تابعونا على صفحاتنا

مقالات

يسوع الطفل المولود من يُشبه؟!

من بديهيّات الأسئلة الّتي يطرحُها الأُمّهاتُ والآباءُ والأقارب عند ولادة مولودٍ جديدٍ في العائلة هو: أتُراه من يُشبه؟ وكيف سيكون؟ رُبّما السُؤالُ نفسُه نطرحُهُ على أنفُسنا ونحنُ نحتفلُ بعيد الميلاد: أتُرى يسوعُ يُشبهُ أُمّهُ مريمُ العذراء تمامًا، لكونها حبلت به من الرُّوح القُدُس، لا من زرع رجُل؟ في الوقت نفسه نحنُ الّذين ننظُرُ بعين الإيمان إلى حدث الميلاد الّذي يعني تجسُّد “الكلمة الّذي به كان كُلُّ شيءٍ، وبدونه ما كان شيءٌ ممّا كان”، نتوقُ ونرغب لنرى في الطفل يسوع وجه الله الحقّ الّذي لم يرهُ أحدٌ قط مُنذُ بدء الزّمن.

عندما نتكلّم عن الشّبه نتكلّم أيضًا عن الطّباع، فغالبًا ما نرى مثلًا الولد الّذي يُشبه والدُهُ على مُستوى الشكل، كثيرًا ما يعكُس من طباعه في تصرُّفاته ومواقفه. لقد أُعطي لبُنية الجسد ولملامح الوجه إهتمامًا بالغًا من قبل عُلماء النّفس في دراساتهم لطَبْعِ الإنسان وشخصيّته. وهُنا نعودُ لننظُر إلى طفل بيت لحم، لنتأمّل في ملامح وجه يسوع لنرى فيه جمال الله ومحبّتهُ وفرحهُ ولُطفهُ وتواضُعهُ ووداعتهُ وسلامهُ…، ونعجزُ تمامًا أن نرى فيه جبروتهُ وعظمتهُ المـُتأتّية من قُدرته كخالقٍ لا بدء لهُ ولا نهاية. على العكس من ذلك بل نرى في طفل بيت لحم محدوديّة طبْعنا الإنسانيّ، ضُعفنا وهشاشتنا وفقرنا وعجزنا ونقصنا وحاجتنا الماسّة إلى الآخر. ما بين انعكاس حقيقة وجه الله الغير المـنظور في وجه الطُفل يسوع، وأيضًا إنعكاس حقيقة طبْع إنسانيّتنا الضعيفة نقف أمام عظمة محبّة الله في التّبادُل العجيب الّذي أحدثهُ في التّجسُّد: المـُطلق أصبح محدودًا، والغنيُّ أصبح عبدًا، والأزليُّ أصبح زمنيًّا، والّذي فوق كُلّ شيءٍ غدا الأصغر “طفلًا مُقمّطًا ومُضجعًا في مذود البهائم”.

 إنطلاقًا ممّا صنعهُ الرّبُّ في التّجسُّد نفهم تمامًا أنّهُ من المـُستحيل أن يكون التّشابُه حقيقيًّا إذا لم يكُن مقرونًا بمصدره، وهو كذلك. نعم لقد صار الكلمةُ إنسانًا، صار اللهُ واحدًا منّا وهذا يعني أمران: الأوّل، لأنّهُ الله، صار كُلّ ما اتّخذهُ من إنسانيّتنا يخصُّ سرّهُ ولاهوتهُ وتدبيرهُ الخلاصيّ، إنّهُ القرانُ الّذي حافظ فيه اللهُ على الإختلاف ضُمن الوحدة. الثّاني، ليظهر أنّهُ الله أبقى أُلوهيّتهُ محجوبةً، وأظهر بأُلوهيّته عظمة إنسانيّتنا بما فيها من عجزٍ وضُعفٍ ونقصٍ وهشاشة، فعاشها حتّى المـلأ، وبالتّالي لم يعُد التّشابُه شكليًّا وفق البعض عندما يتناولون موضوع الصّلب والفداء، لا بل هو التّشابُه المُناقض لتقليد الشيء، والّذي يعني المـُطابقة مع الحفاظ على الشّخصانيّة من دون إنزلاقها بالذوبان والإمّحاء؛ “لقد شابهنا في كُلّ شيءٍ ما عدا الخطيئة”.

إنّ التأمُّل بحقيقة حدث التجسُّد، يجعلُنا نرى كيف الله بمحبّته اللّامُتناهية، قد مجّد إنسانيّتنا لأنّهُ اتّخذها بما هي عليه. في الوقت الّذي نحنُ نرغب ونصبو فيه لنكون آلهةً على حساب إلغاء مكانة الله، كما فعل أبوينا الأوّلين آدم وحوّاء، نرى الله يصبو بمحبّتِه ليُصبح ما نحنُ عليه. فما قد خسرناهُ بسبب معاصينا الشّخصيّة، نراهُ يُعيدُهُ إلينا بتجسُّده. إنطلاقًا من هنا تُصبحُ رسالة عيد الميلاد تعني أوّلًا قبول إنسانيّتنا مع المـسحة المـُضافة إليها أنّنا بإبن الله المـُتجسّد وهو المـسيحُ المـُنتظر يسوعُ النّاصري إبنُ مريم قد أصبحنا أبناءً لله.

في الوقت الّذي كُنّا نظُنُّ فيه أنّ الطّريق إلى السّماء تعني الذّهاب صُعودًا، أصبحت مع تجسُّد الكلمة تعني إنحدارًا نحو عُمق قُلوبنا بالتواضع والوداعة والأصغريّة والفقر الروحيّ حيثُ نحيا سُكنى الله فينا. مع تجسُّد الكلمة أُبطلت روحانيّة المـُثُل والقداسة البعيدة والخارجة عن سياق محدوديّتنا وضُعفنا الإنسانيّ. مسارُ القداسة أصبح مشروطًا بقبول إنسانيّتنا، ولكن مع إضفاء طَبْعِ المسيح علينا وهُنا نعني الروح القُدُس على شخصيّتنا. كما شابهنا الرّبُّ في تجسُّده بكُلّ شيءٍ، آخذًا ضُعفنا الإنسانيّ والإجتماعيّ، كذلك علينا نحنُ أيضًا من خلال إيماننا بسرّ تجسُّده أن نأخُذ خصالَ جماله ومحبّته وفرحه ولُطفه وتواضُعه ووداعته وسلامه، فنحيا فيه.

في الوقت الّذي ظهر نجمُ المـسيح في المـشرق كعلامةٍ لمجيء الملك الحقيقي، وفي الوقت الّذي ظهر المـلائكةُ للرُّعاة مُنشدين نشيد المـجد والتّهليل، نرى الكلمةُ يسوعُ إبنُ الله مُقمّطًا ومُضجعًا في مذود البهائم. كُلّ علامات المجد والفرح الّتي ظهرت مع تجسُّده تُشيرُ إلى أمرٍ واحدٍ أحد، كم أنّ الله أحبّنا إلى حدٍّ أخذ طبيعتنا البشريّة، وهذا الفرحُ لمُستمرٌّ إلى الأبد، يكفينا فقط أن نعرف أنّ الله معنا، إنّهُ “عمانوئيل”، وقد أتى من أجلنا ومن أجل خلاصنا. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!