تابعونا على صفحاتنا

مقالات

بَينَ وَقاحَة الكَتَبة وَبساطَة الأرمَلَة نَجِدُ معنى الإيمان!

يُقَدِّمُ لَنا الإِنجيل حَياةَ الرَّبّ يَسوع، تَعليمَهُ وَأَعمالَهُ. على مُستوى التَّعليم نَجِدَهُ مِنْ جِهَةٍ يُعَلِّمُ بِالأَمثال، وَمِنْ جِهَةٍ ثانِيَة يُقَدِّمُ لَنا العِبَر مِنْ خِلالِ إِختِباراتِ يسوع وَانطِباعاتِهِ الَّتي كانَ يَستَنبِطُها مِنْ واقِعِ حياتِهِ اليَومِيَّة. مِن خِلال الجانِبِ الثّاني، نَتَعَرَّف عَلى وَجهٍ مِن شَخصِيَّة الرَّبّ يَسوع، وَنَتَعَلَّمْ مِنْهُ كَيفَيَّة التَّفكيرِ وَالتأَمُّلِ وَالبَحث عَنْ مَشيئَةِ اللهِ في حَياتِنا.

لَمْ يَمُرَّ على يَسوع عَبَثًا وَمرورَ الكِرامِ تَصَرُّفُ الكَتَبَةِ وَعُلَماءِ الشريعَة وَالكَهَنَة وَالأَغنِياءِ…، وَلا حَتَّى أَيضًا عَطاءَ تِلكَ الأَرمَلَةِ الفَقيرة. نَرى يَسوع يُلاحِظُ أَدَقَّ التَصَرُّفات، فَنَشعُرَ أَنَّهُ يُجيدُ المـُراقَبَةَ جيّدًا، وَيَنتَقِدُ جَيّدًا وَيُعطي رَأيَهُ بِحُرِّيَّةٍ واضِحَة وَصَريحَة، فَكَلِمَتُهُ بَنَّاءَة وَصادِقَة. نَرى يَسوع يَنتَقِدُ المـُرائِيَّةَ وَالكَذِبَ في تَصَرُّف الكَتَبَة، وَيَنتَقِدُ أَيضًا بُخلَ الأَغنِياء، وَيُسني عَلى عَطاءِ امرَأَةٍ أَرمَلَةٍ وَفَقيرَةٍ وَرُبَّما عَجوز. هَل كانَ انتِقادَهُ لَهُم إِدانَة؟ بِالطَّبعِ لا. لَقَد انتَقَدَ تَصَرُّفاتِهِم البَعيدَة عَنْ هويَّتِهِم وَدَعوَتِهِم في قَلبِ المـُجتَمَع اليَهوديّ، إِذْ جَعَلوا أَنفُسَهُم مُزَيّفينَ، بَعيدينَ عَنْ حَقيقَةِ ذَواتِهِم وَقيمَةَ دَورِهِم. فَضَّلوا الشّكَلَ وَالصورَة عَلى الحَقيقَةِ وَالجَوهَر. يعودُ السَّبب وَراءَ هذا التَصَرُّف إِلى عِبادَتِهِم لِأَنفُسِهِم وَإِعلاءِ شَأنِهِم بِكِبرِيائِهم على الآخرين.

نَرى الأَمرَ ذاتَهُ يَتَكَرَّرُ مَعَ الأَغنِياءِ الَّذينَ يَأُمّوون الهَيكَل، وَيَتَقَدَّمونَ إِلى الخِزانَةِ لِيَرموا نُقودَهُم النُّحاسِيَّة. فَهُمْ يُعطونَ فَضلًا عَن حاجاتِهِم. يَعودُ السَّبَبَ وَراءَ هذا التَصَرُّفِ أَيضًا إِلى عِبادَتِهِم لِمالِهِم، أَكثَرَ مِنْ مَحَبَّتِهِم وَإِيمانِهِم بِاللهِ. في كِلا الحالَتَين نَكتَشِفُ مَعصِيَة وَصِيَّة مَحَبَّةِ اللهِ وَالقَريب. الكَتَبَة يَعرِفونَ الكُتُب المـُقَدَّسَة، وَهُمْ على كُرسِيّ موسى جالِسون، لَكِنَّهُمْ يَستَخدِمونَ مَعرِفَتَهم لا لِعِبادَةِ اللهِ، بَلْ لِكَيْ يُكَرَّموا مِن قِبَلِ النَّاسِ وَيَسودوا عَلَيهِم. الأَغنياءُ يَكتَفونَ فَقَط بِتَقديمِ العُشورِ، ظَنًّا مِنْهُم أَنَّهُم هَكَذا يُريحونَ ضَمائِرِهم وَيُبَرِّرونَ أَنفُسَهُم أَمامَ اللهِ، فيما هُمْ يَغفَلونَ عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ وَالقَريبَ وَفقًا لِجَوهَرِ هاتَينِ الوَصِيَّتَين.

