تابعونا على صفحاتنا

مقالات

لَيسَ المَقامُ ما يَجعَلُكَ قَريبًا مِنَ الله، بَل المَحَبَّة!

Silhouette of woman hands praying with cross and holding a red heart ball in nature sunrise background, Crucifix, Symbol of Faith. Christian life crisis prayer to god, The concept of loving God. (Silhouette of woman hands praying with cross and hold

كُثُرٌ يَظُنُّونَ أَنَّ رِجالَ الدّين، مِن أَساقِفَةٍ أَو كَهَنَةٍ أَو رُهبانٍ أَو راهِباتٍ، هُمْ أَكثَر قُربَةً مِنَ الله، مِن أَيِّ شَخصٍ آخَر. يَبقى هذا الظَّنْ على مُستَوى الإِفتِراض، وَيَبقى مِقياسُ القُربَة أَو الإِبتِعاد يُحَدِّدُه تَعليمُ الرَّبَّ يَسوع كَجَوابٍ لِلعَقل، أَمَّا على مُستَوى القَلبِ وَالرّوح يَبقى الأَمرُ مَخفِيًّا وَخاصًّا بَينَ اللهَ وَالمـُؤمِن. لَقَد ظَنَّ ابنَي زَبَدى يَعقوبَ وَيوحَنَّا، أَنَّهُما إِذا جَلَسا عَنْ يَمينِ وَعَنْ يَسارِ الرَّبَّ يَسوع في مَجدِهِ، يَكونانِ قَدْ أَصبَحا أَكثَرَ قُربَةً مِنَ اللهِ القُدُّوس. جَوابُ يَسوعَ الغامِضِ نَوعًا ما، وَضَعَهُما في مَوقِفِ السّعي وَالإِجتِهاد القائِمَينِ عَلى التَّواضُعِ في الخِدمَة، وَعَلى المـَحَبَّةِ في العَطاء.
صَحيحٌ أَنَّ ابنَيْ زَبَدى يَعقوبَ وَيوحَنَّا هُما مِنْ جَماعَةِ الرُّسُلِ الإِثنَي عَشَر، وَقَد كانَ لَهُما مَوقِعانِ مُمَيَّزانِ في الجَماعَة. يَعقوبُ كانَ أَوَّلُ رَئيسٍ عَلى كَنيسَة أُورَشَليم، الأُولى بَينَ كُلِّ الكَنائِس. وَيوحَنَّا هوَ التلميذُ الَّذي أَحَبَّهُ الرَّبَّ، وَالَّذي كانَ مَعروفًا بِقُربِهِ مِنْ يَسوعَ وَمَريَمَ أُمِّهِ إِذْ أَخَذَها إِلى بَيتِهِ، بِناءً عَلى وَصِيَّةِ الرَّبّ. هُما مَع بُطرُس شاهَدوا أَقوى المـُعجِزاتِ وَأَكبَرَها، مِن إِحياءِ ابنَةِ يائيرُوس إِلى التّجَلّي على جَبَلِ طابور، إِلى قُربِهِم مِنهُ في لَيلَةِ الجَتسمانِيَّة، وَرُغمَ ذَلِكَ بِجوابِهِ لَهُما عَنْ الجُلوسِ عَنْ يَمينِهِ وَعَنْ يَسارِهِ في المـَجدِ، جَعَلَهُما يَتَفَحَّصانِ وَيُمَيِّزانِ وَيَختَبِرانِ رَغبَةَ قَلبَيهِما، إِن كانَا يَطمعانِ بِمَجدِهِ أَو لِأَنَّهُما يَخشَيانِ المـَوتَ وَالهَلاك، أَو حَقًّا هُما يُحِبَّانِهِ حُبًّا مَجّانِيًّا خالِصًا.
مِن خِلالِ جَوابِ يَسوع عَلَيهِما وَما تَبِعَهُ مِنْ تَفسيرٍ وَتَعليم، نَكتَشِفُ نَحنُ بِدَورِنا أَنَّ دُخولَ المـَلَكوتِ، لَيسَ هوَ بِكَثرَةِ ما نَقومُ بِهِ مِن أَعمالٍ، وَلا هوَ بَعيدًا عَنْ رَغبَتِنا وَإِرادَتِنا، وَلا هوَ جَزاءً وَجائِزَةً عَلى واجِباتٍ قُمنا بِها حَسبُنا أَن نُرضي اللهَ فيها. الغُموضُ الَّذي اعتَمَدَهُ يَسوع بِجَوابِهِ: “الجُلوسُ عَنْ يَميني أو عن شمالي، فَلَيسَ لي أَن أَمنَحَهُ، وَإِنَّما هوَ لِلَّذينَ أُعِدَّ لَهُم”. نَجِدُ أَنَّهُ لَم يُعطِ تَفضيلًا بِهِ لِأَحَدٍ، التَّفضيلُ يُعطى لِمَن يُحِبُّ كَثيرًا وَيَخدُم كَثيرًا، وَيُعطي كَثيرًا وَيُضَحّي كَثيرًا. كُلّ ذَلِكَ لَيسَ مِن أَجلِ بُلوغِ المـَكانِ الأَوَّل، وَكَأَنَّهُ في سِباقٍ أَو صِراع، بَل مِن أَجلِ المـحَبَّة الصادِقَة وَالخالِصَة وَالنَّزيهَة، الَّتي تَرتَضي أَن تَكونَ في آخِرِ مَنزِلَةٍ وَمَوقِعٍ، خادِمَةً لِلجَميع.
