تابعونا على صفحاتنا

مقالات

لِكي نَعمَل مَشيئَة الله عَلينا أن نَسلُكَ بِالتَّوبَة!

نَسمَع مِن فَمِ الَّذينَ أَقبَلوا إِلى يوحَنَّا المَعمدان في عِبرِ الأُردُن، يَسأَلونَهُ: “ماذا نَعمَل؟” وَذَلِكَ إِنطِلاقًا مِنْ تجاوبِهِم مَع نِدائِهِ المـُلِحّ للتَّوبَة، فَنُدرِكَ أَنَّها تَقومُ على تَصحيحِ مَسارِ حَياتِنا على ضَوءِ كَلِمَةِ الله الَّتي تَكشِف لَنا عَنْ مَشيئَتِهِ القُدُّوسَة وَالصّالِحَة. لا يُمكِنُنا أَن نَلتَقي المـَسيح خارِجَ التَّوبَة. لا يُمكِنُنا أَن نعيشَ بِالتَّوبَةِ إِنْ لَمْ نَرغَب بِمَعرِفَةِ الرَّبِّ وَبِإِعطائِهِ المـَكانَةَ الأُولى في حَياتِنا. تَقومُ التَّوبَة عَلى الإِيمان وَعلى الرَّغبَة الصادِقَة بِمَعرِفَةِ اللهِ وَمَشيئَتِهِ، وَعلى الإِستِعداد العَمَليّ في مَحَبَّة القَريب.

أُولى خَطَواتِ التَوبَة الحَقيقيَّة، تَقومُ عَلى العَدالَة الَّتي لا تَنتَقِص أَبَدًا من حُقوقِنا، بَل تَنطَلِق مِنْها: “عامِل النَّاس كَما تُريدُ أَن يُعامِلوكَ”. المِعيار الأَوَّل الَّذي يُقَدِّمُهُ يوحَنَّا المَعمَدان لِسامِعيه، هوَ أَنفُسَهُم: “مَن كانَ عِندَهُ قَميصانِ، فَليَقسِمهُما بَينَهُ وَبَينَ مَن لا قَميصَ لَهُ…”. العدالَة الَّتي يُنشِدُها هيَ الخُطوَة الأُولى في المـُشارَكَة بِالخَيرِ مَع القَريب، فَهيَ مِن أُولى خَطَواتِ المـَحَبَّةِ وَالرَّحْمَة. مَنْ لا يَعرِفُ العَدالَة بِمَعناها الصّحيح، حَيثُ لا يَعُد يَنحازُ الإِنسانُ إِلى أَنانِيَّتِهِ وَمَصلَحَتِهِ الشّخصِيَّة، بَل إِلى الحَقّ وَالمـُساواة، لا يَستَطيعُ أَن يُحِبَّ وَأَن يَعمَلَ مَشيئَةَ الله. هُنا علَينا أَن نَسأَلَ أَنفُسَنا إِذا كُنَّا حَقيقَةً نُمارِس العَدالَة في حَياتِنا وَفي عَلاقاتِنا مَع الآخرين.

أَلجُباةُ هُمْ مِنْ بَينِ الَّذينَ أَتَوا إِلى يوحَنَّا المَعمَدان. هَؤلاءِ الَّذينَ كانوا يُعتَبَرونَ خائِنينَ لِمُجتَمَعِهِم وَلِدينِهِم اليَهوديّ، لِأَنَّهُمْ يَعمَلونَ لِصالِحِ الحُكمِ الرّومانيّ. نراهُ يُطالِبهُم أَيضًا بِالعَدالَة. فَهوَ لَمْ يَطلُب مِنْهم أَن يَثوروا عَلى الرُّومان، وَلا أَن يَتَخَلَّوا عَنْ عَمَلِهِم رُغمَ ما يَسمَعونَ مِن إِهاناتٍ مِن أَبناءِ قَومِهِم. لَقد طَلَبَ مِنْهُم أَن يكونوا عادِلينَ، وَذَلِكَ لِأَمرَين: أَوَّلًا لِأَنَّهُ يَعرِفُ تَمامًا مَحدودِيَّة الضعف الإِنسانيّ، وَثانِيًا لِأَنَّهُ يَعرِفُ تَمامًا واقِع الحَياة الإِجتِماعيَّة وَالسِياسِيَّة وَتَبِعات أَعمال العُنف المُتَطَرِّفَة.

