تابعونا على صفحاتنا

مقالات

هل نأتي الكنيسة والقُدّاس لنسجُد للملك الحقيقيّ؟!

يُعرفُ ويتميّز إنجيل القدّيس متّى أنّهُ يتوجّهُ ببشارته بشكلٍ مُباشر إلى اليهود الّذين قَبلوا المـسيح. فنراهُ يستشهدُ بمراجع كُتُب العهد القديم، ويُقدّمُ يسوع لهُم على أنّهُ “موسى الجديد”- المـُشرّع الجديد. المُلفت أيضًا في بشارته وفي حديثه عن ولادة الرّبّ يسوع المـسيح، نراهُ يُشيرُ إلى أنّهُ مُخلّصُ الوثنيّين أيضًا، فهو “نورُ الأُمم”، مثلما تنبّأ أشعيا. مع حدث تجسُّد الكلمة، نسمع المـجوس يُعلنون أنّ المولود في بيت لحم مدينة الملك داوُد، هو المـلك الحقيقيّ لليهود، وهذا يعني وفقًا للمفهوم اليهوديّ بحسب الكُتُب التاريخيّة والأنبياء مثلما جاء في سفر صموئيل الأوّل، هو اللهُ في حدّ ذاته.

يُخبرُنا متّى أنّ المـجوس تبعوا النّجم الّذي أشرق لهُم في المـشرق. ميزةُ هذا النّجم أنّهُ يُشيرُ إلى ولادة المـُخلّص، وهو يقودُ ويسيرُ أمام من يُريدُ أن يتعرّف على المـلك الحقيقي، ملك اليهود. أوّلًا، رُغم أنّ المـجوس يجهلون الكُتُب المـُقدّسة، والله الحقيقيّ، لكنّهُ يعلمُ تمامًا أنّهُم يُحبُّون الحقّ ويرغبون بمعرفته، فاستخدم سُبُل بحثهم وسعيهم عن الحقيقية ليقودهُم إليه. من خلالِ النّجم الّذي أشرق لهُم في المـشرق، أعطى قلوبهُم الإدراك واليقين لكي يجدُّوا في سعيهم وراء تلك العلامة فيصلوا إلى مُشاهدته. ثانيًا، نراهُم لم يخجلوا ولم يخافوا من أن يسألوا عمّن يبحثوا عنهُ وهو ملك اليهود، كما ونراهُم حملوا إليه أثمن ما لديهم، تأكيدًا على أنّ من سيتعرّفُ عليه، سيجدُ أنّ كُلّ ثروة الأرض وغناها وكُلُّ ما فيها، ليس بشيءٍ أمام بهاء مجده، ونور عينيه ولُطف حنانه وعظمة محبّته.

لقد سار المـجوسُ مسافةً طويلةً إلى أن وصلوا إلى مُشاهدة المـلك الحقيقيّ. لا نعلم شيئًا عن المـخاطر الّتي تعرّضوا لها، ولكن بعد لقائهم بهيرودوس -وما نعلمُهُ عن هذا الرّجُل السفّاح- نعلم أنّ حياتُهُم كانت بخطر. رُغم كُلّ شيءٍ تقدّموا إلى بيت لحم، وهناك قدّموا أثمن ما عندهُم وهو أَثمن من الذّهب والبخُّور والمـُرّ، إنّهُ سُجودهُم وعبادتهُم للطّفل يسوع. إنّهُ موقفُ الإيمان العامل بالمحبَّة، فَأَعلَنوا: أنّهُ حقًّا اللهُ المـلك والمُخلص.

ما نعرفُهُ من خلال هداياهُم أنّهُم مُلوكٌ وأثرياءٌ وعُلماءٌ. هداياهُم تَدُلُّ على هويّة الطفل يسوع “الإلهيّة”، وهنا نفهم ما معنى عيد “الظُهور الإلهيّ-الإبيفانيّا”؛ الذّهبُ يدلّ على أنّ يسوع هو المـلك الحقيقيّ. والبخُّورُ يدلُّ على أنّهُ الكاهنُ الأعظم، وعلى أنّهُ هو اللهُ الّذي يُقدَّمُ لهُ السُّجودُ والإكرام. والمـُرُّ يدلُّ على أنّهُ المـُخلّص والمـسيح المـُنتظر الّذي سيُخلّصُ بآلامِه شعبهُ من خطاياهُم. الرّبُّ الّذي قُدِّمَت إليه هذه الهدايا في طفولَته، وسُجِد لهُ من قِبَلِ المـجوس، هو نفسُهُ الحاضرُ معنا دائمًا في الكنيسة، إنّهُ هو الحيُّ في سرّ القُربان.

إنطلاقًا من هُنا، علينا أن نسأل أنفُسنا، كيف نأتي إلى الكنيسة؟ وكيف نتقدّمُ من الرّبّ يسوع؟ هو لا ينتظرُ منّا أن نحمل إليه الهدايا الماديّة، مثل البخُور والذّهب والمـُرّ. لقد أتى إلينا ليُعطينا ذاتهُ، لا ليأخُذ شيئًا منّا. لن نستطيع أن نقبلهُ، ما لم نعرفهُ أنّهُ المـلكُ الحقيقيّ على حياتنا. لن نستطيع أن نكتشف غناهُ ومجدهُ إذا لم نتبع نجم الرُّوح القُدُس في حياتنا بالصّلاة والتّمييز، وإذا لم نُصغ إلى كلامه الحيّ لنا. لن نستطيع أن نختبر طيبتهُ ومحبّتهُ إذا كُنّا لا نُؤمن به بصدقٍ من صميم قُلوبنا.

مثلما أتى المـجوسُ إلى الطّفل يسوع، بحثًا عن رُؤية الحقّ والمـحبّة والخير والجمال في وجهه الإنسانيّ، لأنّهُ الله المـُتجسّد والمـلك الحقيقيّ، نحنُ بدورنا مدعُوّين لنأتي إليه بإيمانٍ ورغبة قلبٍ صادقة، فهو يُحبُّ القُلوب المـُستقيمة والمـُنسحقة والمـُتواضعة. لذلك علينا أن نضع أنفُسنا بموقفِ سُجودٍ حقيقيّ، تمامًا مثلما نراهُ هو نفسُهُ وهو اللهُ مُقمّطًا ومُضجعًا في المذود؛ إنّهُ موقفُ سُجود الله العظيم أمام إنسانيّتنا الهشّة والضّعيفة، فهل نُبادلهُ فعل المـحبّة هذا؟! آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!