تابعونا على صفحاتنا

مقالات

عندما يُبصر القلب تُصبح ثمارُ أعمالنا من نور!

عندما يُبصر القلب تُصبح ثمار أعمالنا من نور!

عندما يتناول أحدُهُم الكلام حول شخصيّة مُميّزة ومُبدعة، من بين العبارات الّتي نسمعُها: “هذا الشّخص يُفكّر خارج الصُندوق”، إشارةً إلى أنّهُ مُحرّرٌ من قُيود التّفكير العام، ولديه خُصوصيّة إيجابيّة في نظرته للأُمور. من هُنا، إذا عُدنا إلى الإنجيل، نجد أنّ الرّبّ يسوع يدعونا في تعليمه لنُفكّر ونتأمّل في أعماق قُلوبنا بمسألة تكوين أفكارنا وتشكيل كلماتنا وانبثاق أعمالنا وتصرُّفاتنا، لكي يكون مصدرها ومرجعها الرُّوح القُدُس. لذلك يطرح علينا السُؤال التّالي: “أيُمكنُ لأعمى أن يقود أعمى؟ أما يسقُط كلاهُما في الحُفرة؟”. هذه الكلمات ليست مجرّد مثلٍ، بل هي مرآةٌ نُواجهُ فيها حقيقتنا: كيف نرى العالم؟ وكيف تؤثّر أفكارنا على أحكامنا، وأعمالنا، وعلاقاتنا بالآخرين؟

كلٌّ منّا يحملُ في داخله قناعاتٍ ومُعتقداتٍ تشكّلت عبر تاريخه الشّخصيّ. بعضُها مُستنيرٌ بالحقّ، وبعضُها مُشوّهٌ بالأحكام المـُسبقة والمـخاوف والغُرور. يحذّرنا يسوع قائلًا: “لماذا تنظُر القذى في عين أخيك وأنت لا تُبصرُ الخشبة الّتي في عينك. كم من مرّةٍ أسرعنا إلى انتقاد الآخرين، بينما لم نر عيوبنا؟ كم من مرّةٍ حكمنا على القريب، بينما كان قلبنا ممتلئًا بالكبرياء؟ يسهُل علينا إعطاء النُّصح أو الإنتقاد أو الإصلاح، ويصعُب علينا إصلاح أنفُسنا.

عندما تتملّك المـُعتقدات الخاطئة علينا نُصبح مأسورين فيها من دون أن ندري. على سبيل المـثال، إذا نشأ إنسانٌ على الإعتقاد بأنّ النّجاح يُقاسُ فقط بالمادّيّات، يقودُهُ تفكيرُهُ إلى احتقار الفقير بإعتباره فاشلًا. هكذا إنسانٌ لا يُدركُ أنّ قلبهُ قد أُصيب بعمىً روحيّ، فلا يستطيعُ أن يرى جوهر الإنسان كما يراه الله بحُبٍّ. أفكاره أصبحت قيدًا يمنعهُ عن المحبّة وعن نور الحقّ.

يقول يسوع: “الإنسانُ الصالحُ من كنز قلبه الصّالح يُخرجُ الصّلاح، والإنسانُ الشرّير من كنزه الشرّير يُخرجُ الشرّ”. بكلماتٍ أُخرى، الفكرُ ليس أمرًا مُحايدًا، بل هو انعكاسٌ لما يسكُنُ القلب. من كان قلبُه مُمتلئًا بالسّلام، كانت أفكارُه نقيّةً، وكانت كلماتُهُ تفيضُ بالنُّور. أمّا من كان قلبُهُ مريضًا بالكبرياء، فستكونُ أفكارُه مُشوّهة، وكلماتُه مملوءةٌ بالحُكم والإدانة.

