تابعونا على صفحاتنا

مقالات

يَسوع النَجّارُ ابنُ مَريَم، هوَ مَسيحُ الله!

بَعدَ أَن اعتَمَدَ يَسوعُ في نَهرِ الأُردُن على يَدِ يوحَنّا المَعمَدان، وَعِندَما انطَلَقَ في رِسالَتِهِ مُعلِنًا المـَلَكوت، أَتى إِلى النّاصِرَةِ حَيثُ تَرَعرَعَ، حَيثُ امتَهَنَ عَمَلَ والِدِهِ يوسُف حَتّى باتَ يُعرَف بِالنَّجار، وَعُرِفَ أَيضًا بابنِ مَريَم. لِهذا التَّعريفِ بُعدَين وَفقًا لِلتّقاليدِ اليَهودِيَّة، أَوَّلًا يَدُلُّ وَيُؤَكِّدُ أَنَّهُ وَحيدَ أُمِّهِ، وَلَيسَ لَها أَبناءٌ سِواهُ، وَلَيسَ لَهُ مِنْها أَيُّ إِخوَة. ثانِيًا يَدُلُّ عَلى نَوعٍ مِنَ التَنَمُّر وَالإِهانَة، إِذ لا يُعطى كِنيَةَ والِدِهِ، بَلْ والِدَتُهُ.

هذا التعريف مُهِمٌّ جِدًّا بالنّسبَةِ لَنا، لِأَنَّهُ يُعَرِّفُنا على وَجهِ يَسوع الإِنسان التّاريخيّ ضُمنَ بيئَتِهِ العائِلِيَّة وَيَكشِف لَنا جِزءًا عَنْ حَياتِهِ الخَفِيَّة في النَّاصِرَة. لَقَد عُرِفَ بالنَّجار دَلالَةً عَلى أَنَّهُ تَعَلَّمَ النَّجارَة وَساعَدَ القِدّيس يوسُف النَّجار طَوالَ حَياتِهِ الخَفِيَّةِ في النَّاصِرَة مُدَّةَ ثلاثينَ سَنَة. عُرِفَ بِابنِ مَريَم دَلالَةً عَلى رِعايَتِها الخاصَّةَ بِهِ وَعلى شِدَّةِ تَعَلُّقِهِ بِها، وفي هذا تَأكيد أَنَّ لَيسَ لِمَريَم أَبناء غَيرَ يَسوع. لَكِنْ ما يُثيرُ الشَّكَّ وَالتَساؤُل قَولَ النَّاس عَنُه أَنَّهُ أَخو يَعقوبَ وَيوسى وَيهوذا وَسِمعان؟ فَهل هُمْ إِخوَتُهُ مِنْ ناحيَة القدّيس يوسُف؟ فَما نَعرِفُهُ عَنهُ أَنَّهُ لَم يَكُنْ مُتَزَوِّجًا قَبلًا وَلَم يَكُنْ لَدَيهِ أبناءَ سِوى يَسوع، وَإِلَّا لَكانوا ذَهَبوا مَعَهُ إِلى بَيتَ لَحمَ يَومَ الإِكتِتاب. وَلَما كانَ الإِنجيليّ مَرقُس شَدَّدَ عَلى أَنَّ يَسوع ابنُ مَريَم، وَبالتَّالي لَيسَ لَها مِن أَبناءٍ مِنْ بَعدِه.

يُشيرُ لَنا الإِنجيليّ يوحَنَّا أَنَّ مَريَمَ أُختُ أُمّ يَسوع أَي تَقرُبُها، وَهيَ إمرَأَةُ كَلوبا أَو حَلفى وَالتّي كانَت هيَ أَيضًا واقِفَةً عِندَ الصّليب، هي أُمُّ يَعقوب الصّغير، أَي ابنُ حَلفى وَإِخوَتُهُ هُم سِمعان وَيوسي أَي يوسف وَيَهوذا. الخُلاصَة أَنَّ مَنْ نُسِبَ إِلَيهِم صِفَة الإِخوَة لِيَسوع، هُمْ أَقارِبَهُ لِكَون أُمِّهِم قَريبَةً لِمَريَم العَذراء. الجديرُ بِالذّكرِ هُنا أَنَّ تَعبير “أَخ” في الكِتابِ المـُقَدَّس وَفي التَّقليد اليَهوديّ لا يَعني فَقَط “الشّقيق” مولود الرَّحِمِ نَفسِه، بَل كُلّ مَن لَهُ صِلَة دَمويَّة في القُربَة، وَيَعني أَيضًا الصّلَة الدينيّة وَالعرقيّة. في أَيَّامِ يَسوع لم يَكُن هُناك مِن إِستِخدامٍ لُغَويّ لِلتَّمييزِ بَينِ الأَقارِب، مِثلَ تعابير: إِبن الخال وَإِبن العَمَّة… .

