.ننقل لكم سبع تأمّلات حول القديس يوسف كتبها القدّيس ألفونس ماري دي ليغوري. هذا هو التأمّل الثاني: الرحيلِ إلى مِصرَ
“ظَهرَ ملاكُ الرَّبِّ ليوسُفَ في الحُلمِ وقال له: “قمْ، خذ الطفل وأمَّه، واهرب إلى مِصرَ”.
حين أخبرَ المجوسُ الأتقياءُ هيرودسَ بأنّ ملكَ اليهودِ قد وُلدَ، أمَرَ هذا المتسلِّطُ الوحشيُّ بإعدامِ كلِّ الأطفالِ الذين وُجِدوا في أنحاءِ بيتَ لحم ومحيطِها. وبالتالي، بما أنّ اللهَ أرادَ أن يَحمي ابنّهُ موقتًا من الموتِ، أرسلَ ملاكًا لينبِّهَ يوسُفَ بأنْ يأخُذَ الطفلَ وأمَّهُ ويهربَ بهما إلى مِصرَ. تأمّلوا هنا في الطاعةِ السريعةِ التي أظهرَها القديس يوسف، الذي، مع أنّ الملاكَ لم يفرِضْ عليه وقتَ الرحيلِ، لم يفكِّر في الصعوبةِ أو الوقت أو طريقة سَفَرٍ مضنٍ كهذا، ولا في المكانِ الذي فيه سيستقرّ في مِصرَ. بل عمد فورًا إلى الرحيلِ. وفي هذه البرهةِ بالذات، أخبرَ مريمَ بذلك وفي الليلةِ نفسِها، كما يقول غيرسون، أحضرَ كلَّ أدواتِ مهنتِهِ التي بإمكانِه حملَها والتي يمكنُها أن تساعدَه على إعالةِ عائلتِه، وذهبَ في الطريقِ مع خطّيبتِه مريمَ القدّيسة. وها هم وحدهم من دون مرشدٍ، يشُقّون طريقَهم إلى مِصرَ، فيقومون بسفر مسافة ميلٍ ، ويعبرونَ الجبالَ وطُرقاتٍ قاسيةً ووعرةً وفي الصحاري الواسعةِ. وكم كانت قاسية آلآم يوسُف في هذا السفر، حين كان يرى امرأتَه الحبيبة تُعاني التعبَ، هي التي لم تعتد السيرَ حاملةً على ذراعَيها الطفلَ الحبيبَ الذي كانا يتبادلان حملَه طَوالَ الطريقِ، مع الحذرِ المستمرِ بتجنُّبِ لقاءِ جنودِ هيرودس في كل خطوةٍ، وذلك في أشدِّ الأيامِ برودةً وشتاءً، إضافةً إلى الرياحِ والثلوجِ التي زادتْ الترحالَ قساوةً. وبمَاذا كانوا يغتذون في هذا السفرِ سوى بقطعةِ خبزٍ أحضراها من المنزلِ أو نالاها كمساعدة؟ أينَ كان من المفترضِ أن يستريحوا في الليلِ، في سوى بعضِ الأماكنِ القاسيةِ، أو في الطبيعةِ العارية المكشوفةِ، أو، في أفضلِ الأحوال، تحت شجرةٍ؟ كان يوسُف مستسلمًا تمامًا لمشيئة الرّبّ الأزلي، الذي أرادَ أن يبدأ طفله بالمعاناة منذ نعومةِ أظفارِه لتحريرِ الإنسانِ من خطاياه. لكن لم يكن بإمكانِ قلبِ يوسُف الحنون والمُحبّ ألاّ يشعرَ بالألمِ العظيمِ حين كان يسمعُ يسوع يبكي من البردِ ومن كل ما أزعجه. تأمّلوا أخيرًا كم كان يوسُف يعاني في إقامةِ سبع سنوات في مِصرَ، داخلَ أُمَّةٍ همجية، مجهولة وعابدةٍ للأصنامِ. لم يجد هناك الأهلَ أو الأقاربَ لمساعدتِه. وكان القدّيس برنارد يقول “كان على الراعي القدّيس أن يعملَ ليلًا ونهارًا، كي يُطعِم خِطّيبتَه والطفلَ الإلهي، مغذي البشر والمخلوقات جميعًا على الأرض.
†تأملات وصلوات:
يا محاميَّ القدّيس، باسم هذا الاستسلام التامّ الذي أظهرتَه أنت للمشيئةِ الإلهية، استمدّ لي نعمةَ الامتثال الكاملِ لأوامرِ الله. واحصل لي في سَفَرِ روحي المجاهدة نحو الأبدية، على نعمةِ عدمِ الخسرانِ لرِفقةِ يسوع ومريم، حتى الرمقِ الأخير. وهكذا، برفقتهما، ستكون كلّ الآلام والمصائب، في حياتي وحتى ساعة موتي، سهلةً وناعمةً وسلسةً.
يا مريم، أمّ الله، باسم الآلام التي عانيتِها وأنتِ شابةٌ وضعيفةٌ، طَوالَ سفرِكِ إلى مِصرَ، نالي لي قوَّةَ احتمالِ الآلام والأمور المزعجة التي أصادفها بصبرٍ واتضاع.
وأنتَ، يا حبيبي يسوع، أشفق عليّ. يا إلهي، أيّتها البراءة الكاملة، أنتَ، ربّي وإلهي، الذي أردتَ منذ نعومةِ أظفارك أن تتألّم من أجلي، وأنا، الخاطئ الذي طَالما أَستحقُّ نارَ جهنّم، كيف لم أكن خاضعًا وصبورًا في آلامي من أجلك؟ سامحني يا سيّدي! أريدُ منَ الآنَ فصاعدًا أن أحتملَ كلَّ ما تُريده، ومنذ هذه اللحظة، أتقدّمُ لأحملَ كلَّ الصلبانِ التي تُلقيها على كتفيّ. فساعدني بنعمتِك، لأني بدونِ عونِك سأخونك. أحبّك يا يسوع، يا كنزيَ الثمين، ويا كلّي. وأريد أن أحبّك دائمًا، وأن أرضيك وأن أتألّم بكل القدر الذي تريده.
لبقيّة التأمّلات:
1. التأمّل الأوّل حول مار يوسف للقدّيس ألفونس دي ليغوري
2. التأمّل الثاني حول مار يوسف للقدّيس ألفونس دي ليغوري
3. التأمّل الثالث حول مار يوسف للقدّيس ألفونس دي ليغوري
4. التأمّل الرابع حول مار يوسف للقدّيس ألفونس دي ليغوري
5. التأمّل الخامس حول مار يوسف للقدّيس ألفونس دي ليغوري
6. التأمّل السّادس حول مار يوسف للقدّيس ألفونس دي ليغوري