تابعونا على صفحاتنا

مقالات

كُلّ من يَلتقي يسوع يَسأَل: مَن هو؟!

عِندَما نَقرَأ الإِنجيل المـُقَدَّس، نَكتَشِف أَنَّهُ يُخبِرُنا عَن الرَّبَّ يَسوع، لا كَقِصَّة تاريخيّة تُشبهِ سِواها مِنَ القِصَص، بَل تُسَلّط الضّوء عَلى هوِيَّتِهِ مِنْ خِلالِ حَياتِهِ، أَقوالِهِ وَأَعمالِه، مِن مُنطَلَقِ الخَلاص الَّذي حَقَّقَهُ مِن أَجلِنا كَإِنسانٍ حَقّ وَإِلَهٍ حَقّ، تَتميمًا لِتَدبير الآب الخلاصيّ.

يُقرَأ الإنجيل من مُنطَلَق سُؤالٍ إِيمانيّ: مَن هوَ يَسوع؟. كُلُّ الَّذينَ التَقوهُ وَآمَنوا بِهِ، وَكُلّ الَّذينَ قَبِلوا المُعجِزاتَ مِنهُ وَالَّذينَ سَمِعوهُ بِإِيمانٍ، قالوا فيهِ “أَنَّهُ النَّبيُّ الآتي إِلى العالَم”. “أَتُراهُ هوَ المـَسيح؟”، “إِنَّهُ ابنُ اللهِ حَقًّا”، “يَسوعُ النّاصريّ، إِبنَ داود”. وَالَّذينَ لَم يُؤمِنوا بِهِ وَضَعوا الكَثيرَ مِنَ التَساؤلات حَولَ هُوِيَّتِهِ، حَتّى قالوا لَهُ: “حَتّى متى تُبقي نُفوسَنا في حَيرَةٍ، قُل لَنا أَأَنتَ المـَسيح؟”. حَتّى اليَوم ما زِلنا نَختَبِر وَنَشهَد عَلى هَذِهِ الحَقيقَة، إِن على المـُستَوى الشَخصيّ أَو حَتَّى على مستَوى الأَبحاث وَالفَلسَفات وَاللاهوت. يَبقى يَسوع الشّخصيَّة الأَكثَر شُهرَةً وَمَعرِفَةً وَجاذِبِيَّةً في العالَم. كَمْ مِنَ الأَفلامِ وَالكُتُب وَالمـَقالات أُعِدَّت وَكُتِبَت عَنْهُ؟! كُلّ هذا يَحُثُّنا وَيَدفَعُنا لِكَيْ يَكونَ لَدَينا الشّغَف لِنَتَعَرَّف عَلَيه، إِنطِلاقًا مِنْ تَعليمِ الإِنجيل وَالكَنيسَة.

مَع خِتامِ السَّنَة اللِّيتورجيَّة بِحَسب الطَّقس الروماني اللّاتيني، نَحتَفِلُ بعيد يَسوع المـَلِك. موقِع هذا الإِحتِفال في خِتامِ السَنَة الطّقسيَّة، يَأخُذ طابِع التَّجَلّي في مَعرِفَتِنا الإِيمانِيَّة لِهُوِيَّةِ الرَّبَّ يَسوع كَمَلِكٍ حَقيقيّ. إِنَّ كَلِمَة مَلِك هيَ صِفَة تُعطى لِلشَّخص الَّذي لَدَيهِ السُلطَة وَالمـُلك الكامِل عَلى أَرضٍ وَجَيشٍ وَشَعب مُدَّةَ حَياتِهِ الزّمنِيَّة، وَيعودُ القَرار لَهُ مُنفَرِدًا. أَمَّا بِالنِّسبَةِ للرّبّ يَسوع، لَيسَ بِصِفَةٍ ناتِجَة عَنْ دورٍ وَمَوقِعٍ يَملَأَهُ، يَخسَرُها إِذا خَسِرَ دَورَهُ، بَل هيَ تَنبَع مِنْ هُويَّتِهِ وَمِن طَبيعَتِهِ الإِلَهِيَّة، كَإِلَهٍ حَقّ، وَكإِبنٍ للهِ قَد تَجَسَّد في مِلءِ التاريخ، وَعَرفَنا مَجدَهُ. لِكَي نَتَعَرَّف عَلى طَبيعَةِ مُلكِ يَسوع المـُختَلِف وَالمـُمَيّز عَنْ باقي مُلوكِ الأَرض، عَلَينا بِالعَودَةِ إِلى مُحاكَمَتِهِ وَحِوارِهِ مَع بيلاطُس.

