هذه صورةٌ من إحدى كنائس بيروت البارحة: مصلوبٌ سقط عن صليبه بعد حصول الإنفجار. هذه صورةٌ أَصْدَقُ إنباءٍ من الكُتبِ في التعبير عن حال أبناء بيروت وأهل بيروت. شعب لبنان الذي يدمي منذ خمسين عاماً على صليب الحروب طُعِنَ البارحة ففاض من قلبه دماً وماءً بغمامةٍ حمراء وأخرى بيضاء. الشعب الجالس في ظلمةٍ كهربائيّةٍ، ندرةٍ مائيّةٍ، مِحنَةٍ إقتصاديّةٍ، هزّةٍ ماليّةٍ، ولعنةٍ سياسيّةٍ، هزّته البارحة ما يشبه القنبلة النوويّة.
يوم أُنزِل المصلوب عن صليبه ظنّ كثيرون أنّ الموت تمكّن من انهاء رسالة الحياة. ففي عصر المسيح كان يوضع على أبواب القبور حجارةً ضخمةً للتأكّد أنّ الأموات لن يعودوا إلى أرض الأحياء. لكن مع المسيح عرفنا أنّنا نحن الأموات والسّماء هي أرض الأحياء. فمعه باب القبر بقي مفتوحاً ولم يعد يستطيع أن يُغلقه أحد. فالموت ما عاد موتاً بل حياةً ولقاء والسّماء لم تعد منفىً بل مسكن للعظماء. بيروت اليوم مكانٌ يُصرّ أهله ألّا يُقفِل عليهم أحد بحجرٍ ضخمٍ جاعلاً من مدينتهم مدينة أموات.
تدمّرت بيوت بيروت، احترق فيها القمح والقوت ومع ذلك قرّرت ألّا تموت. لنصلّي اليوم أن تكون هذه المحطّة المؤلمة هي المحطّة الأخيرة من درب الصليب، صليب لبنان، المحطّة التي أنُزل فيها المصلوب عن صليبه ليوضع في قبرٍ عسى القبر يفيض نوراً ويبقى فارغاً فلا يعد يُدفن فيه أحد وعسى القبر يصير محجّاً يُقال فيه: هُنا دُفِنَت بيروت فبرهنت أنّها لن تموت.