لَيسَ العَدلُ فَقَط هوَ ميزانُ الحُكم، بَل هوَ الوَسيط الدائِم لِلمُساواةِ في العَلاقات بَينَ النَّاس، وهوَ الباب الأساسيّ لإِحتِرام الذّات وَالآخر مِن مُنَطَلق الكَرامة. لِذَلِكَ نَسمَع يوحَنَّا المَعمَدان يُتابِع إِرشادَهُ وَتَوجيهَهُ إِلى الجُنودِ الَّذينَ أَقبَلوا إِلى سَماعِهِ، فَيقولُ لَهُم: “لا تَتَحامَلوا على أحَدٍ وَلا تَظلِموا أَحَدًا، واقنَعوا بِرواتِبِكُم”. ليعيشَ الإِنسان التوبَة الصادِقَة لَيسَ المَطلوبُ مِنْهُ أَن يَخرُجَ مِنَ المُجتَمَع وَمِنْ وَظائِفِهِ المُتَعَدِّدَة. باستِطاعَةِ الإِنسان أَن يَكونَ جابِيًا، وَأَن يَكونَ جُندِيًّا. المـُشكِلَة لَيسَت بِالمِهنَة وَالوَظيفَة الشّريفَة، إِنَّما بِكَيفِيَّةِ استِخدامِها، لِذَلِكَ باستِطاعَةِ الجُنديّ أَن يعيشَ التوبَة، عِندَما لا يتَحامَل على أَحَدٍ وَعِندَما لا يَظلُمَ أَحَدٍ.

إِذا سَأَلنا أَنفُسَنا ما الَّذي يَجعَلُنا نَكونُ عادِلينَ أَو غَيرَ عادِلين، نَجِدُ جوابًا واحِدًا، وَهوَ مَحَبَّةُ اللهِ وَمَخافَتَهُ. مَنْ لا يُؤمِن وَمَنْ لا يَخافُ اللهَ وَيُحبُّهُ، يَجعَل مِنْ ذاتِهِ مُشَرِّعًا، فَيُؤَلِّهَ أَنانِيَّتَهُ لِيَجعَلَ مِنَ الآخَرينَ عبيدًا وَأَدواتٍ لِمَصالِحِهِ الشخصيَّة، أَمَّا الَّذي يُحِبُّ اللهَ لا يَستَطيعُ إِلَّا أَن يَكونَ عادِلًا، وَأَن يُشارِكَ الآخرينَ بِالخَيرِ المُعطى مِنَ الله. المـُفارَقَة اليَوم هيَ أَنَّنا نَجِدُ أُناسًا لا يَنتَمونَ إِلى نِظامِ الحَياةِ الدينيَّة وَلا إِلى الإِيمانِ المـَسيحيّ، وَلَكِنَّهُم يَنطَلِقونَ مِنْ مَبادِئ وَقِيَمِ إِنسانِيَّة، فَيُعَبِّرونَ بِعَيشِهِم لِلعَدالَة عَنْ إِيمانِهِم بقيمَة وَكَرامَة الشّخص البَشَريّ. هَؤلاءِ النَّاس بِتَصَرُّفِهِم هذا يُؤَكِّدون على أَنَّ ما يقومونَ بِهِ هوَ مِن صُلبِ المشيئَة الإِلَهيّة، وَأَنَّ الإِنسانَ عِندَما يَكونُ صادِقًا معَ نَفسِهِ لا يَستَطيعُ أَن يَخرُجَ عَنْ قَواعِد وَمَبادِئ وَأُسُس الشّريعَة الطّبيعيَّة الَّتي غَرَسها اللهُ في عُقولِنا وَقُلوبنا.

سَألَ الجُموعُ يوحَنَّا المـَعمَدانَ: “ماذا نَعمَل؟” فَأَرشَدَهُم ويُرشِدُنا اليَومَ، لِكَيْ نَستَعِدَّ دائِمًا لِمُلاقاةِ الرَّبَّ يَسوع في حَياتِنا. لِنُصلِحَ حَياتَنا عَلينا أَن نَسأَل أَنفُسَنا: كَيفَ نَعمَل؟، وَمِنْ أَجلِ مَنْ وَلِماذا؟ جوابُ قُلوبِنا الصادِق، يَدُلُّنا عَلى طريقِ تَوبَتِنا، لِنَكونَ وَفقًا لِما يُريدُنا الرَّبُّ أَن نَكون. عندَئِذٍ نَحيا المـَحَبَّة وَالقَداسَة في التّوبَة الفَرِحَة. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!