موقع Allah Mahabba في البريّة تختارُ مَن تُريدُ أن تكون!
قبلَ أيِّ شيءٍ آخرَ، تتميّزُ البريّةُ بمكانِها البعيدِ عن صَخَبِ المدينةِ والحياةِ الاجتماعيّةِ. كُلُّ مَن يُحِبُّ العُزلةَ والهُدوءَ والصَّمتَ يمضي إليها. كُلُّ مَن يُريدُ أن يتمرّسَ على خِبرةِ الصَّلاةِ الحقيقيّةِ يَخلَعُ نَعلَيهِ عندَ عَتَبَتِها. أوَّلُ دَعوَةٍ يُوَجِّهُها لنا الرّبُّ يسوعُ مِن خِلالِ مِثالِهِ هو المُضيُّ معهُ إلى البريّةِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُسِ.
قد نقولُ: لا يُمكِنُنا تَركُ أماكنِ عَيشِنا، ولا انشِغالاتِنا اليوميّةِ، لِنذهبَ إلى البريّةِ، وَلَكِن يُمكِنُنا أن نُخَصِّصَ وقتًا نَنقَطِعُ فيهِ عن الجميعِ، حتّى عن الأشياءِ، لِنكونَ مُنفتِحينَ فيهِ على حُضورِ اللهِ في داخِلِنا. حيثُ نُصغي بِتَمعُّنٍ، ونتكلَّمُ بإدراكٍ ويَقَظَةٍ ومَعرِفَةٍ، وفي كِلَيهِما نَختَبِرُ الصَّمتَ والسَّكينةَ والسَّلامَ بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُسِ.
لقد أمضى يسوعُ مُدَّةَ أَربعينَ يومًا في البريّةِ صائمًا ومُصلّيًا، وفي كِلَيهِما كانَ يَختَبِرُ قُوَّةَ النِّعمةِ الإلهيّةِ، وكانَ أيضًا يُجَرَّبُ مِن إبليسَ. مِيزةُ دُخولِ الرَّبِّ يسوعَ إلى البريّةِ وإلى مَيدانِ خِبرةِ الصَّلاةِ والصَّومِ العَميقةِ، أنّها أتَت نَتيجةً مُباشِرةً لِمَعمُوديّتِهِ في نَهرِ الأُردُنِّ، ومُقدِّمةً أَساسيّةً وتَكوينيّةً لِرِسالَتِهِ المَسيحانيّةِ.
في البريّةِ اختَبَرَ يسوعُ بِالعُمقِ إنسانيَّتَنا الضَّعيفةَ والخاطِئةَ والهَشّةَ والنّاقِصةَ. عَرَفَ جَسَدَهُ مع التَّجرُبَةِ الأُولى: الجُوعَ والعَطَشَ والإرهاقَ والتَّعبَ. عَرَفَ عَقلَهُ ونَفْسِيَّتَهُ مع التَّجرُبَةِ الثّانيةِ: أهواءَ الرَّذائلِ وتَجرُبَةَ حُبِّ المَجدِ الباطِلِ والتَّعَلُّقَ بِغِنى الأَرضِ. وعَرَفَت رُوحُهُ مع التَّجرُبَةِ الثّالثةِ الشَّكَّ بِحُضورِ وعِنايةِ الآبِ السَّماويِّ لهُ. رُغمَ قُوَّةِ التَّجارِبِ الّتي شَمِلَت كُلَّ أَبعادِ إنسانيّةِ يسوعَ، نَراهُ لم يَخضَعْ لإبليسَ أبدًا، فكانَ مُتَسَلِّحًا بِمَحبَّتِهِ لِلآبِ، وَبِطاعَتِهِ لِلرُّوحِ القُدُسِ، وَبِمُعاشَرَتِهِ لِكَلِمَةِ اللهِ في الكِتابِ المُقدَّسِ.
يُعَلِّمُنا الرَّبُّ يسوعُ مِن خِلالِ ما عاشَهُ في البريّةِ، عن طَريقِ الصَّومِ والصَّلاةِ، كيفَ نُواجِهُ أنفُسَنا بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُسِ، وكيفَ نُدرِكُ أنَّ مَكامِنَ وأَسبابَ ضُعفِنا وتَجارِبِنا لَيسَت الآخرينَ، ولا العالَمَ الخارِجيَّ والمادّيَّ، ولا هي بِسَبَبِ الأَحداثِ المُرِيرَةِ والصَّعبَةِ الّتي تَمرُّ علينا، إنَّما هي فينا، عندما نَتَصالَحُ وَنَنتَصِرُ على الرُّوحِ الّذي يُغوينا وَيُشَتِّتُنا وَيُضَلِّلُنا وَيُبعِدُنا عن حَقيقَةِ أَنفُسِنا في عَلاقَتِنا معَ اللهِ. وعِندَما نُعطي الأَوَّلِيَّةَ المُطلَقَةَ لِعَلاقَتِنا معَ الآبِ، عِندَئِذٍ نَنتَصِرُ معَ يسوعَ على العالَمِ وَعلى إبليسَ.
يُعَلِّمُنا ثَباتُ يسوعَ في وَجهِ الشَّرِّيرِ أنْ نَتَسَلَّحَ دائمًا بِالصَّلاةِ وَالصَّومِ. مِن خِلالِ الصَّلاةِ نَكتَشِفُ هَوِيَّتَنا كأَبناءٍ للهِ، نُشارِكُ الرَّبَّ حَياتَنا وَأَفكارَنا وَمَشاعِرَنا، وَبِدَورِهِ هوَ يُشارِكُنا حَياتَهُ. مِن خِلالِ الصَّلاةِ نَتَعلَّمُ أنْ نُصغيَ إلى صَوتِ الحَقِّ وَالحَياةِ فينا، وَنُميِّزَ الأَصواتَ وَالأَفكارَ وَالأَهواءَ الّتي تُغوينا. مِن خِلالِ الصَّلاةِ معَ الكِتابِ المُقدَّسِ نَتَغَذَّى بِكَلِمَةِ الحَياةِ وَنَتَشَدَّدُ. أمّا مِن خِلالِ الصَّومِ، نَعمَلُ على تَهدِيبِ وَتَمرينِ إِرادَتِنا لِتَكونَ حُرَّةً، وَعلى خَفضِ وَإِضعافِ أَهواءِ الجَسَدِ. مِن خِلالِ صَومِنا نُعطي الأَوَّلَوِيَّةَ لِلرُّوحِ على الجَسَدِ.
الطُّوبى لِمَن يَدخُلُ معَ يسوعَ إلى بَرِّيَّةِ قَلبِهِ، لِكَي يَستَطيعَ بَعدَ ذلِكَ أنْ يَقومَ معَ المسيحِ إِنسانًا جَديدًا. نَحنُ مَدعوُّونَ مِثلَ يسوعَ أنْ نُواجِهَ كُلَّ التَّجارِبِ بِشَتّى أَنواعِها بِتَمَسُّكِنا بِهَوِيَّتِنا كأَبناءٍ للهِ، تَمامًا مِثلَ الرَّبِّ يسوعَ الّذي دافَعَ عن شَرَفِ وَكَرَامَةِ البُنُوَّةِ في إنسانيَّتِنا، لِكَي نَكونَ أَبناءً لِلآبِ مَدعوِّينَ لِلحَياةِ الأَبَدِيَّةِ. آمين.
تابعوا قناتنا
https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg
شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!