إنّ الشّخص الّذي يشُكُّ ولا يثقُ بالآخرين، يراهُم خصومًا لهُ، يظُنُّ أنّهُم يتآمرون عليه، ويُفسّرُ كلّ موقفٍ بطريقة سلبيّة. هذا الفكر لا يعكس حقيقة العالم، بل يكشف حالة قلبه المليء بالخوف. علينا أن نتنبّه جيّدًا أنّ أفكارنا ليست مُجرّد خواطر، بل هي الّتي تصنعُ كلماتنا، وتُوجّهُ مسيرتنا، وتعكس مشاعرنا الباطنيّة، وتُشكّلُ علاقاتنا. يجدُرُ بنا أن نكون حذرين وفطنين منها.

لم يأت الرّبّ يسوع ليترُكنا في حالة العمى وبالتّالي بضياعٍ وضلال. لقد جاء ليُنير بصيرتنا، ليجعلنا نرى أنفُسنا والآخرين بعين محبّة الله الآب، لا بعين العالم. لنتأمّل في مسيرة القدّيس بولُس، الّذي كان يظُنُّ أنّ اضطهاد المـسيحيّين خدمةٌ عظيمة لله. فكرُه هذا المـُظلم قادهُ إلى الإضطهاد والعُنف، لكنّهُ عندما التقى بالمـسيح، سقطت “القُشور” من عينيه. لم يعُد يرى الأُمور كما كان يراها سابقًا، بل تغيّر قلبُهُ، وتغيّرت أفكارُه، فأصبحت حياتُه شهادةً حيّة للنُّور. هكذا نحن أيضًا، عندما نفتحُ قلوبنا للمسيح وعندما نسمحُ لكلمته أن تُغيّر أفكارنا، تبدأ قلوبنا في اختبار التّوبة الحقيقيّة. التّوبةُ هُنا ليست مُجرّدُ ندمٍ على الخطيئة، بل هي تغييرٌ جذريّ في طريقة التفكير، بحيثُ نُصبحُ نرى كما يرى المسيح، ونحكُم كما يحكمُ المسيح، ونُحبُّ كما يُحبُّ المسيح.

لكي لا يبقى هذا التحّوُل نظريًا، بل عمليًّا وفاعلًا في حياتنا اليومية، يقول بولُس الرّسول: “إلبسوا الرّبّ يسوع المسيح”، أي أن نجعل فكرهُ يُحرّرُنا، فنعتنقهُ بقُوّة الإيمان، لتُصبح عواطفهُ عواطفنا الّتي تُشعرُنا بمحبّته وفي الوقت نفسه تجعلُنا مُحبّين وشفوقين على الآخرين. عندما يحدُثُ هذا التحوّلُ فينا، تبدأ حياتنا في إعطاء ثمار الروح القدس: “المحبّة، الفرح، السلام، طول الأناة، اللُّطف، الصلاح، الإيمان، الوداعة، والعفاف”. هذه الثّمار ليست صفاتٍ خارجيّة فقط، بل هي نتيجةٌ مُباشرة لقلبٍ امتلأ بحضور المسيح.

حين يُبدّلُ الرّبّ يسوع قُلُوبنا، نبدأُ بالتأثير على من حولنا. الشخص الذي كان يُدين الآخرين، يُصبحُ رحيمًا. ومن كان مُمتلئًا بالشّكّ يُصبحُ مُمتلئًا بالثّقة بالله. ومن كان أنانيًّا، يُصبحُ مُحبًّا ومعطاءً. هكذا نُصبحُ من دون أي تصميمٍ مُسبق نورًا يقودُ الآخرين إلى اللّقاء بيسوع بشكلٍ تلقائيّ لأنّ نعمة الله تفعلُ فينا.

إنّ الرّبّ يسوع الّذي دخل حياتنا وتاريخنا واتّخذ إنسانيّتنا بملئها ليكون لنا الطّريق إلى الآب، مشيئتُهُ ألّا نعيش عُميانًا في الظُلمة والضّلال والوهم والخطيئة، بل أن نراهُ حيًّا في حياتنا وفاعلًا بقيامته فينا بروحه القُدُّوس لنعرف حُرّيّة أبناء الله الحقّة، آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!