تابعونا على صفحاتنا

مقالات

الشعانين: مراسمُ تنصيب وإعلان يسوع ملكًا ومسيحًا!

بالهُتاف وأناشيد “الهوشعنا” إستُقبل يسوعُ في أُورشليم. الجميع إهتمُّوا للحدث كبارًا وصغارًا، رجالًا ونساءً كُلُّهُم ركضوا إلى باب المـدينة حاملين سُعُف النّخل وأغصان الزّيتون مُترقّبين دخول النّاصريّ. حتّى الكتبة والفرّيسيّون والصدوقيّون والكهنة شخُصوا بنظرهم مُندهشين كيف الحُشود تُحيطُ به وإلى جانبه تلاميذُه وهو راكبٌ على جحش ابن آتان، والجميعُ يهتف بصوتٍ واحد: “مُباركٌ الآتي باسم الرّبّ”. ملأ صدى أصواتُهُم الشجيّة أرجاء المـدينة كُلّها. كُلُّ الحُجّاج الصاعدين إلى الهيكل الآتين من بعيدٍ أو قريبٍ إستوقفهُم هذا المـشهد المُهيب. لماذا هذه الضّجّة؟

يُخبرُنا الإنجيل أنّ الرّبّ يسوع، عندما كان في أريحا وهو في طريقه إلى أُورشليم جُموعٌ كثيرة لحقت به، ومن بينهم ذاك الأعمى الّذي شفاهُ، بعدما كان يصرُخُ عاليًا: “رُحماك يا ابن داود”. بعدها نرى يسوعُ يحلُّ ضيفًا على بيت مريم ومرتا، والمُناسبة لا واجب عزاءٍ بموت أخيهم وصديقه لعازر، بل لإحيائه من المـوت بعد أربعة أيّامٍ على دفنه. لقد ضاقت بيت عنيا بالجُموع، فمن تُراهُ هذا الّذي قال: “أنا القيامة والحياة، من آمن بي وإن مات فسيحيا؟”. أصبح واضحًا لا للأعمى الّذي شُفي، ولا للتّلاميذ فقط بل لجميع الّذين حولهُ: هو حقًّا إبنُ داود، هو حقًّا المـسيحُ المـُنتظر.

إنطلاقًا من هُنا يُمكنُنا أن نتخيّل مهابة مشهد دُخول يسوع إلى أورشليم وهو راكبٌ على جحش إبن آتانٍ. إنّها العلامة الجليّة والواضحة لكُلّ من يعرف الكُتُب المـُقدّسة، أنّهُ المـسيحُ المـُنتظر، وبصورةٍ جليّة لما جاء في نُبُؤآت النّبيّ أشعيا. هُناك سُؤالٌ آخر يجب أن يُراود عقولنا، كيف نظر يسوعُ إلى هذا المـشهد؟ كيف تفاعل مع الجموع وما كان موقفهُ؟ تُخبرُنا الأناجيل أنّهُ سبق وتنبّأ لتلاميذه على عاقبة أُورشليم وعن دمار الهيكل. وأيضًا عندما شارف على الدُّخول إليها، بكى عليها وعلى أبنائها لقساوة قُلوبهم. هذا ما يجعلُنا نُفكّر ونشعُر أنّ الرّبّ يسوع لم تغُرُّهُ المـظاهرُ الخارجيّة. ألم يُعلّمنا قبلًا: “ليس من يقولُ لي: يا ربّ يا ربّ، يدخُلُ ملكوت السّموات، بل من يعمل بمشيئة أبي الّذي في السّموات؟”. لقد تفاعل يسوع بشكلٍ عميقٍ مع هُتاف: “الهوشعنا” والّذي يعني “يا ربّ خلّصنا”. تفاعل مع رمزيّة أغصان النّخيل، الّتي تعني الشّهادة والإستشهاد والمـوت من أجل الحقّ. وأغصان الزّيتون الّتي ترمُزُ إلى البركة والسّلام. تفاعل يسوعُ مع شدّة توق الجُموع ولهفتهم إلى الخلاص الّذي يجهلون عُمقهُ وحقيقتهُ ومعناه.

