هو محمد الموسوي إبن فاضل علي الموسوي من أسرة “السيّد الموسوي” الشيعية من العراق ذو التاريخ العريق في الإسلام. إذ تعود جذورها إلى محمد، نبيّ المسلمين، وبالتحديد إلى سلالة الإمام موسى الكاظمي الذي يتحدر بدوره مباشرة من سلالة علي بن أبي طالب. وهم متواجدون في إيران ولبنان أيضاً، وينتمي إلى نفس العائلة آية الله الخميني.
عاش في عائلة أرستقراطيّة ذات نفوذ وسلطة كبيرة، في جوّ من الرفاهية والترف والبذخ، إذ كان والده لغاية سنة 2001 زعيماً وقائداً في العراق، ذو ثروة كبيرة؛ وكان يُعتبر، هو محمد، الوريث ووليّ العهد بعد والده.
ترك كلّ شيء، كلّ ماله وإرثه، والسلطة، والنفوذ، وتبع المسيح… تعرّف على المسيح، أحبّه، إكتشف الحقيقة، فحمل صليبه وآلام الاضطهاد التي لحقت به وتبع من هو “الطريق والحقّ والحياة”.
إنّه الآن “جوزف فاضل”، يروي قصّة حياته في كتاب باللغة الفرنسيّة تحت إسم “Le prix à payer” وهو مترجم إلى العديد من اللغات منها العربية بعنوان “ثمن الاهتداء إلى المسيح“، وبالانكليزيّة “The price to pay“.
وهو يقوم بإلقاء العديد من المحاضرات والنقاشات وشهادات الحياة التي تلمس قلوب سامعيه وبخاصّة الباحثين عن الحقيقة، من المسيحيين وغير المسيحيين، على دروب هذه الحياة.
لم يكن لديه أيّ اضطلاع على الإيمان المسيحي من قبل. تعرّف على المسيحيّة من خلال شخص مسيحيّ وضعه الله على دربه سنة 1987 واسمه “مسعود”. إكتشف بعد تعرّفه عليه أنّ الانسان المسيحيّ ليس كما وصفوه له سابقاً. وقد صمّم في البداية أن يهدي مسعود إلى الدين الإسلامي. إلا أنّ ما حصل قلب المقاييس وجرى ما لم يتوقّعه، إذ كان كلّ شيء يدور في مشروع الله الخلاصيّ له.
بدأ رحلته ليس بالتعرّف على الإنجيل، بل بالتعمّق في القرآن، كما طلب منه مسعود أن يعمل. وهنا بدأت الأسئلة الإيمانية تدور في ذهنه، حتّى وصل إلى فقدان الأمل كما يقول هو بذاته في إحدى المقابلات: “نعم، فقدت كلّ أمل، وجدتُ نفسي كتائه في الصحراء، لا نصير له ولا دليل”. وسقط إيمانه السابق.
في أيّار 1987، حدثٌ جميل راوده لم يفهمه في وقته. رأى نفسه، وهو في الحلم، واقفاً على ضفة نهر والخوف يعتريه لعدم استطاعته عبور النهر. وإذ يأتي من بعيد رجلٌ، يمدّ له يده ويساعده على العبور، ثمّ يقول له: “لا بدَّ لكَ من أن تأكل من خبز الحياة كي تستطيع عبور هذا النهر وحدكَ“. كلمات حُفِرَت في محمد ولم يفهمها لوقتها، لكنّ الله كان يتكلّم رويداً رويداً مع قلبه.
وكان قد طلب من مسعود أن يعطيه إنجيلاً. وبعد خمسة أشهر حين أصبح الانجيل بين يديه، فتحه، فوقع نظره على الفصل السادس من إنجيل يوحنّا وقرأ كلمات المسيح: “أنا هو خبز الحياة، من يأتي إليّ لن يجوع أبداً“.
