تابعونا على صفحاتنا

مقالات

من طُفل بيت لحم أُعطينا ملء النّعمة والحقّ!

يتميّزُ الإنجيليّ يوحنّا عن باقي الإنجيليّين الإزائيّين، في مُقدّمة بشارته وفي كلامه عنْ حدثْ ولادة المـسيح المـُنتظر في الجسد، فهو لمْ يتناول الأحداث التاريخيّة، والظُروف الإجتماعيّة والإنسانيّة، بهدف التأكيد على صحّة وواقعيّة شهادته، لأنّ هذا الأمر بات بديهيًّا ومعروفًا، فالجميع قدْ سمعوا بيسوع النّاصريّ، وهُناك شُهودٌ كثيرين، قدْ عاينوهُ وسمعوهُ ولمسوه. لقد صوّب وركّز اهتمامهُ بشكلٍ خاصّ على منْ هو في ذاته “الكلمةُ الّذي صار جسدًا”، وما هو الهدف الرئيسيّ والمُباشر لتجسُّده.

أوّلًا، يُخبرُنا يوحنّا الرّسول على أنّهُ الكلمة المـُتجسّد، هو إبنُ الله مُنذُ الأزل، وبه كان كُلُّ شيءٍ، ولا يكتملُ أيْ شيءٍ بدونه. لذلك لا نستطيعُ بُلوغ الكمال في القداسة منْ دونه.

ثانيًا، يُخبرُنا على أنّ الكلمة المـُتجسّد هو ليس عقلًا مُفكّرًا يُحرّكُ الأشياء وفقًا لليونانيّين، إنّما هو منْ جوهر طبيعة الله خالق السّموات والأرض، فهو نورٌ منْ نور. إنطلاقًا منْ هُنا، وحدهُ المـُؤهّل لأنْ يُكلّمنا عنْ الله الّذي لا يُرى، ووحدهُ الّذي باستطاعتنا أن يكشف لنا مشيئة وقصد الله منْ خلقه. يسوعُ هو النُّورُ لطبيعتنا الإنسانيّة، فمن دون لا نستطيعُ أن نكتشف هُويّتنا ودعوتنا، ومعنى وجودنا. هو يسمو على يوحنّا المعمدان الّذي انتشرت شُهرتهُ في كُلّ مكان، فيوحنّا بمثابة الخادم ليسوع، والصّوت للكلمة الحقّ.

ثالثًا، يُشددُ يوحنّا الإنجيليّ، على سرمديّة طبيعة يسوع الإلهيّة، وعلى دوره الدّائم والغير المُنقطع في تدبير الله الخلاصيّ في التّاريخ وخارجهُ، وفي إظهار مشيئة الآب السّماويّ، لأنّهُ هو ملءُ الوحي الإلهيّ الّذي يُنيرُ كُلّ إنسانٍ. هو بذاته المـسيح المـُنتظر، الّذي تكلّمت عنْهُ الكُتُب المُقدّسة، واعدةً بخلاصه، لذلك يقولُ فيه: “جاء إلى بيته، فما قبلهُ أهلُ بيته”، ليُؤكّد على دلالات نُبُؤات العهد القديم، وعلى ما قاساهُ منْ رفضٍ ونُكرانٍ واضطهادٍ وألمٍ وهو “الكلمة الّذي به كان كُلُّ شيء”.

رابعًا، يُبرزُ يوحنا الإنجيليّ، قُوّتهُ الفاعلة في حياة الّذين آمنوا بيسوع وقبلوهُ ربًّا ومُخلّصًا على حياتهم. لا يُظهرُ هُنا قُدرتهُ على مُستوى الجبروت والعظمة، لا بل على مُستوى المـحبّة الخالقة الّتي تجعلْ من المـولود بالجسد، يُصبح مولودًا بقُوّة الرُّوح القُدُس ليصير إبنًا لله. إنطلاقًا منْ هُنا، ينطلق بتوضيح هدف تجسُّد الكلمة، وما معنى الخلاص الّذي جاءنا به. هذا الخلاص الّذي يبدأ بإخراجنا منْ سجن ودائرة الظُّلمة والضلال والعبثيّة واللّامعنى لنجد أنفُسنا في النُّور والحقّ والملء في حياة الله. القُبول لدى الإنجيليّ يوحنّا يأخُذُ بُعد الإيمان والإلتزام والمعرفة، ليُصبح نهج حياة أبناء الله. لدى دعا الجميع ليعرفوه، وطوبى لمن سمع لهُ.

خامسًا، يشهد التلميذُ الحبيب في إنجيله أنّ “الكلمةُ صار جسدًا، وسكن بيننا”، ولهذا الفعل إنعكاسٌ مُبهر رُؤية مجد الله في الإنسان ونيل ملء النّعمة والحقّ. في هذا المحور، نرى في مشيئة الله الأزليّة محبّتهُ اللّامُتناهيّة وحُرّيّتهُ المـُطلقة إذْ أراد أنْ يصير إنسانًا، مُتّخذًا ما فينا منْ وهنٍ ونقص. أيضًا يُسلّطُ الضّوء على سُكناهُ بيننا، ليُؤكّد أنّهُ هو الّذي رمز إليه تابوت العهد، ومعهُ أصبح كُلُّ إنسانٍ خيمة المـوعد وهيكل أُورشليم الجديد. هكذا قدّسنا الرّبُّ بتجسُّده، فما عادت الهياكل والأماكن هي الأساس، بلْ الإنسان الّذي عرف حضور الله فيه. لقدْ أصبح الكلمةُ إنسانًا، أيْ أنّهُ اتّخذ كامل طبيعتنا. وسكن بيننا لئلّا نبحث خارجًا عنّا، بل في قصد ومعنى وغاية وجودنا.

سادسًا، يُؤكّدُ يوحنّا الإنجيليّ، أنّ الكلمة المُتجسّد يسوعُ النّاصري هو مصدرُ النّعمة والحقّ في ذاته، فخارجًا عنْهُ لا حياة؛ إنّهُ الكُلّ في الكُلّ. هو أعظمُ منْ موسى ومقامهُ المـُقدّس، فهذا قدْ أعطى الشّريعة كوسيلةٍ لمعرفة الله، وللخلاص، أمّا يسوع هو في ذاته الحياة وهو المـُخلّص الّذي بفدائه لنا أُعطينا النّعم، وعرفنا أنّهُ الحقّ لأنّهُ هو والآب واحدٌ. كُلُّ منْ رأى يسوع، أيْ عرفهُ في خبرة الإيمان، قدْ رأى الله الّذي لمْ يرهُ أحدٌ قط.

ونحنُ نُتأمّلُ في طفل بيت لحمٍ نرى بالإيمان في وجهه الجميل واللّطيف والبريء عظمة محبّة الله لنا. ونرى أيضًا في بريق عينيه ملء النُّور الّذي يُنيرُ إنسانيّتنا لئلّا نحيا للمادّة وللزّمن، بلْ وفقًا لقصده الإلهيّ بالنّعمة والحقّ، فيظهر مجدهُ فينا، وعندئذٍ نكونُ حقًّا في الميلاد. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!