حضرة الرئيس والنوّاب “المسيحيّين”،
أنتم جزء من نظام سياسيّ خُصّصَت فيه مقاعد للمسيحيّين. لكنّ تلك المقاعد لم تُخصّص لكم شخصيّاً لأنّكم “صمّام أمان”، أو “حزام أمان” أو شعارات وهميّة أخرى. بل لأنّ هنالك شعب مسيحي عاش منذ ألفي سنة في هذه الأرض قبل حتّى أن يُنشأ لبنان الكبير بدستوره وبرلمانه. هذا الشعب الذي تمثّلونه اليوم مجروح بسبب إهمالكم، أفراد عائلاته تُدفن بسبب فساد منظومتكم ومنازله مدمّرة بسبب كبريائكم. بأيّ ضميرٍ لا زلتم متمسّكين بمناصبٍ؟ بأيّ ضميرٍ لا زلتم تعتقدون أنّكم ضمانة لوجود المسيحييّن أو غير المسيحيّين؟ أتعتمد استمراريّة المسيحيّة التي ثبتت 20 قرنٍ في هذه الأرض على بقائك الشخصيّ في منصبك يا حضرة المسؤول؟! تتصرّفون كما لو أنّكم لا تخطئون، كما لو أنّكم دائما على حقّ، فيا متوهّمو الألوهيّة، لستم سوى غبار في صفحات التاريخ ووحده الله سيّد التاريخ يقود المسيحيّة بين تعزياته الإلهيّة واضطهادات هذا العالم.
في إيمانكم المسيحي، يا حضرات السّادة، الإنسان هو صورة الله كمثاله. في بيروت البارحة مُزِّقت صورة ورقيّة للرئيس المسيحيّ فتمّ اعتقال الفاعل. لكن ما قبل البارحة في انفجار بيروت وفي جميع محطّات الدمّ اللبنانيّة مُزِّق الإنسان صورة الله فهل اعتقلتم الفاعل؟! أليس هنالك مسؤوليّة عليكم في إهمالكم وفساد بعضكم وتغطية بعضكم الآخر على الفاسدين؟ وألا يفرض ذلك الاستقالة الفوريّة حفاظاً على ما تبقّى من إيمانكم؟
أكثر ما أنتم بحاجةٍ إليه اليوم هو التأمّل بآلام المسيح وبشكلٍ خاصّ بالمحاكمة غير العادلة التي خضع لها يسوع المسيح. علّكم تستنيرون بتواضع المسيح، بالحقيقة التي هي المسيح وبصليب المسيح. لأنّنا وإن قرأنا مواقفكم حتّى اللحظة، وقارنّاها مع محاكمة المسيح، التي بدأت بالرشوة الفاسدة التي دُفِعَت ليهوذا والتي تتناغم مع منظومتكم الفاسدة، لما وجدناكم أيّها “القادة” المسيحيّين بجانب المسيح بل مع الأسف الشديد وجدناكم مع بيلاطس البنطي ومع المتآمرين على قتل المسيح. فبيلاطس مثلكم كان صاحب السّلطة في أورشليم، وبخوفه من اضطراب كبيرٍ ومن “حربٍ أهليّةٍ” وشيكة خضع للابتزاز السياسي بحجّة خروجه عن قيصر وقانونه، فأرسل عسكره ليصلب البريء بدل ردع الظالم وخدّر ضميره بغسل يديه قائلاً: «أنا بريء من دمّ هذا الصدّيق». فلو سألت بيلاطس يومها لقال لك متوّهماً: «لست أنا من قتل البريء» في حين هو أوّل القتلة. وكما المتآمرين على المسيح أقنعتم الجموع مرّات عدّة “بانتخاب” برأبّا اللص بدل تحرير المسيح الحقّ.
إيمانكم اليوم يحتّم عليكم الاستقالة، فمناصبكم ليست أهمّ من كرامة الأمّ التي لا تزال تنتظر أشلاء ابنها المفقود والأخ الذي دفن أخاه والعريس الذي بكى في دفنه عروسته… وإلّا يكون قد صحّ فيكم قول النبي حزقيال الذي خطب بحكّام العهد القديم: «هكذا يقول السيّد الربّ: ويلٌ للرُعاةِ الَّذينَ يَرعَونَ أَنفُسَهم. أَلَيسَ على الرُّعاةِ أَن يَرعَوا الخِراف؟ إِنَّكم تَأكُلونَ الأَلْبانَ وتَلبَسونَ الصُّوفَ وتَذبَحونَ السَّمين، لكِنَّكم لا تَرعَونَ الخِراف. الضِّعافُ لم تُقَوُّوها والمريضةُ لم تُداوُوها والمكْسورَةُ لم تَجبُروها والشَّارِدَةُ لم تردُّوها والضَّالَةُ لم تَبحَثوا عنها، وإِنَّما تَسَلَّطتُم علَيها بِقَسوَةٍ وقَهْر. فأَصبَحَت مُشتتَةً مِن غَيرِ راعٍ، وصارَت مَأكَلاً لِجَميعِ وُحوشِ الحُقولِ وهي مُشتتَة. لقد تاهَت خِرافي في جَميعِ الجِبالِ وعلى كُلِّ تلَةٍ عالِيَة، وشُتِّتَت خِرافي على وَجهِ الأَرضِ كُلِّها، ولَيسَ مَن يَنشُدُ ولا مَن يَبحَث» (حزقيال 34: 2-6).
قد تغسلون أيديكم لكنّ أرواحكم الملطّخة بالدمّ لا أحد قادرٌ على غسلها سوى المخلّص يسوع المسيح. فلا خلاص خارج مخلّص البشريّة الوحيد يسوع المسيح فإمّا أن تكونوا مسيحيّين أو لا تكونوا!