في الوَقتِ الَّذي يُرينا فيهِ يَسوعُ مُرائِيَّةَ الكَتَبَة، وَبُخلَ الأَغنِياء، يَدُلُّنا أَيضًا عَلى قُوَّةَ الإِيمانِ وَحَقيقَتَهُ مِنْ خِلالِ عَطاءِ الأَرمَلَة الفَقيرَة. رُبَّما بِسَبَبِ فَقرِها وَوَحدَتِها يَقولُ فينا العَقلُ وَالمـَنطِق، هيَ مُعفاةٌ مِنْ تَقدِمَة العُشرِ. مِنَ الأَفضَلِ لَها أَن تَحتَفِظ بِمالِها عَلى أَن تَضَعَهُ في خِزانَةِ الهَيكَل. أَوْ مِنَ الأَفضِل لَها أَن تُقَدِّمَ عُشرًا واحِدًا وَفقًا للشّريعَة، وَتَحتَفِظ بالثَّاني. لَقَدْ قَدَّمَت عُشرَين بَدَلًا مِنْ واحِد، وَأَلقَت مِن حاجَتِها، لا نَظَرًا إِلى أَين سَتُصرَف أَموالُها، بَلْ نَظَرًا لِصِدقِ وَاستِقامَةِ نِيَّتِها وَحَقيقَةِ إِيمانِها. ما أَرادَ الرَّبَّ يَسوع أَن يُرينا إِيَّاهُ في هَذِهِ الأَرمَلَة الفَقيرَة، أَنَّها عَلى الرُّغمِ مِنْ واقِعِها الإِجتِماعيّ المـُذريّ، هيَ لَيسَت مِثلَ الكَتَبَة تَهوى مُحَباةِ الوجوهِ، وَلا تَسعى إِلى إِرضاءِ النَّاسِ وَلا حَتَّى إِلى سَدِّ حاجاتِها، بَل هيَ تُؤمِن بِاللهِ، وَتُعَبِّر عَن مَحَبَّتِهِا لَهُ مِن خِلالِ إِعطائِها كُلّ ما تَمِلك، لِأَنَّهُ الأَوَّلُ في حَياتِها.

الأَرمَلَةُ الفَقيرَة لَيسَت مِثلَ الأَغنِياء، فهيَ لا تَحتَفِظ بِشَيءٍ لَها بِسَبَبِ الخوَفِ عَلى مُستَقبَلِها، أَو بِسَبَبِ رَذيلَةِ البُخلِ، أَو عَمَلًا بِحدودِ قانون الشّريعَة مِثلَما يَفعَلُ الأَغنياء، لا بَل تَعلَم أَنَّ مَنْ تُقَدِّمُ لَهُ جَميعَ ما تَملِك، هوَ الَّذي يُغنيها بِنِعَمِهِ الإِلَهِيَّة، وَيَسُدُّ حاجاتَها بِعِنايَتِهِ الأَبَوِيَّة، وَيَسودُ عَلى حَياتِها بِمَحَبَّتِهِ وَرَحمَتِهِ اللَّامُتَناهيَة. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا، وَمِن خِلالِ أُسلوب المـُقارَنَة يُعَلِّمُنا يَسوع كَيفَ نُمَيِّزُ مَشيئَتَهُ في حَياتِنا، وَيُرينا الفَرقَ الواضِح بَينَ الحَقيقيّ وَالمـُزَيَّف. بَينَ عَيشِ الإِيمان، وَالإِدّعاءِ المـُزَيَّف بِعَيشِه. يُذَكِّرُنا يَسوع هُنا بِكَلامِهِ: “لَيسَ مَنْ يَقولُ لي يا رَبّ يا رَبّ يَدخُلُ مَلَكوتَ السّموات، بَل مَنْ يَعمَل بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السّموات”. مِثالُ الإِيمان لا يُعطى مِنْ خِلالِ مَعرِفَةِ الكَتَبة وَتَصَرُّفاتِهِم الإِجتِماعيَّة وَالدّينيَّة. مِثالُ الإِيمان لا يُؤخَذ مِنُ أَشخاصٍ يُحَدِّدونَهُ على أَساسِ تَطبيقِ السُّنَن وَالشّرائع.

مَع سَخاء الأَرمَلَة الفَقيرَة يُعَلِّمُنا يَسوع أَنَّ الإِيمانَ الحَقيقيّ يَعني أَنْ يَكونَ اللهُ هوَ الأَوَّلُ وَالمـُطلَق في حَياتنا وَأَن تَكونَ كُلَّ حياتنا مُوَّجَهَةً إِلَيهِ لِأَنَّهُ هوَ الكُلُّ في الكُلّ، آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!