تابعونا على صفحاتنا

مقالات

الرّغبَةُ الصادِقَة لا تُعرَفُ بالكَلام، بَلْ بِفِعلِ الإِرادَة!

موقع Allah Mahabba الرّغبَةُ الصادِقَة لا تُعرَفُ بالكَلام، بَلْ بِفِعلِ الإِرادَة!

مَلَكوتَك، قلال كتير النّاس لِحِملو صَليبَك”، تُعَبِّر كَلِمات هَذِهِ التَرتيلَة المـَسيحيَّة وَتُلَخِّص واقِعَ عَيش الكَثيرين مِنَ المـَسيحيّين، وَتَمضي بِنا إِلى مِحوَر نَصّ الشّابّ الغَنّي الَّذي نَتَأَمَّلُهُ اليَوم، لَيسَ فَقَط ضِمنَ إِطارِهِ الإنجيليّ، بَل وَأَيضًا انطِلاقًا مِنْ واقِعِنا الإِجتِماعيّ وَالإِنسانيّ، حَيثُ تَسودُ الحُروب وَيَزدادُ فُجورُ الإِنسانِ ظَمَأً وَعَطَشًا لِلمادَّةِ وَلِلمالِ وَللسُّلطَة. مَنطِقُ العالَم اليَوم يَدعونا لِأَن نُريدُ كُلَّ شَيءٍ، وَلَكِنْ دونَ أَن يَكونَ لَدَينا أَيُّ استِعدادٍ لأَنْ نُعطي أَيُّ شَيءٍ. أَلَيسَ هذا تَعبيرًا واضِحًا، عَمّا يَسودُنا مِنْ فَراغٍ وَبُؤسٍ وَلا مَعنىً؟

في وَقتٍ يُسمِعُنا الإِنجيلُ صَوتَ الشّابَ الغَنيّ، يَسأَلْ الرَّبَّ يَسوع عَنْ كَيفِيَّةِ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَن يَرِثَ الحَياةَ الأَبَدِيَّة، نَرى أَنَّ هذا الصّوتَ خَفُتَ وَما عادَ مَسموعًا في مُجتَمَعاتِنا وَلا حَتَّى في كَنائِسِنا وَأَديارِنا، وَما عادَتْ الحَياةُ الأَبَدِيَّة مَشروعًا أَوْ هَدَفًا نَلهَفُ إِلَيهِ وَنُؤمِن بِوجودِه. رُبَّما غَطرَسَتُ عالَم اليَومِ بِما فيهِ مِنْ وَسائِلَ إِغواءٍ، أَقصَتْ مِنْ قاموسِنا الرُّوحيّ، السّعيَ لِبُلوغِ الحَياةِ الأَبَديَّة الَّتي أُعطيناها بِقِيامَةِ يَسوع كَحقيقَةٍ ثابِتَةٍ وَأَكيدَة، مِنها نَستَمِدُّ المـَعنى لِوجودِنا.

يُرينا الإنجيليّ مَرقُس الشابّ الغَنيّ يَجثو أَمامَ الرَّبَّ يَسوع بحالَةٍ مِنَ الخُشوعِ وَالمـَهابَة، وَيَسأُلُهُ بِكَلِماتٍ مُصَلِّيَّة وَبإِعتِرافٍ إِيمانيّ، قائِلًا: “أَيُّها المـُعَلِّمُ الصالِح، ماذا أَعمَل لِأَرِثَ الحَياةَ الأَبَديَّة؟”. هذا ما قَدْ نَراهُ أَيضًا في كَنائِسِنا، وَما قَدْ نَكونُ عَلَيهِ في صَلاتِنا الشّخصِيَّة، إِذْ تَطغا عَلَينا أَشكالُ التَّعُبُّدَ الدينيّ الطّبيعيّ، دونَ أَن تَبلُغَ إِلى قُلوبِنا. تُصبِحُ صَلاتُنا تَردادًا وَتَكرارًا لِكَلِماتٍ جَميلَةٍ وَرائِعَة، وَلِأَفكارٍ مُنيرَة، فَنَنطِقُ بِالحَقِّ الإِيمانيّ على شِفاهِنا، وَلَكِنَّ قَلبُنا بَعيدًا عَنْها.

