تابعونا على صفحاتنا

مقالات

أَصبَحَ يسوع مَحَطَّ أَنظارِ الجَميع، لِأَنَّهُم مَحَّطَّ نَظَرِهِ دائِمًا!

كُلُّنا نُفَضِّلُ الهروبَ مِنَ العَمَلِ إِلى الإِستِجمام، وَمِنَ الزحمَةِ إِلى الخلوَة، ذَلِكَ لِأَنَّ كَثرَةَ العَمَلِ تُرهِقُنا، وَضَجيجُ النَّاسِ يُوَتِّرُنا. لِكَي نَنمو وَننضَج بِشَكلٍ جَيّدٍ، نَحنُ بحاجَةٍ إِلى الإِعتِدالِ في حَياتِنا، بِحاجَةٍ لِأَن نَختَبِرَ الرَّاحَةَ في العَمَل وَالهُدوءَ في ضَجيجِ العالَم. هذا الأَمر يَتَطَلَّبُ اختِبارَ النِّعمَةَ الإِلهيَّة قَبلَ أَيّ شَيءٍ آخَر.

يُرينا الإِنجيل كَيفَ كانَ يَسوع يَمضي بِتَلاميذِهِ إِلى العزلَة لِكَيْ يَجِدوا راحَتَهُمْ في تَعليمِهِ، بَينَما هوَ نَفسُهُ لا يُجيدُ الرَّاحَةَ في العِزلَة لأَنَّ النَّاسَ كانَت تَتبَعْهُ حَتَّى إِلى القَفرِ وَإِلى البَرّيَّة. لَم يَبقَ لَهُ إِلَّا ساعاتِ اللَّيل لِكَي يُناجي الآبَ السَّماويّ في الصّلاةِ الحارَّة. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا نرى يَسوع يَجِدُ راحَتَهُ في خِدمَةِ النَّاسِ المـُتَأَلِّمَة، وَيُجيدُ السَّمَعَ إِلَيهِم جَيِّدًا رُغمَ الضّجيجِ وَالزَّحمَة. يَدفَعُنا هذا الأَمر لِكَي نَبحَثَ عَنْ تَمايُز شَخصِيَّتِهِ العَطوفَة، وَوَحدَةَ قَلبِهِ المـُتَّحِدِ بِالآبِ وَالمـُصغي إِلى كُلِّ إِنسان.

يُخبِرنا الإِنجيليّ مَرقُس أَنَّ يَسوع عِندَما كانَ يَرى الجُموعَ تَتبَعُهُ وَتُطالِبِ بِهِ، لَمْ يَتَكابَر، وَلَمْ يَرفُض لَها طَلَبًا، بَلْ كانَ يَمضي إِلَيها بِكُلِّ تَواضُعٍ وَسَخاءٍ في الخِدمَة. يُبَيِّنُ لَنا مَرقُس الدَّافِع لِهَذا النَّشاط، وهوَ أَنَّ يَسوع كانَت تَتَحَرَّك أَحشاؤهُ، بشُعورٍ مِنَ العاطِفَة وَالشّفَقَة وَالمَحَبَّة وَالرَّحمَة وَالحَنان، تُجاهَ مَنْ يَلتَقيهِم. ميزَةُ شَخصِيَّة يَسوع أَنَّهُ يُصغي إِلى صَميمِ قُلوبِنا، وَيرى في وجوهِنا وَرَمَقاتِ عُيونِنا، ما لم نَبلُغ إِلَيهِ بَعد بمَعرِفَةِ نُفوسِنا. يَرانا بِقُوَّتِنا وَبِضَعفِنا. يَعرِفُ جَيّدًا حاجاتَنا، وَجِراحنا الدّاخليّة وَنَقصَنا. لَيسَ هذا وَحَسب، إِنَّما يُريدُ أَنْ يُحَرِّرَنا وَيَشفينا، لَيسَ بِعِلاجٍ وَوَصفَةٍ خارِجِيَّة، بَلْ بِإِعطاءِ شَخصِهِ لَنا، مِنْ خِلالِ حُضورِهِ وَإِصغائِهِ وَتَواضُعِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَخِدمَتِهِ لَنا.

