كثُرت في الفترة الأخيرة ظاهرة، لطالما كانت الكنيسة تعاني منها، ولكن مع بروز عالم التواصل الاجتماعي، انتشرت بشكل كبير: نجد يوميًا، على العديد من الصفحات، أخبار عن ظهورات من هنا وهناك، ورسائل يدّعي ناشروها أنّها من العذراء مريم والقديسين وحتّى من الرب يسوع نفسه. لذلك، ولتصويب الأمور، يجب إعادة التذكير بما تعلّمه أمنا الكنيسة في ما يخص بالظهورات.
تعتبر الكنيسة أن “الظهورات هي من نوع الرؤيا الداخليّة، بفضل ما لهذه الظهورات من قوّة حضور تعادل عند الرائي الواقع الخارجي المحسوس. فالنفس النقيّة قادرة أن ترى بالحواسّ الداخليّة ما هو غير قابل للحسّ. إنّها “أشياء” حقيقيّة تلمس النفس، ولو أنّها لا تخصّ عالمنا المحسوس العادي” (البطريرك الراعي، الحقيقة الجامعة والمحرّرة، عدد 13). تعتبر الكنيسة أن الظهورات ليست “موضوع ايمان كالحقائق الموحاة، ولا تحتلّ المكان الأوّل المحفوظ لحدث المسيح الوسيط والكاشف حقيقة الله والذي يحتوي مضمون كلّ رؤيا ويتخطّاه” (الحقيقة الجامعة والمحررة، عدد 13). لكن، هذا لا يعني أن الكنيسة لا تأخذ الظهورات بعين الاعتبار، بل على العكس، تعتبر أن حس الإيمان الموجود عند المؤمنين “يساهم في تمييز السلطة الكنسيّة لصحّة الظهورات”، هذه السلطة التي يعود لها وحدها الحق في الحكم على صحة الظاهرة، ولكن كيف؟
سنة 1978 أصدر مجمع العقيدة والإيمان رسالة توضح الطريقة القانونية للاعتراف الكنسي بالظهور، وهي عبارة عن مسيرة تمييز قد تستمر لسنوات. في الرسالة، حدد المجمع معايير إيجابية وأخرى سلبية.
المعايير الإيجابية:
1) معلومات كافية تُجَمَّع من خلال الشهود.
2) الصفات الشخصية للرائي أو للرؤاة: التوازن والصحة النفسية، الصدق واستقامة السيرة، الطاعة للسلطة الكنسية، القدرة على العودة إلى نظام حياة إيمانية اعتيادي…
3) توافق مضمون الظهور مع الوحي الإلهي وتعليم الكنيسة وعقائدها.
4) الثمار الروحية الصحيّة للظهور: صلاة، توبة، أعمال محبّة…
المعايير السلبية:
1) مغالطات حول الحدث
2) الأخطاء العقائدية المنسوبة إلى الله نفسه ، أو إلى مريم العذراء المقدّسة، أو إلى بعض القديسين في ظهوراتهم، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية أن يكون الرائي قد أضاف ، حتى دون وعي ، عناصر بشرية بحتة أو بعض الأخطاء النظام الطبيعي إلى الحقيقة التي تم الكشف عنها بطريقة فائقة للطبيعة.
3) دليل عن أرباح أو مكاسب مرتبطة بالحدث
4) أفعال غير أخلاقية جسيمة يرتكبها الرائي أو أتباعه.
5) اضطرابات نفسية لدى الرائي، أثرت بشكل واضح على الظهور المزعوم، أو وجود اضطراب الذهان، الهستيريا الجماعية، أو غيرها من الاضطرابات.
انطلاقاً مما سبق، لا بد من توضيح ما يلي:
– نحن لا “نؤمن” بالظهور، فموضوع الايمان هو الله وحده، نحن يمكن أن “نصدّق” الظهور عندما تقرّه الكنيسة، وهو ليس أمرًا ملزمًا للإيمان المسيحي، فملء الوحي الإلهي تمّ بيسوع، الذي به قال الآب كل شيء، والظهورات تذكّر به فقط!
– السلطة الكنسية هي الوحيدة المخوّلة إقرار الظهور أم لا.
– قد تدوم فترة التمييز التي تجريه الكنيسة سنوات، فمن المعيب على مؤمن يعتبر الكنيسة أمه ومرجعيته أن ينشر أو يقوم بإعادة نشر أخبار وفيديوهات عن ظهورات وأحلام مزعومة. هذا من ناحية المبدأ والشكل، أما بالنسبة للمضمون، فحدّث ولا حرج! أعتقد أن من لديه الحد الأدنى من الثقافة اللاهوتية يمكنه بسهولة تمييز أن مضامين هذه الظهورات المزعومة تتناقض مع الوحي الإلهي!
– الكنيسة ليست ضد الظهورات، بل بتحفظها الشديد وحكمتها تحاول دائمًا حماية أبناؤها من المضللين، الذين يحاولون من خلال ما يقولونه إيهام الناس بوعود غير واقعية وحلول سحرية، أو زرع الرعب في نفوسهم من خلال ظهورات مليئة بالتهديد وتناقض بشكل فاضح صورة الله-المحبّة.
– لكل من يسأل: ما العمل؟ الحل بسيط: العودة الى المعايير المذكورة، واللجوء الى السلطة الكنسية للاستفسار. أما بالنسبة لظواهر “ظهورات” الغيوم وتفل القهوة، فالسؤال بسيط وسهل جدًا: ماذا تضيف على إيماني؟ ما هي الرسالة؟ وهل إيماني الى هذا الحد ضعيف لأبتهج برؤية يسوع أو العذراء أو أحد القديسين في فنجان القهوة؟
في الختام، من قال إن الظهورات المزعومة ليست شيطانية، فالشيطان نفسه يمكن أن يظهر في هيئة ملاك النور (2 كور 11: 14)، يدّعي أنّه الله، ويحرض ولو بشكل مباشر على الكنيسة، مشجعًا التمرّد عليها؟