عندما يتحدّث جوزف (محمد) عن هذه اللحظة تدمع عيناه، ويقول: “هنا اعترتني رعشة رهيبة، وأشرق نور ساطع في حياتي فأعطاها معنىً جديداً. وقعتُ في عشق السيّد المسيح الذي تتحدّث عنه الأناجيل… غمرني فرح روحاني، وتأكّدتُ أنّ مجرى حياتي تغيّر تماماً إبتداءاً من تلك اللّحظة“.
لحظة واحدة كانت كافية أن تقلب حياة محمد. لحظة اللقاء الحقيقي مع شخص المسيح، لحظة الاختبار الشخصي مع المسيح. كتلك اللحظة التي قلبت حياة شاول إلى بولس، وغيّرت قلب أغسطينوس، وحوّلت إديت شتاين، اليهوديّة الأصل، والملحدة لاحقاً، إلى القدّيسة تريزا بنديكتا للصّليب.
وهنا بدأ محمد مشوراه مع المسيح، ويقول: “بدلاً من الصلوات الخمس المفروضة يوميًّا في الإسلام، وجدتُ في الصلاة الربّانية، أي الأبانا الواردة في الإنجيل، صدىً عذباً في عقلي وبلسماً لذيذاً مهدّئاً في قلبي. فقلتُ في نفسي: إذا كان الله يتكلّم مثل الأب الذي يحبّ أولاده، وإذا كان يغفر للخطأة ذنوبهم، إذاً لن تكون علاقتي معه منذ الآن فصاعداً كما كانت سابقاً، علاقة خوف ورعب وابتعاد، بل علاقة حبّ كما هو الحال بين أفراد العائلة“.
كان يعلم أنّ خبر اهتدائه إلى المسيحيّة قد يودي بحياته، ولكن هذا الأمر لم يُقلِق قلبه ولم يجعله يتراجع، بل كان مستعدًّا إلى الاقتداء برسل المسيح الذين تعرّضوا للاضطهاد ولأقصى العذابات حُبًّا بالمسيح.
علّمه مسعود كيفيّة القيام بإشارة الصليب وصلاة الأبانا والسّلام وكيفيّة التأمّل بالإنجيل. لاحظ بعد فترة تغيّراً فيه، في قلبه، في سلوكه ونظرته للآخرين؛ يقول: “في الواقع، تعجّبت كثيراً من النظرة الجديدة التي أخذتُ أُلقيها على محيطي والاعتبار الخاص لكلّ إنسان أعمل أو أتعامل معه. لقد غابت تماماً النظرة العلويّة السابقة التي ورثتها بحكم وضعي العائلي والتي كانت بارزة في علاقاتي مع الجنود رفاقي. فقد أصبح لديّ اندفاع لخدمة الآخرين ولمحبّتهم كما يحبّهم المسيح. وفي عائلتي كذلك، بات الحب الذي يعلّمنا إياه سيّدنا يسوع المسيح شعاري مع كلّ الذين يحيطون بي، ولم يعد لديّ إلا هدف واحد ألا وهو تقاسم الفرح الداخلي الذي يغمرني مع الآخرين الذين لم يشعروا حتى الآن بجمال حلاوته“.
في شتاء 1987-1988، كان ينتظر غياب والده عن البيت ليذهب ويبحث في بغداد عن مسيحيين يصلّي معهم. يُخبر بألم عن بحثه الطويل عن كهنة في الكنائس طالباً المساعدة في التعمّق بالإيمان المسيحيّ. إلّا أنّه تمّ صدّه مراراً خوفاً منه إذ كان معروفاً وما كان أحداً يصدّق خبر اهتدائه إلى المسيحيّة.
في بداية عام 1992، وقد كان همّه الوحيد الغوص في مسيرة الإيمان الرائعة، فاجأه والده بخبر تزويجه من آنسة لا يعرفها، وقد دفع المهر وهو مضطر للزواج منها، على الرغم من معارضته وعدم تفكيره في الزواج وبناء أسرة.
