تابعونا على صفحاتنا

مقالات

البَصَرُ أَبعَدُ مِنَ النَّظَر، البَصَرُ مُشاهَدةٌ للنّور الحَقّ!

إِنَّ النَّظَرَ لَنِعمَةٌ عَظيمَة، مِن خِلالِها نَتَمَتَّعُ بِما نَرى وَنُشاهِد. مِن خِلالِ عُيونِنا يُنسَجُ خَيالُنا، وَمِن خِلالِها يُعطى لِكَلِماتِنا المـَعنى حَيثُ يُدرِكُ العَقلُ بِما يَنطِقُ بِهِ اللِّسان وَيُوَطِّدُهُ في القَلبٍ مُعتَمِدًا عَلى ثِقَتِهِ بِما رَأتِ العَينُ وَشَهِدَت. نَعتَمِدُ على حاسَّةِ النَّظَرِ لِنَكونَ شُهودًا على الأَحداثِ. إِنطِلاقًا مِن هُنا نَكتَشِفُ أَنَّ النَّظَرَ يَمضي بِنا إِلى أَبعَد المـَعرِفَة وَإِلى الثِّقَة، وَمِن هُما ننالُ أَمانًا وَسَلامًا عَلى المـُستوى الإِنسانيّ.
عِندَما نَتَفَكَّرُ بِمَنْ فَقَدوا النَّظَر لِأَسبابٍ عِدَّة، نَكتَشِفُ أَنَّهُم أَشباهُ مَن يَعيشونَ في الأَوهامِ، إِذْ يَسمَعونَ بِالأَشياءِ وَإِنْ استَطاعوا لَمَسَها، وَلَكِن تَبقى مَعرِفَتِهِم لَها ناقِصَة وَمُجتَزَأة، مِمَّا يَجعَلَهُم بِحالَةٍ مِنَ التّبَعِيَّةِ، فَيَبقَونَ مُرتابونَ وَقَلِقون. يَتَّصِلُ النَّظَرُ بِالعَقلِ وَالمَنطِقِ وَالتَّمييزِ، وَيَحُثُّنا على التَّفكير. جَديرٌ بِنا أَن نَشكُرَ الرَّبَّ عَلى ما أُعطينا مِنْ حواسٍ تَجعَلُنا على اتِّصالٍ بِعالَمِنا الخارجيّ. رُغمَ ذَلِكَ قَدْ يَجعَلُنا النَّظَرُ عُميانًا، عِندَما نَربُطُ كُلَّ مَعرِفَتَنا وَكُلَّ إِدراكَنا فيهِ، فَنَغدو عِندَئِذٍ مَسجونينَ في عالَمِ المَـلموس وَالمـَحدود وَالمـَعقول.
بإِمكانِ النَّظر أَن يُرينا الأَشياءَ فَنَعرِفَها عَلى مُستَوى الإِسمِ وَالصِّفَة وَالشّكل. بِإِمكانِ النَّظَر أَن يَضَعَنا عَلى عَتَبَةِ الفَهمِ وَالإِدراكِ وَالمـَعنى، لَكِنَّهُ لا يَستَطيعُ أَبَدًا أَن يُعطيَنا نِعمَةَ اليَقينِ وَالثّبات. وَحدَها البَصيرَةُ الَّتي يَلِدُها الإِيمانُ هيَ تَجعَلُنا نَتَخَطَّا العَتَبَة، لِنَصِلَ إِلى الفَهمِ اليَقين الَّذي يَعني الإِنسانَ بِكُلِّيَّتِهِ، لا عَقلَهُ فَقَط، وَلا حَواسَّهُ فَقَط، وَبالتّالي يُصبِحُ عِندَئِذٍ روحانِيًّا لا مادّيًّا، وَمُؤمِنًا أَكثَرَ مِمَّا هوَ عَقلانِيًا وَمَنطِقِيًّا. البَصيرَةُ تَمضي بِنا إِلى القَلب، إِلى إِنسانِنا الباطِنيّ.
لَقَد عُرِّفَ الإِنسانُ مُنذُ القِدَم أَنَّهُ كائنٌ إِجتِماعيّ، أَيّْ أَنَّهُ عَلائِقيّ. يَكتَشِفُ ذاتَهُ وَالحياة عَنْ طَريقِ العَلاقَةِ وَالتَّواصُل مِع الآخَر وَالأَشياء. يَحتاجُ إِلى الكَلِمَة لِيُحافِظَ عَلى إِتِّصالِهِ هذا لِيَكونَ حَيًّا في الوجود. بَينَما الإِنسانُ الرُّوحانيّ هوَ ذاكَ الَّذي يَتَمَتَّعُ بِنِعمَةِ الإِيمانِ الَّذي يَمُدُّهُ بِالبَصيرَةِ فَيَنظُرَ دائِمًا إِلى المَبدَأ وَالأَساس، وَإِلى الغايَة. لا يَقِفُ عِندَ حَواجِزِ الحَوّاس، وَلا عِندَ جَدَلِيَّاتِ العَقلِ وَمَناهِجِ المـَنطِقِ المـُتَعَدِّدَة، بَل يَتَخَطَّاها بإِستِمرار.
