في مشهديّة الآلام، يعصُرُ قلبُنا وجعاً أمام هول الألم والعذاب والموت. ونتساءل في حيرةٍ: كيف لإنسانٍ أن يحتمل كلّ ذلك حبّاً بنا؟ أم كيف به يثبت حتى النهاية في هذه المسيرة ليُعانق ضعفنا على حمل الصليب؟
في غمرة هذه التساؤلات، ثلاثةُ لقاءاتٍ حاولت أن أتأمّل بها بعين الرجاء الى ما هو أبعد من مجرّد لقاءٍ وكلمات. بل فعلُ تحوّلٍ وثبات، رغم كلّ التحديات التي تطفئ فينا أنوار الحب المجّني! فمن يعيده إلينا؟
اللقاء الأوّل بين يسوع وبنات أورشليم هو لقاءُ الإبن بالبشريّة، التي تنوح وتندُب جرّاء ضُعفها وموتها، وقد تجلّت في صورة الختن المُتألّم والمعذّب بحبّها. وبفعل التحوّل كان جواب يسوع على هذا الموت :” يا بنات أورشليم، لا تبكين عليّ، بل ابكين على أنفسكنّ وعلى أولادكّن.” وبذلك عودةٌ الى أعماقنا الدفينة، لنكتشف اساس موتنا، ألا وهو تلك البرهة التي ننسى فيها أنّ يسوع تجسّد لأجلنا وأخذ طبيعتنا، ورفعها الى مجده وأحيانا من جديد. ففي غياب يسوع الحيّ نموتُ ونحنُ أحياء!
في اللقاء الثاني بين يسوع وسمعان وقد سخّروه ليحمل صليب يسوع، لقاءٌ غير متوقّع ولا مُنتظر. حيث يفاجئنا الرّب بحضوره وبنظرته لنحمل عنه ولو القليل من أثقال عالمنا الغارق. في نظرة سمعان ليسوع نلاقي الجواب: نعم سأحمل الصليب خلفك! قد جئتُ دون أن أعرف من أنت! ولكنّك علّمتني كيف أقول “نعم” بثقة الأبناء، وهذا هو السرّ. سمعان يُشبهنا في عدم انتظاراتنا لوجوهٍ أعياها التعب، لقلوبٍ تحطّمت بالمحن، لعيونٍ أدمعت وهي تسأل من ينظر إليّ؟ عاد يسوع ليذكرنا في هذا اللقاء أنّه السامريّ الصالح الذي جاء عالمنا ليُبلسم جراحنا.
أمّا في اللّقاء الثالث بين يسوع والقديسة فيرونيكا التي مسحت وجهه بالمنديل، فهو لقاء العريس بالعروس. لقاء الحُبّ والخِدمة، لقاءٌ يطبع وجه الحبيب على منديلٍ علّها تستذكرُ به وجه الحبيب المتألّم بفعل الصليب. وبشوق الحبّ وتجليّاته أيقنت فيرونيكا أنّ يسوع قد مسح بصليبه نزف دمائنا وأوجاعنا، فنُكمل معه المسير، ونُعيد الى تلك الصورة التي طُبعت فينا أنوارها البهيّة.
وعلى ضوء ذلك، تنجلي في مسيرة حياتنا اليوميّة لقاءاتٌ وكلماتٌ. قد نلتقي بيسوع كبنات أورشليم، أو كسمعان، أو كفيرونيكا، أو..، أو…، ولكنّ الأهم أن نبحث عنه، وإن لم نجده فلنسأل من وَجده، كيف لاقاه؟ بعينِ الرجاء نعبُرُ، وبقلب شغوفٍ نخطو نحو اللقاء، ونحن في بحثنا مستمرّون، ولكن لماذا؟
لأننا نؤمن أنّه بفعله وحضوره وتجسّده وكينونته وألوهيّته كانت لنا الحياة وكانت أفضل. ففيه وبه ومعه ننطلق شهوداً لرجاء القيامة والحياة الأبدية.