مَنْ يَرى في شَخصِيَّةِ يَسوع هذا التَّمايُز بِالفَضيلَة، وَهذا العَطف الإِنسانيّ، يُعطى لَهُ مُفتاحَ الصّلاةِ القَلبِيَّة، فَلا يَرضى إِلّا أَن يَبقى بِرِفقَةِ يَسوع. كُلُّ شَخصٍ مِنَّا يَحتاجُ لِأَحَدٍ يَفهَمُهُ، لِأَحَدٍ يُصغي لَهُ، لِأَحَدٍ يَقبَلُهُ بِضُعفِهِ وَكَأَنَّهُ في ذُروَةِ قُوَّتِهِ، كُلُّنا نَحتاجُ إِلى يَسوع الرَّاعي الصّالِح الَّذي يَبذِلُ نَفسَهُ في سَبيلِ كُلِّ واحِدٍ مِنَّا.

مِن هُنا نَفهَم لِماذا قالَ لَنا الإِنجيليّ مَرقُس: “لَمَّا نَزَلَ (يَسوع) إِلى البَرِّ رَأى جَمعًا كَثيرًا، فَأَخَذَتهُ الشّفقَةُ عَلَيهِم، لِأَنَّهُم كانوا كَغَنَمٍ لا راعيَ لَه، فَأَخَذَ يُعَلِّمُهُم أَشياءَ كَثيرَة” (6: 34). مِن مُمَيِّزاتِ الرَّاعي أَنَّهُ يَقودُ القَطيعَ إِلى المـَراعي الأَفضَلِ لَها. قِيادَتَهُ لِقَطيعِهِ تَنطَلِقُ مِن مَعرِفَتِهِ الخاصَّة لِحاجاتِها، وَلَيسَ لِأَطماعِ أَنانِيَّتِه. هوَ يَضَعُ مَصلَحَةَ القَطيع أَوَّلًا. لَقَد عَرَفَ إِسرائيلُ اللهَ بِوَجهِ الرَّاعي الصّالِح، وَمِن جَديدٍ تَتَجَلَّى هَذِهِ الصّورَة بأَبهى حُلَلِها في وَجهِ يَسوع الإِنسان الَّذي يَعطف وَيَشفِق وَيُصغي وَيُجيب بِرَحمَةٍ وَمَحَبَّة. صَحيحٌ أَنَّ الأَناجيل تُقَدِّمُ لَنا يَسوع عَلى أَنَّهُ مُعَلِّمٌ في إِسرائيل، انطِلاقًا مِن شَخصِيَّتِهِ كَقائِدٍ وَراعٍ يُحِبّ شَعبَهُ وَرَعِيَّتَهُ قَبلَ أَيِّ شَيءٍ آخَر.

إِنَّ مَدارِس وَمَعاهِد وَجامِعات العالَم تُعَلِّمُ فَنَّ القِيادَة على المـُستَوى النَّظَريّ، لِكَنَّها تَفتَقِدُ لِروحِ القائِدِ الحَقيقيّ وَهوَ الرَّبَّ يَسوع. لو تَعَلَّمَ قادَةُ العالَم السّياسيّونُ وَالرُّوحِيّون وَالإِقتِصادِيّون وَسِواهُم فَنَّ القِيادَة مِنَ الرَّبَّ يَسوع، لَما كانَ هُناكَ حُروبٌ وَجوعٌ وَفَقرٌ في العالَم. كُلُّ شَخصٍ مِنَّا مَدعُوٌّ لِكَي يَتَعَلَّم مِنْ يَسوع. الجُموعُ أَصغَت إِلى جوعِها، وَرأَت في يَسوع شَبَعَها فَذَهَبَت إِلَيه. نَحنُ أَيضًا عِندَما نُصغي إِلى ما فينا مِن نَقصٍ عَلَينا أَن نَذهَبَ إِلى مَن يَستَطيعُ أَن يَملأَنا بِحَنانِهِ وَمَحَبَّتَهِ، وَهوَ الرَّبَّ يَسوع. عِندَما نَختَبِرُ مَحَبَّة يَسوع لَنا، تثبُتُ ثِقَتَنا فيهِ، وَنَجِدُ راحَتَنا في لِقائِهِ المـُستَمِرّ مَعنا في صَميمِ القَلب، عِندَئِذٍ نُشفى مِن جِراحِنا، فَنَستَطيعَ الإِصغاءَ لِمَنْ كُنّا نَهربُ مِنْ وجوهِهِم وَمن لَجاجَةِ طَلباتِهِم الكثيرَة، آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!