فانتقل حينها للعيش بمفرده مع زوجته، التي صارحها بعد معاناة أليمة بحبّه للمسيح وإيمانه به. فتركت البيت وعادت إلى بيت أهلها. إلّا أنّها احتفظت بالسّر ولم تُخبِر أحداً. وأنارها الله فعادت إلى زوجها الذي بدأ معها مسيرة تعريفها على الإيمان المسيحي من خلال الإنجيل. فبدأت تذهب معه للصلاة وأحبّت بدورها المسيح.
كُشِفَ أمره في عائلته، فاستدعاه والده بحضور إخوته وأعمامه وأولادهم وقيّدوا يدَيه ورجلَيه بالسلاسل وهو يسمع صراخ والده قائلاً له: “لقد جلبت العار علينا”. إلّا أنّ ما آلم قلبه الأكثر كان صوت والدته وهي تردّد: “أقتلوه، أقتلوه، وارموه في النهر”.
أدخلوه السجن وتحمّل داخله كلّ أنواع التعذيب والضرب والإهانات، ففقد نصف وزنه وتغيّرت بعض ملامحه. بعد سنة ونصف داخل السجن، أُطلِقَ سراحه وهو لا يعلم كيف حصل ذلك، بل يقول بنعمة من المسيح.
عاد إلى بيته، وبدأ حينها يخطّط للهروب من العراق، وذلك في بداية سنة 2000. فكان عليه الحصول على أوراق ثبوتيّة جديدة بعد أن وضع والده يده على أوراقه، وقدّمت له زوجته مجوهراتها من أجل بيعها والحصول على البعض من المال من أجل السفر.
غادروا العراق متوجّهين إلى الأردن، وعاشوا عند عائلة مسيحيّة لمدّة قصيرة. إلّا أنّه علم أنّ عائلته تبحث عنه وتدفع مبلغاً من المال لمن يمكنه أن يرشدهم إليه.
قَبِلَ هو وزوجته سرّ المعموديّة في 22 تمّوز 2000 وقال: “بعد المعمودية حضرنا القداس الإلهي وتناولتُ بشوق حار “خبز الحياة” الذي أصبح منذ ذلك الحين مصدر قوّتي وفرحي الدائم“.
إلّا أنّ آلام الاضطهاد لم تنتهِ؛ فقبل أيّام من عيد الميلاد في السّنة نفسها، وقد خرج جوزف لشراء هديّة لابنته، فوجِئ بسيّارة تتوقّف أمامه، فيها أربعة من إخوته وعمّه كريم. فطلبوا منه أن يأتي معهم لمناقشة الأمور. ركب السيّارة وإذ بهم يقودونه إلى خارج المدينة. وبعد ثلاث ساعات من النقاشات، مؤكّداً إصراره على اتّباع المسيح، أطلق عمّه الرصاص عليه من مسدسه، فأُصيب وغاب عن الوعي. وجد نفسه في الطوارئ وقد تعافى بعد أربعة أيّام تحت صدمة الأطباء من أنّ الرصاص لم يقتله.
سلّم حياته للعناية الإلهيّة، وتمكّن من المغادرة والتوجّه إلى أوروبا، حيث هو متواجد الآن مع عائلته. عَمِلَ في بعض الأشغال المتواضعة، هو من كان والياً للعهد ومشروع سلطة كبيرة، تخلّى عن كلّ شيء، قَبِل عيش الفقر بتواضع حُبًّا بالمسيح.
يقوم حاليًّا من مكان تواجده بالتبشير بكلمة الله وبالإيمان الكاثوليكي من خلال العديد من المحاضرات لكي يشهد لحبّ المسيح الذي غيّر حياته.
رسالته نستخلصها من كلماته: “إقرأوا الإنجيل ولا تخافوا، ستتحرّرون وسيغمر نور المسيح عقولكم كما سيملأ قلوبكم بالفرح“.
تسجّل على قناتنا على يوتيوب
https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg
شكراً لقراءة مقالة “من مسلم أصيل إلى كاثوليكي مغرم بالمسيح” ندعوك لمشاركة هذا المقال مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وأن يعطيك نعمة الإهتداء الدائم إلى حبّ المسيح.