في الوَقتِ الَّذي بَدا يَسوعُ فيهِ للعامَّةِ ضَعيفًا، كانَ الوَقتُ الَّذي تَجَلَّت فيهِ هُوِيَّتَهُ كَمَلِكٍ حَقيقيّ. عِندَما حاكَموا الرَّبّ يَسوع لَم يَكُنْ مِحوَر إِدانَتِهِم جُرمٌ عَمَليٌّ لا أَخلاقيّ، وَتَعَدٍّ على القانونِ قَدْ اقتَرَفَهُ، بَلْ كانَ حَولَ هِويَّتَهُ، لِأَنَّهُ قالَ: “أَنَّهُ ابنُ الله”. هذا التّعريف يَتَّصِل بِهُوِيَّتِهِ الإِلَهيَّة، وَبالتّالي هوَ والله الآب واحِد، وَالخُلاصَة هوَ مَلِك.

عِندَما سَأَلَ بيلاطُس يَسوع، إِن كانَ هوَ مَلِكُ اليَهود، فَمِن خِلالِ السُؤالِ وَالجَواب، نَكتَشِف أَنَّ مَعنى مَلَكِ اليَهود، يَتَّصِل بِاللهِ وَحدَهُ إِلَهُ الآباء إِبراهيم وَيعقوبَ وَإِسحَق؛ هذا الإِلَه الَّذي أَصغى إِلى أَنينِ شَعبِهِ، وَخَلَّصَهُ وأَخرَجَهُ مِنْ عُبودِيَّةِ مِصر. هذا الإِلهِ الَّذي أَطعَمَ شَعبَهُ-إِسرائيلَ المـَنَّ وَالسّلوى وَأَعطاهُ الشريعَةَ في البريَّة. هذا الإِلَه الَّذي أَظهَرَ لِشَعبِهِ أَنَّهُ الإِلَه الحَقّ خالِق السّمواتِ وَالأَرض. هذا الإِلَه الَّذي استَبدَلَهُ شَعبَهُ بِالمَلِكِ شاوول لِيَكونوا كسائِرِ الأُمَم، وَعادوا وَأَنكَروهُ أَخيرًا، باعتِبارِ القَيصَر هوَ مَلِكِهِم.

إِنطِلاقًا مِن هُنا، لا يُقارَن مُلكُ يَسوع بِمُلكِ مُلوكِ الشعوبِ وَالأُمَم. فَإِن كانَ المـَلِك الزَّمَنيّ يَتَمَتَّع بِكامِل السُلطة وَالقُوَّة على أَرضٍ وَشَعبٍ وَجَيش إِلى وَقتٍ مُحَدَّد. فَمُلكُ المـَسيح هوَ سَرمَديّ، وهوَ يَسمو عَلى كُلّ شَيءٍ لِأَنَّ طَبيعَتَهُ وَجَوهَرَهُ إِلَهيّ، هوَ مَلِكُ السّمواتِ وَالأَرض. سُلطانَهُ لَيسَ جَبَروتًا وَقُوَّةً وَعَظَمة، بَلْ حَقًّا وَمَحَبَّةً وَرحمَةً، وَهُنا نَكتَشِف المـُفارَقَة الكَبيرَة. هوَ لا يَحتاجُ لِأَن يُدافِعَ عَنْ ذاتِهِ، لِأَنَّهُ الحَقُّ في ذاتِهِ، وهذا ما فَعَلَهُ يَسوع تَمامًا أَمامَ بيلاطُس. هو لا يَخشَ أن يَخسَرَ مَملَكَتَهُ، لِأَنَّهُ المـَحَبَّة اللَّامُتَناهيَة، وَالحُرِيَّة المـُطلَقَة. المـَلِك الحَقيقيّ يَسوع لا يَستَعبِدُ أَحَدًا بِالقُوَّة لِكَيْ يَخدُمَهُ وَيَتبَعَهُ وَيُجِلَّهُ، بَل يُحَرِّر الإِنسانَ بِالإِيمانِ وَالحَقّ، لِكَي يَعرِفَهُ بِالمـَحَبَّة. في وَقتٍ يَدعونا فيهِ العالَم لِنَكونَ مُلوكًا وَفقًا لِمَقاييسِهِ، تَدعونا الكَنيسَة لِكَي نَنظُرَ بِعَينِ الإِيمانِ إِلى المـَلِكِ الحَقيقيّ الرَّبَّ يَسوع. ولِكَي نُدرِك أَكثَر مَعنى أَن يَكونَ يَسوع هوَ مَلِكُنا الحَقيقيّ، لا أَحَدًا سِواهُ، عَلَينا أَن نَحفَظَ وَنَفهَمَ جَيِّدًا قَولَهُ هذا: “ماذا يَنفَعُ الإِنسان لَو رَبِحَ العالَمَ كُلَّهُ، وَخَسِرَ نَفسَهُ، ماذا يُعطي بَدلًا عَنْ ذاتِهِ؟”. فَمع يَسوع نَربَحُ أَنفُسَنا، آمين

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!