يُرينا الإنجيلي مَرقُس أَنَّ الشَّابَّ الغَنيّ، على الرُّغمِ مِنْ وَفرَةِ غِناه، لَكِنَّهُ كانَ تَقِيًّا، إِلى حَدٍّ قَدْ حَفِظَ الوَصايا كُلُّها، مُنذُ صِباه. أَيْ مِنَ اليَومِ الَّذي بِهِ تَسَلَّمَ التَّوراة، وهوَ في سِنِّ الثانِيَةَ عَشَر، يَومَ دُعِيَ “إِبنُ الشّريعَة” أَو “الوَصِيَّة” وَفقًا للتَّقليدِ اليَهوديّ. أَلَيسَ هذا الشّابُّ الغَنيّ نَموذَجٌ عَنْ الإِنسانِ المـُبارَك بِحَسَبِ تَوصيف الإِيمانِ اليَهوديّ انطِلاقًا مِنَ الكِتاب المـُقَدَّس؟ رُغمَ هذا كُلِّهِ، وَبَعدَما أَبدى يَسوعُ لَهُ مَحَبَّةً وَاهتِمامًا، قالَ لَهُ: “واحِدَةٌ تَنقُصُكَ: اذهَب فَبِع ما تَملِك وأَعطِهِ للفُقَراء، فَيَكونَ لَكَ كَنزٌ في السّماءِ، وَتعالَ فاتبَعني”.

إِنطِلاقًا مِن دَعوَةِ يَسوع للشّابّ الغَنيّ، نَكتَشِفُ أَمرَين: الأَوَّل أَنَّ ميراثَ الحَياةِ الأَبَدِيَّة، لَيسَ مَنوطًا بِأَن أَكونَ أَخلاقِيًّا وَإِنسانِيًّا، وَحافِظًا لِلوَصايا، وَحَسِب. ثانِيًا، ميراثَ الحَياةِ الأَبَدِيَّة، يَتَطَلَّبُ تَعبيرًا إِيمانِيًّا صادِقًا بِالمـَوقِفِ وَالفِعل، وَهُنا أُعَبِّرُ عَنْ رَغبَةِ الحَقيقيّة، بَعدَما أُدرِكُ العائِق الَّذي يَفصِلُني عَنْهُ، وَأَسعى إِلى إِزالَتِهِ. هُنا نَرى الشّابَ الغَنيّ يَمضي حَزينًا وَمُغتَمًّا لِتَعَلُّقِهِ الشّديد بِمالِهِ، وَرُبَّما أَمضي أَنا أَيضًا لِتَعَلُّقي بِأَمرٍ خاصٍّ يَعنيني، وَأُفَضِّلُهُ عَلى الرَّبَّ يَسوع.

لَقَد قَلَبَ يَسوع مَقاييسِ المُعتَقَد اليَهوديّ، لِمَفهومِ البَرَكَة، وَجَعَلَها مُتَّصِلَةً بِأَمرَين: الأَوَّل، اللهُ يَمنَح بَرَكَتَهُ للجَميع من دونِ أَيِّ شَرطٍ أَو قَيد لِأَنَّهُ المـَحَبَّة، فَلَيسَت مُتَّصِلَة بِالغِنى وَالمال والصّحة. ثانِيًا، نَحنُ نَختَبِرُ هَذِهِ البَرَكَة، عِندَما نُؤمِن بِمَحَبَّتِهِ المَجَّانِيَّة وَنَتَجاوَب مَع دَعوَتِهِ لَنا، فَلا نَسعى لِنَكونَ صالِحينَ مِنْ أَجلِ تَجميلِ صورَتِنا بِالمـُجتَمَع، وَلا مِنْ أَجلِ الآخَرينَ لِيَقولوا عَنَّا أَنَّنا أَتقِياء، بَل لِأَنَّنا عَرَفنا مَحَبَّةَ اللهِ لَنا. هَذِهِ المَحَبَّة هيَ الَّتي تُحَرِّرُنا مِنْ قُيودِ المادَّةِ وَالمالّ والسُّلطَة، لِنَكونَ حَقًّا أَبناءً للهِ بِالرُّوحِ وَالحَقّ. دَعوَةُ يَسوع للشَّابّ الغَنيّ، تُختَصَر بِتَعبيرِ مَحَبَّتِهِ لِصَلاحِ اللهِ وجودَتِهِ مِنْ خِلالِ مَحَبَّةِ القَريبِ، عِندَما يُحِبُّهُم كَما يُحِبُّ نَفسَهُ، فَيُقاسِمَهُم مالَهُ، لِأَنَّهُ قَد اغتَنى بِنِعمَةِ اللهِ وَمَحَبَّتِهِ وَفَرَحِه. أَخيرًا لِنَتَأَمَّل بِقَول القدّيسة تريزيا الأَفيليَّة: “نَفسي لا تَخافي، نَفسي لا تَضطَرب، مَنْ لَهُ يَسوع، لَهُ كُلُّ شَيء”. مِمَّن آخُذُ ضَماناتِ حَياتي، مِنَ اللهِ أَم مِن سِواه؟ آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!