موقع Allah Mahabba التقدمةُ الّتي أنبأت بالفداء الّذي أصبح نورًا للأُمم!
يتفرّد الإنجيليّ لوقا بإخبارنا بأهمّ الأحداث اللّيتورجيّة الّتي احتفلت بها عائلةُ النّاصرة في طفولة يسوع، تبعًا للإيمان والتّقليد اليهوديّ. يعودُ لوقا إلى تفصيلٍ صغيرٍ حدث أثناء تقدمة يسوع لله في الهيكل في اليوم الأربعين لولادته. من المـُرجّح كثيرًا أنّهُ قد أُخذ من مُذكّرات مريمُ العذراء، وهو لقاءُ سمعان الشّيخ بعائلة النّاصرة، وما قالهُ عن يسوع بقُوّة الرُّوح القُدُس. كلماتٌ ليست كباقي الكلمات، لا بل تحمل في طيّاتها خُلاصةً لاهوتيّة عميقةً، ومُقدّمةً لسرّ الفداء ورجاءً لا لإسرائيل وحدهُ وحسب، بل لكُلّ الأُمم ولكُلّ إنسان.
لم يكُن لقاءُ سمعانُ الشّيخ بعائلة النّاصرة لقاءً عاديًّا أو آنيًّا وعابرًا، لا بل امتدّ بمعناهُ إلى حدث موت يسوع على الصّليب، وأصبح مُقدّمةً لفهم سرّ الفداء، الّذي به حُرّرنا من سُلطان المـوت والخطيئة، لنكون أبناء الحياة والنّعمة. لقد أتى هذا الحدث بعد ثلاثةٍ وثلاثين يومًا من يوم الختانة حيثُ دعيُ اسمُهُ يسوع ومعناهُ: “يا ربّ خلّص”، وبعد أربعين يومًا من الولادة، ويعني إكتمال الوقت المـُحدّد لإعلان الوحي الإلهيّ. في اليوم الثّامن أي الأوّل من الثّلاثة والثّلاثين يومًا تمّت الختانة كمُقدّمةٍ تأخُذُ الطّابع الرّمزيّ لحياة يسوع الزّمنيّة أي الثلاثة والثّلاثين سنة، وعند ختامها يتحقّق المعنى الكامل لإسمه الخلاصيّ، بفعل الفداء الّذي سيُحقّقُهُ على الصّليب. الأيّامُ السّبعة تأخُذ رمزيّة خلق الله للعالم في أُسبوعٍ واحد، وباقي الأيّام تأخُذ رمزيّة حياة يسوع البشريّة بكاملها أي الثّلاثة والثّلاثين سنةٍ، والّتي تُقسم إلى قسمين: ثلاثون سنةً في الخفاء، وثلاثُ سنواتٍ عاشها في العلن مُعلنًا فيها ملكوت الله. خلالها أعاد يسوع خلق الإنسان من خلال الولادة بالماء والرُّوح بقُوّة سرّ الفداء.
يُعتبر اليوم الأربعون بعد الولادة لدى اليهود، يومُ تطهير الأُمّ وطفلها لكي يستطيعا الدخول إلى المـُجتمع، وذلك بعد تقديمها تقدمة التّطهير عن خطاياهُم أو عن النّجاسة الّتي لحقت بالأُمّ وفقًا للشريعة اليهوديّة. لا ينسجم هذا المـُعتقد مع تفكيرنا اليوم، ولكن نستطيع أن نأخُذ منهُ المعاني الروحيّة، وذلك من خلال ما تنبّأ به سمعانُ الشّيخ في يسوع الطّفل الإلهيّ:”نورًا يتجلّى للأُمم ومجدًا لشعبك إسرائيل”… “وها إنّهُ جُعل لسُقوط كثيرٍ من النّاس وقيام كثيرٍ منهُم في إسرائيل، وآيةً مُعرّضةً للرّفض”.
صحيحٌ أنّ التّقدمة الّتي رفعتها عائلةُ النّاصرة، تُعبّر عن حالتها الفقيرة على المـُستوى الإجتماعيّ، ولكن لم يكُن فيها البديلُ هو فرخي اليمام عوضًا عن الحمل، إنّما كان يسوعُ نفسُهُ هو الحملُ الحقيقيّ الّذي قُدّم لله الآب، لا بدلًا عن خطاياهُ وخطايا أُمّه تبعًا للتّقليد اليهوديّ، بل بدلًا عن خطايا العالم أجمعين. هذا ما أشارت إليه الرّسالة إلى العبرانيّين، ومنها نفهم أنّهُ سيكونُ هذا الحمل مُنذُ بداية رسالته التّبشيريّة حتّى موته: “آيةً مُعرّضةً للرّفض”، وفي الوقت نفسه “نورًا يتجلّى للأُمم”.
هذا ما استطاع أن يراهُ سمعانُ الشّيخ بقُوّة الرُّوح القُدُس، في وجه يسوع إبنُ الأربعين يومًا، فهو مسيحُ الرّبّ، الّذي معهُ سيكتملُ تدبيرُ الله الخلاصيّ في ملء الزّمن، وهذا ما يرمُز إليه الرّقم أربعين في الكتاب المـُقدّس أي إكتمال زمنُ الله. لقد تعرّف سمعانُ الشّيخ على المـسيح بوجه يسوع، كربٍّ يُخلّصُ العالم من خطاياه، الّذي سيكونُ لكُلّ البشر نورًا بعد أن ينطلق مجدهُ من شعب إسرائيل بحسب الوعد، ووفقًا لما جاء في سفر تثنية الإشتراع. الخلاص الّذي رآهُ سمعانُ الشّيخ في يسوع المـُقدّم إلى الله في الهيكل، يشمُلُ كُلّ الإنسان، ويعني ويطال كُلّ البشريّة بدءًا من اليهود بُلوغًا إلى الوثنيّين، وذلك لأنّ الجميع قد خُلقوا على صورته كمثاله، ولأنّهُ نزل من عليائه ليكون للجميع ربًّا ومُخلّصًا وفاديًا؛ هذا ما حقّقُهُ على الصّليب.
لقد جرت العادة أن تُضاء الشُّموع في عيد تقدمة يسوع للهيكل، ويُحتفلُ بعيد المـُكرّسين والمـُكرّسات للرّبّ، لأنّهُم أرادوا أن يكونوا من خلال نُذورهم وتضحياتهم نورًا من نور يسوع الرّبّ الفادي يتجلّى لجميع النّاس، من خلال المـحبّة القائمة على العطاء. إنطلاقًا من هُنا، يُصبحُ عيد تقدمة يسوع للهيكل دعوة مُلهِمة لكُلّ مسيحيّ ليشكُر الآب على الخلاص الّذي تتحقّق بيسوع، ودعوةً للإنفتاح على جميع البشر الّذي أراد الرّبُّ أن يبلُغ نورهُ إليهم، لكي يؤمنوا به، ويقبلوا ملكوتهُ الأبديّ، آمين.
تابعوا قناتنا
https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg
شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!