مَعَ بَدءِ وانطِلاقَةِ رِسالَتِهِ العَلانِيَّة، أَثار الرَّبُّ يَسوع النَّجّار وَابنُ مَريَم جَدَلًا وَتَساؤلًا كَبيرًا، حَولَ النِّعمَة وَالسُّلطان الَّذينَ يَكشِفونَ رُوَيدًا رُوَيدًا هُوِيَّتَهُ المـَسيحانِيَّة. مِن خِلال إِشارَةِ الجُموع إِلى نَسَبِ يَسوع وَإِلى تَسمِيَةِ أَقارِبِه، يُؤَكِّدونَ لَنا أَنَّ ما لَدَيهِ مِن نِعمَة وَسُلطان لَيسا عَطِيَّةً مِنْ ناحِيَةِ النَّسَبِ أَو الجَسَد، وَهَكذا يَشهَدونَ لَنا مِنْ دونِ أَن يَدروا أَنَّهُ الإِبنُ الحَبيب مَرضاةُ الآبِ، الَّذي أَعلَنَهُ كَرَبٍّ وَمَسيحٍ وَمُخَلِّصٍ في العِمادِ على يَدِ يوحَنَّا في نَهرِ الأُردُن. مِن هُنا تُصبِح رِسالَة الإِنجيل واضِحَةٌ لَنا، لَيسَ للتوَقُّفِ أَمامِ طَرح التَساؤلات وَالشكوك حَولَ بَتولِيَّة مَريَمُ العَذراء، أَو إِن كانَ لِيَسوع إِخوَة وَأَخَوات، بَل تَأكيدًا عَلى أَنَّهُ المـَسيح المـُنتَظَر، وَبِهِ نلِنا نِعمَةً فَوقَ نِعمَة.

لَقَد مَضى يَسوعُ في بَدءِ رِسالَتِهِ إِلى خاصَّتِهِ وَإِلى أَهلِ بَيتِهِ، فَلَم يُقبَل مِنْهُم، تَمامًا مِثلَما أَرَسَلَ اللهُ أَوَّلًا الأَنبِياءَ إِلى شَعبِهِ وَاضطَهَدوهُم. إِنَّ مَوقِفَ الرَّفضِ الَّذي تَعَرَّضَ لَهُ يَسوع يَدعونا إِلى التَّأَمُّلِ في أَبعادِ هَذِهِ التَّجرِبَة وَأَسبابِها الَّتي قَدْ تَطال كُلَّ شَخصٍ مِنَّا، وَالّتي قَد تَمنَعُنا مِنْ قبول حضورَ الرَّبِّ في حَياتِنا.

رَفَضَ أَهلُ النَّاصِرَة أَن يَقبَلوا يَسوعَ كَرَبٍّ وَمَسيحٍ وَحتَّى كَرَجُلٍ حَكيمٍ وَقَدير وَمُعَلِّم، لِأَنَّهُمْ لَم يَقبَلوا أَنْ يكونَ هوَ نَفسُهُ الَّذي عَرَفوهُ بِبَساطَتِهِ وَتَواضُعِه. كُثُرٌ يَرفضونَ اللهَ أَن يَكونَ حَيًّا وَحاضِرًا في إِنسانِيَّتِنا الضّعيفَة وَالهَشَّة، لِأنَّهُم يُنَزِّهونَهُ على كُلِّ شَيءٍ، وَيَجعَلونَهُ في قُبَّةِ السَّمواتِ فَيُصبِح بَعيدًا جِدًّا عَنَّا. مَع يَسوع قَد عَرَفناهُ أَنَّهُ هوَ المـَحَبَّة الَّذي يَتَّضِع وَيَنحَني عَلى ضُعفِنا. نَحنُ أَيضًا بِكَثيرٍ مِنَ المَرَّات نَرفُض أَن تَأتينا النِّعمَةَ مِنْ خِلالِ أَحدٍ ما نَعرِفُهُ بِضُعفِهِ وَمَحدودِيَّتِهِ وَخَطيئَتِهِ. نَحنُ أَيضًا بِكَثيرٍ مِنَ المـَرَّات نَرفُض الإِيمانَ بِأَنَّ الرَّبَّ قادِرٌ أَن يَعمَلَ في ضُعفِنا وَيُقَدِّسَنا. هذا النَّوع مِنَ الرَّفض يَدُلُّ على رَذيلَةِ الكِبرِياءِ وَالأَنانِيَّة، الَّتي تَجعَلُنا مِنْ جِهَةٍ نَتَمَحوَرُ حَولَ أَنفُسِنا فَنُسجَنَ في عالَمِنا الخاصّ، وَمِن جِهَةٍ ثانِيَة تَمنَعُنا مِنْ قَبولِ عَطِيَّةَ التوبَة وَالخَلاص، فَنُصبِح مُتَمَرِّدينَ عَلى الخَير. مُلفِتٌ جِدًّا أَنَّ الَّذينَ قَبِلوهُ كَرَبٍّ وَمَسيحٍ كانوا المـَساكين وَالمـَرضى. هَؤلاءِ المـُتَواضِعينَ الّذينَ أَقَرّوا بِما فيهِم مِن ضُعفٍ وَنَقصٍ وَخَطيئَة، وَجَدوا فيهِ الشّفاءَ وَالخَلاص. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا تَتَجَلَّى قُدرَةُ المـَسيحِ فينا، عَلى قَدَرِ مَعرِفَتِنا لِحَقيقَةِ أَنفُسِنا الضّعيفَة الَّتي تَحتاجُ لِلَمسَةٍ مِنْ يَسوع، وَبِالتَّالي نَحنُ مَدعُوّونَ أَوَّلًا لِأَنْ نَتَواضَع وَأَلَّا نَضَعَ أَحكامًا وَشُروطًا مُسبَقَة عَلى عَمَلِهِ في حَياتِنا، آمين

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!