوس وأريدُ نعمةَ أن اُحبّك إلى الأبد بكلِّ ما لديّ من قوّة. آمين. هذا ما أرجوه، آمين، هكذا فليكن.
يا يوسُف، يا يسوع ويا مريم، أقدِّمُ لكم قلبي ونفسي. يا يوسُف، يا يسوع ويا مريم، في هذا النزاع الرهيب، إسمحوا لي أن أموتَ برفقتكم.
لبقيّة التأمّلات:
1. التأمّل الأوّل حول مار يوسف للقدّيس ألفونس دي ليغوري
2. التأمّل الثاني حول مار يوسف للقدّيس ألفونس دي ليغوري
3. التأمّل الثالث حول مار يوسف للقدّيس ألفونس دي ليغوري
4. التأمّل الرابع حول مار يوسف للقدّيس ألفونس دي ليغوري
5. التأمّل الخامس حول مار يوسف للقدّيس ألفونس دي ليغوري
6. التأمّل السّادس حول مار يوسف للقدّيس ألفونس دي ليغوري