في الوَقتِ الَّذي كانَ ابنا زَبَدى يَتَطَلَّعانِ إِلى مَجدِ المـسيح المـُستَقبَلي، حينَها دَعَاهُما لِيَعيشا الحاضِر مُقتَدينَ بِهِ، وَذَلِكَ بِتَجَرُّعِ كَأسِ الأَلَمِ وَالتضحيَة، وَقَبولِ مَعمودِيَّةَ الإِضطِهادِ، وَأَيضًا أَن يَكونوا أَصاغِرَ في وَجهِ أَكابِرِ الأُمَم المـُتَسَلِّطينَ عَلَيها، وَأَن يَكونوا خُدَّامًا بِوَجهِ مَنْ يُريدونَ أَن يُخدَموا جاعِلينَ مِنَ النّاسِ عَبيدًا لَهُم. مِن هُنا، لا يُمكِنُنا أَن نعيشَ إِيمانَنا المـَسيحِ في حالَةِ تَرَقُّبٍ لِلحَياةِ الأَبَدِيَّة، بَلْ عَلَينا أَن نَعيشَ المـَحَبَّة الّتي دَعانا إِلَيها الرَّبّ في صَميمِ عالَمَنا المـُظلِم، حَيثُ الأَلَم وَاللَّاعَدالَة وَالظُّلمِ وَاللّامُبالاة، وَحَيثُ الإِضطِهاد. يَمُدُّنا يَسوعُ بِالرَّجاءِ لِكَيْ نَعيشَ المـَحَبَّة كَفِعلٍ يُقَوِّمُ الشَّرَّ بِصُنعِ الخَير.
ما زالَ العالَم يُمَجِّدُ يَدعو الإِنسانَ لِيَكونَ الأَقوى، وَالأَكبَر، وَالأَعظَم وَالأَغنى، والأَجمَل، وَذا سُلطَةٍ وَجَبروتٍ وَسُلطان، بَينَما يَدعونا يَسوعَ لِنَكونَ بِضُعفِنا أَقوياء بِفِعلِ التَّواضُعِ وَنِعمَةَ الرَّجاء، وَبِأَصغَرِيّتِنا ودَعاء بِفِعلِ الإِيمان، وَبخِدمَتِنا وَصَبرِنا وجِهادِنا الرُّوحيّ شُجعانًا بِفِعلِ المـَحَبَّةِ الَّتي لا تَسقُطُ أَبَدًا. نَحنُ هُنا في مُواجَهَةٍ مُباشَرَة مَع سَلاطين وَرِئاساتِ هذا العالَم، كما قالَ لَنا القدّيس بولُس، وبالتَّالي عَلَينا أَن نَدَعَ الرُّوحَ القُدُس يُصَلّي فينا بِأَنَّاةٍ لا توصَف. عَلَينا أَن نَعتَرِف أَنَّ إِغواءَ روحَ العالَم قَوِيّ، وَنَجِدُ مَنطِقَهُ وَلُغَّتَهُ عَلى أَلسُنِ كُلِّ النّاسِ وَمُنتَشِرٌ في كُلِّ الثقافات. مَنطِقُ المـَسيحُ هوَ مَنطِقُ المـَحَبَّة، الَّتي تَبقى وَحيدَةً في هذا العالَم، مَقرونَةً مَع الحَقّ، لا تُشبِهُ أَحَدًا وَأَحَدَ يُشبِهُها، وَمَنْ كانَت لَهُ، عَرَفَ الفَرَحَ وَالغِبطَة.
إِذًا، مَع إِبنا زَبَدى نَكتَشِفُ أَنَّ المَقاماتِ لا تَعني شَيئًا للمـَسيح، وَالأَكثَر قُربَةً مِنَ الرَّبّ هوَ الأَكبَر بِأَصغَرِيَّتِهِ، وَالأَكبَر بِضِعَتِهِ وَتَواضُعِهِ وَوَداعَتِهِ، وَالأَكثَر عَطاءً بِخِدمَتِهِ، لِأَنَّهُ الأَكبَر بِمَحَبَّتِهِ للهِ وَلِلقَريب. الطُّوبى لِمَنْ يَحيا في المـَحَبّة يَجِدُ المـَسيحَ دائِمًا عَنْ يَمينِه. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!