عِندَما نَتَأَمَّلُ في إِنجيلِ أَعمى أَريحا بَرطيماوُس، نَكتَشِفُ مَعنى البَصيرَة المـُنبَثِقَة مِنَ الإِيمان. ذاكَ الأَعمى عِندَما سَمِعَ بِإِسمِ يَسوع النَّاصِري، مَضى بِيَقينِ قَلبِهِ إِلى مَعنى الحُضور الإِلَهيّ، وَسُكنى اللهِ في وَسَطِ شَعبِه. هوَ لَمْ يَقِف عِنْدَ إِسمِ شَخصٍ عاديّ، بَل أَمامَ حَضرَةِ اللهِ المـُتُجَسِّد. أَعلَنَ أَعمى أَريحا إِيمانَهُ بِصِياحِهِ الَّذي دَوَّى صَلاةً: “رُحماكَ، يا ابنَ داود، يا يَسوع!” فَكانَ أَشَدُّ تَأثيرًا مِنْ شَهادَةِ يوحَنَّا المَعمدان الَّذي دَلَّ بإِصبَعِهِ على يَسوع قائِلًا: “هوَّذا حَمَلُ اللهِ الّذي يَرفَع خَطيئَةَ العالَم”. أَعمى أَريحا بِصِياحِهِ أَعلَنَ ثَلاثَةَ حَقائِق: أَوَّلًا يَسوع النَّاصِري، هوَ ابنُ الوَعدِ، هوَ المـَسيحُ المُنتَظَر الَّذي سَيَأتي مِن نَسلِ داود. ثانِيًا يَسوع هوَ المـُخَلِّص الَّذي لَهُ سُلطانًا مِن لَدُنِ الآبِ لِيَرحَم وَيَغفِر وَيَشفي وَيُخَلِّص. ثالِثًا يَسوع هوَ نورُ العالَم، فَلا يَستَطيعُ الإِنسانُ أَن يَرى مَجدَ اللهِ الآب مِن دونِه.
حالَةُ أَعمى أَريحا الإجتِماعيَّة، وَموقِف النَّاس الدّينيّ مِنهُ جَعَلَهُ مَقسِيًّا وَكَأَنَّهُ مَلعونٌ مِنَ الله، إِذْ أَصبَحَ لَهُ عَقَبَة تَمنَعُهُ عَنْ الإِيمانِ بِإِلَهٍ يُحِبّ يَرحَم، يَحنو، يَشفي وَيُخَلِّص. على الرُّغمِ مِن ذَلِكَ، ما إِن سَمِعَ بإِسمِ يسوع النَّاصِريّ، حَتَّى استَمَدَّ منهُ النُّورَ لِقَلبِهِ، فَوَثِقَ بِما تَحَرَّكَ في أَعماقِه، وَلَمْ يُنصِت إِلى صُراخِ النّاسِ، بَل تَمَسَّكَ بِرَجاءِ يَقينِه، مِمَّا دَفَعَهُ إِلى خَلعِ ردائِهِ العَتيق، أَي إِنسانَهُ القَديم لِكَيْ يَقِفَ أَمامَ يَسوع. هُنا سَأَلَهُ الرَّبُّ عَنْ رَغبَةِ قَلبِه، فَأَجابَهُ: “رابّوني، أن أُبصِر”. بجَوابِهِ أَعلَنَ إِيمانَهُ أَنَّ يَسوع هوَ الرَّبّ، واستِعدادَهُ المُطلَق لِأَن يَكونَ لَهُ تِلميذًا. البَصيرَةُ الَّتي استَمَدَّها مِنَ الرَّبّ جَعَلَتهُ في مَوقِفِ الإِتِّباع لِإِنجيلِ يَسوع.
لَقَد مَضى وراءَ يَسوع الصاعِدِ إِلى أُورَشَليم، لِأَنَّهُ لا يَخشى الأَلَمَ وَالصّليبَ وَالمـوت، فَقَدْ اختَبَرَ القِيامَةَ. لِنَسأَل أَنفُسَنا: هَل إِسمُ يَسوع يُحَرِّكُنا، لِنَقومَ مِنْ رُكودِنا في الخَطيئَة؟ لِمَنْ نُصغي: إِلى حَواسّنا أَمْ إِلى يقينِ الإِيمان الَّذي يُصبِح لَنا بَصيرَةً، فنَرى؟! آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!