لم تدُم حركةُ استقبال يسوع إلّا بضع ساعاتٍ قليلة. وأضحى هذا الإستقبالُ تُهمة زورٍ ستُوجّهُ إليه عند مُحاكمته، على أنّهُ يُحرّضُ الشّعب من الجليل إلى اليهوديّة ليثور على بيلاطُس وعلى رُؤوساء الكهنة والحُكّام. مشهدُ دخول يسوع إلى أُورشليم أعاد إلى أذهان مُشاهديه مشهد المـلك داود الّذي أسّس مملكة إسرائيل. أمّا يسوع الدّاخل إليها بصورة نبويّة على أنّهُ الملكُ الحقيقيّ، لم يكُن لديه فيها أيُّ موضعٍ ليسند عليه رأسهُ. مع هُتاف الهوشعنا أعلنوهُ ملكًا لليهود وفقًا للمعنى العميق للعبارة، أيّ أنّهُ اللهُ وابنُ الله، ولكنّهُم لم يعلموا ما نطقت حناجرُهُم به.

من يُفكّر بحدث دُخول يسوع إلى أُورشليم بصورة ملكٍ يفتح المـدينة العظيمة، ويتأمّل بنتائج هذا الإستقبال، يجد في الشّكل الخارجي أمرين: واحدٌ نُكرانٌ فاضح لكُلّ الخير الّذي صنعهُ. الثّاني، رُبّما يكونُ فخٌّ قد نُصب لهُ. أما من ناحية البُعد الدّاخليّ والعميق، نكتشفُ أنّهُ إعلانٌ نبويٌّ صريح على تنصيب يسوع النّاصريّ ملكًا ومسيحًا. ملكوتُهُ ليس من هذا العالم، وفق ما أعلن هو أمام بيلاطُس. يُعرف ملكوتهُ من أعماله الّتي صنعها من شفاءٍ للأعمى والأبرص وسواهُم… بُلوغًا إلى إقامة لعازر من المـوت بعد أربعة أيّام. فإلى أيّ مملكةٍ وملكٍ نحنُ اليوم ننتمي؟ هل لمملكة العالم التي يعلو فيها الكذبُ والجُحودُ والظُّلم، أم لمملكة يسوع الّتي تتجلّى بالمـحبّة والحقّ والسّلام؟

أكثرُ التّجارب الّتي تستهدفُ حياتنا ووجودنا هي تلك الّتي تُريدُنا أن نعيش مُزيّفين، على حافّة الطّريق. أو مثل تلك الجُموع الّتي تصرُخُ عاليًا: “هوشعنا لابن داود، مُباركٌ الآتي باسم الرّبّ”. وهي تجهلُ ماذا تقول، وإلى من تتوجّه. رُبّما نحنُ نأتي الكنيسة وفي أيدينا أغصانٌ وشُموع، ونهتفُ بأعلى أصواتنا هوشعنا في الأعالي، ولكن ينطبقُ علينا ما جرى مع تلك الجُموع. أن نُعلن يسوع ملكًا على حياتنا، هذا يعني أن يستولي علينا بتعليمه المـُقدّس، وأن يُقيم فينا بقُوّة محبّته الخلاصيّة، فلا نعُد ننظُرُ إلى الأحداث والأشخاص والأشياء على ما هي عليه في الظّاهر، بل ما تكونُ عليه في حقيقة ذاتها. تمامًا كما نظر يسوع إلى أُورشليم، ورُغم خرابها المـُتاوري عن الأنظار، أراد أن يُخلّصها بدمه على الصليب. أُورشليمُ هُنا هي كُلُّ واحدٍ منّا، ويسوع قد أتى لا ليفتتح المـُدُن بل ليدخُل إلى قُلوبنا كفادٍ ومُخلّص. والآن يبقى السُّؤالُ كيف أنا أستقبلُه شخصيًّا؟ آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!