تابعونا على صفحاتنا

مقالات

يسوع يستغلُّ فشلنا لنجد فيه مـعنى حياتنا!

يُشكّل الفشل للإنسان خيبة أملٍ عميقةٍ مع ذاته، ويضربُ بقُوّةٍ الثّقة بالنّفس إلى حدٍّ تقطعُ الثّقة بالآخرين ولو أصبح الشّخصُ بشكلٍ ما إتّكاليًّا عليهم. من يختبر خيبة الأمل، يخشى دائمًا من الفشل، ويحتاجُ لشخصٍ يثق به ويُحبُّه، لكي يسنُدهُ ويُشجّعهُ ويُشدّدهُ، حتّى يستطيع الإنطلاق مرّةً أُخرى من جديد. يُخبرنا الإنجيليّ لوقا عن رسالة الرّبّ يسوع التبشيريّة الّتي بدأها في كفرناحوم وعلى شاطئ بُحيرة جنّاسرت، حيثُ افتتحها بطرد الكثير من الأرواح النّجسة، وبعدها شفى الكثير من المـرضى. دخل إلى بيت سمعان بُطرُس وشفى حماته، وبعدها نراهُ عند الشاطئ يُعلّم ويُبشّر بملكوت الله، وهو واقفٌ على سفينة بُطرُس. كُلّ حركة يسوع هذه التبشيريّة والشافية أدّت إلى تحرير سمعان بُطرُس من كُلّ خيبات أمله السابقة، وأصبحت تأسيسًا لدعوته الجديدة ليكون كالصّخر بين الرُّسُل الإثني عشر.

عندما نتأمّل بكُلّ عناصر دعوة الرّبّ يسوع لسمعان بُطرُس، سنكتشف بدورنا ضُعفنا الإنسانيّ، وكيف أنّ يسوع يشفينا ويُحرّرنا عندما يدعونا لنكون تلامذةً لهُ. أوّلًا مع دُخول يسوع إلى كفرناحوم والتفاف الجموع الغفيرة حولهُ، نكتشفُ مدى الإحباط واليأس والألم السائدين في مُجتمعها، حيثُ أنّ الكثيرين بحاجةٍ إلى الشّفاء وإلى اكتشاف المعنى والخلاص لحياتهم. هذا ما جاء به يسوع، فوجدوا فيه الرّجاء الأكيد. هذا ما دفع سمعان ليستضيف يسوع في بيته حيثُ شفى حماتهُ من الحُمّى، وهذا ما جعلهُ في اليوم التالي يقبل صُعود يسوع المـُعلّم على سفينته. ثانيًا، عندما نتوقّف أمام مشهد الجُموع الّتي تبعت يسوع إلى الشّاطئ، نكتشف أنّ كلامهُ أعطاهُم الرُّوح والحياة، فهو ليس كسائر الرّابيّين، بل يُجيبُ على رغبات قُلوبهم المجروحة. ثالثًا، نُشاهدُ يسوع مُنتبهٌ أكثر إلى حالة تعب سمعان ورفاقه من إنتباههم على تعليمه. نُلاحظُ هُنا إهتمام يسوع بإعطاء الرّاحة لسمعان بُطرُس المُنهك والمـُتعب إنطلاقًا من إصغائه المـُميّز إلى حاجته وإلى شُعوره بالفشل، فنسمعُهُ يطلُبُ منهُ التوقُّف عن غسل الشباك، والإبحار إلى العُمق ليعود من جديدٍ إلى الصّيد ولكن على وقع كلمة يسوع.

من خلال المـشهديّة الّتي عرضناها حول رسالة يسوع في كفرناحوم وحالة سمعان المـُتعب والمـُنهك، نكتشفُ أنّنا كبشرٍ بحاجةٍ ماسّةٍ إلى حُضور يسوع الرّبّ في حياتنا الّذي يُطّعمُها بمحبّته وبعمله الخلاصيّ، ويُعطي الرّجاء لقلوبنا لنبدأ من جديد. لقد اختبر سمعان بُطرُس الفشل، بعد أن بقي طوال اللّيل مُحاولًا الصيد ولم ينجح رُغم خبرته، ذلك لأنّهُ لم يكُن لديه النُّور الكافي على سفينته ليجتذب الأسماك من أعماق البحر. فمن عادة الصيّادين أن يُضيئوا مراكبهم بالنُّور لكي يجتذبوا السّمك إلى شباكهم المرميّة منها. من هُنا نفهم قُوّة كلمة الرّبّ يسوع لسمعان بُطرُس: “سرّ في العُرض وأرسلوا شباككُم للصّيد”.

لا شيء يستطيعُ أن يُخرجنا من فشلنا وانكسارنا، إلّا كلمةُ الله بفم يسوع النّاصري، لأنّها تمضي فينا لا إلى عُمق البحار، بل إلى أعماق نُفوسنا حيثُ نكتشفُ معنى وقيمة وغاية وجودنا. لو لم يقُم يسوع بكثيرٍ من المـُعجزات على أعيُن بُطرُس، رُبّما لما تجرّأ أن يُصغي إلى أمر الرّبّ بالدُّخول إلى عُمق البحر، ولكن يسوع قد مهّد السّبيل لبُطرُس بكُلّ ما صنعهُ في كفرناحوم. نحنُ أيضًا علينا أن نُؤمن بكلمة الرّبّ لنا، بعدما رأينا كُلّ ما صنعهُ من أجلنا على مُستوى التّاريخ، وفي حياة الكنيسة والقدّيسين. علينا أن ندعهُ يقودُ مركب حياتنا بقُوّة كلمته، لكي نكتشف مواهب روحه القُدُّوس فينا على وقعها، وانطلاقًا من إختبارنا لواقعنا.

على وقع كلمة يسوع امتلأتا السّفينتين بالأسماك حتّى كادتا تغرقان. هُنا اختبر سمعان بُطرُس معنى الطّاعة لكلمة يسوع، وأيضًا معنى البركة الّتي تُحوّل الفشل إلى نجاحٍ. أكثر من ذلك عرف سمعان بُطرُس حقيقتهُ أنّهُ رجُلٌ خاطئ، وذلك في حضرة بركة الرّبّ يسوع. لقد عرف سبب فشله العميق، ومصدر النعمة الحقّة وهو الرّبّ يسوع. لذلك نرى سمعان بُطرُس بحالة إعترافٍ وإمتنانٍ في الوقت عينه، وعلى ضوء هذا المـوقف الحقيقيّ والصادق، دعاهُ يسوع ليكون بعد الآن صيّاد بشرٍ. حقًّا لقد اصطادهُ يسوع بكلمته ومحبّته وحنانه.

لقد ترك سمعان بُطرُس كُلّ شيءٍ، لأنّهُ أخذ مصدر كُلّ شيءٍ. ترك سبب فشله، وتمسّك بمصدر النّعمة. ترك إرادتهُ بين يدي يسوع لكي يتتلمذ لهُ، ورُغم ذلك سنراهُ من جديدٍ يعودُ ويفشل ويسقُط، لكنّ الرّبّ يسوع سيعود ويُنهضُهُ كُلّ مرّةٍ من جديد. هذا ما يصنعُهُ الرّبُّ معنا عندما نختارُ أن نكون نحنُ معهُ. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!