الطريق الوحيد للسّلام هو المغفرة!
قبل أن تبدؤوا بمهاجمتي، سائلين، وهو حقّكم الطبيعي، كيف باستطاعتنا المغفرة والمسامحة أمام هذا الألم الكبير؟ أرغب أن أؤكّد لكم أنّني أشاطركم، وما زلت، الألم نفسه على وطني وشعبي المذلول على مرّ هذه السنين. وأريد أن أؤكّد أيضاً أنّ المغفرة لا تنفي المحاسبة، لا بل تطالب بها أكثر، لأنّ الشرّ يجب محاسبته والعمل على إيقافه بكلّ الوسائل والطرق.
ولكنّني أرغب أن أقدّم إليكم الطريق التي نادى بها البابا المحبوب من الشعب اللّبناني، القدّيس يوحنّا بولس الثاني. طريقٌ لشفائنا نحن وشفاء قلوبنا، وبالتالي وطننا، من الحروب المستدامة.
وكم نبحث ونحن بحاجة للسّلام في لبناننا؟
أتعتقدون أنّ هذا البابا الكبير نادى بالسّلام، بالمسامحة، بالغفران وهو جالسٌ على عرشٍ ذهبيّ اللّون، وكانت حياته مليئة بالراحة والهناء؟ يا أحبّاء، ما عاشه هذا الرجل القدّيس لا يقلّ أبداً ألماً عمّا يعيشه اللّبنانيّون من مآسي وحروب وموت وأمراض وغيرها، فسار طريق جلجلةٍ طويل، وعلى الرغم من ذلك عاش السّلام ونادى به.
عاش آلام فقدان والدته وهو في التّاسعة من عمره.
عاش آلام الحرب العالميّة الثانية واضطر إلى ترك دراسته الجامعيّة لفترة والعمل في أحد المطاعم، ثمّ عاملاً في محجر لأحجار الكلِس لأربع سنوات، ثمّ في إحدى المعامل الكيميائيّة.
عاش آلام التهجير والتنقّل من مكان إلى آخر حتّى نهاية الحرب.
عاش آلام النظام الشيوعي وقاسى مع شعبه المآسي والآلام العديدة الناتجة عنه، فاختبر الخوف ورعب السلاح والموت، وشهد على قمع الحريّات وخاصّة حريّة العبادة الدينيّة.
عاش آلام محاولة اغتياله في 13 أيّار 1981 من قِبَل محمّد علي أقجا الذي عاد وزاره في زنزاته وسامحه وقبّله فشهد له التاريخ على هذا العمل الجبّار.
عاش آلام الكنيسة والحروب التي شُنّت عليها، وما زالت، فكان الراعي والسند لها على مثال الراعي الصالح الوحيد، لم يتركها ولم يتخلَّ عنها، وطلب المسامحة عن كلّ الحروب الصليبيّة التي شُنّت في الماضي باسم الكنيسة.
عاش آلام المرض وكلّ ما قاساه في سنواته الأخيرة حاملاً صليب المسيح، متّكئاً عليه، مستمدًّا منه القوّة حتّى النفس الأخير.
أمام كلّ هذه الآلام والمشٌقات، وقف يوحنّا بولس الثاني مواجهاً إيّاها، لا بالحقد والحرب والعنف، بل نادى “بالغفران للوصول إلى السّلام”، وكان مثالاً في تطبيقه شخصيًّا خلال كلّ مراحل حياته.
عند انتهاء مراسم دفن الشباب الثلاثة في قرطبا، الذين توفّوا في انفجار بيروت، لفت انتباهي إعلاميّ شاب مسيحيّ يسأل كاهن الضيعة حول الحدث، أجابه الكاهن: “لولا إيماننا ولولا المسيح ما كان فينا نبقى ولا نهار هون”، فأنهى الاعلاميّ قائلاً: “أبونا، إنت خوري فيك تسامح، نحنا لأ!”.
مين نحنا لأ؟ ما معنى مسيحيّتك؟ لماذا الكاهن برأيكم يستطيع المسامحة أمّا “نحن” فلا؟
هل تساءَل يوماً شبابنا وشابّاتنا وزعماؤنا وحكّامنا المسيحيّون عن معنى “مسيحيّتهم” وكيف يعيشون أبعادها كافّة؟ أو هي شعارٌ طائفيّ ننادي به للمفاخرة لا أكثر؟
أفهم لحظات الغضب والألم وردّات الفعل التي قد تصدر في ظرفٍ أليم نعيشه، لكن الكراهية والحقد والتهجّم على الآخر، جسديًّا ولفظيًّا، أصبحت نمط عيش نشجّع بعضنا البعض عليه.
يا أحبّاء، نحن كلّنا بحاجة لنعيش بسلام في هذا الوطن. نحن بحاجة لنبدأ عمليّة مغفرة بعضنا البعض عمّا ارتكبناه جميعنا بحقّ بعضنا البعض إذا أردنا الوصول إلى هذا السّلام.
الحرب تولّد الحرب، والعنف يولّد العنف، والقتل يولّد القتل،…
هذه هي دوّامة الألم والموت… وهكذا لا تنتهي هذه الدوّامة ولن نجد السّلام في داخلنا، وفي بيوتنا، وفي لبناننا ما دمنا لا نريد أن نعيش كمسيحيّين “نغفر لمن أساء إلينا”.
تسجّل على قناتنا على يوتيوب
https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg
شكراً لزيارة موقعنا وقراءة “الطريق الوحيد للسّلام هو المغفرة!” . ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضىء بوجهه عليك ويرحمك وليمنحكم السّلام!