تابعونا على صفحاتنا

مقالات

اللّقاءُ بِالمـَسيح يَعني إِمَّا أَلمُسَهُ أَو يَلمُسَني!

تُطالِبُنا طَبيعَتُنا البَشَرِيَّة بِلَمسِ الأَشياء لِنَتَأَكَّدَ مِنها، وَذَلِكَ تَلبِيَةً لِرَغبَةِ القَلب الّذي يُريدُ أَن يَعرِفَ وَيَختَبِر وَيَختَزِن. إِنَّ حاسَّةَ اللَّمسِ تَعني المـَعرِفَة عَلى المـُستَوى الجَسَديّ وَالمـَلموس. كَيفَ لَنا أَن نَعرِفَ المـَسيحَ عَلى مُستوى اللَّمسِ مِثلَما عَرَفَتْهُ المـَرأَة المـَنزوفَة، وَطليتا ابنَةَ يائيرُس رئيس المـَجمَع؟ حَدَثُ تجَسُّد الكَلِمَة تَحَقَّقَ في التاريخ مُنذُ أَكثَر مِن أَلفَي سَنَة، كَيفَ لَنا نَحنُ اليَوم أَن نَعيشَ خِبرَةَ اللّقاءِ هذا المـَليء بِالشعور وَالإدراك؟

نَسمَعُ الإِنجيل يُخبِرُنا عَنْ شِفاء المـَرأَة الّتي كانَت تَنزُف لِأَكثَر مِنْ إِثنَتَي عَشَرَ سَنَة، ذَلِكَ لِأَنَّها آمَنَت أَوَّلًا بِأَنَّهُ يَكفيها أَن تَلمُسَ هُدبَ رِداءِ المـَسيح، حَتَّى وَإِن لَم تَستَطِع التَّكَلُّمَ مَعَهُ وَجهًا لِوَجهٍ. فَهيَ لَم تَرغَب بِلَمسِ جَسَدِهِ، إِنَّما ثَوبَهُ فَقَط. بِتَعبيرٍ آخَر أَرادَت أَن تَأخُذَ بَرَكَةً مِنْ ذَخيرَةِ ثَوبِهِ المـُقَدَّس. من جِهَةٍ ثانِيَة نَرى يَسوع يَأخُذ بِيَدِ إِبنَةِ يائيرُس المـُتَوفّاة حَديثًا، وَيَدعوها إِلى الحَياة تَلبِيَةً لِطَلَبِ والِدِها. وَعِندَما أَخَذَ يَسوعُ بِيَدِها، لَمْ تَشعُر بِهِ لِأنَّها كانَت مَيتَة، وَلَكِنْ بِفَضلِ كَلِمَتِهِ وَجَدَتْ نَفسَها بَينَ يَدَيهِ حَيَّةً مِن جَديد.

 كِلا الأُعجوبَتانِ يُظهِرانِ لَنا أَنَّ قُوَّةَ تِلكَ اللَّمسَة المـُقَدَّسَة والشافِيَة، وَالَّتي تَبقى بِشَكلٍ ما مُبهَمَة وَسرّيَّة. إِنطِلاقًا مِن هُنا نَستَطيعُ أَن نَفهَم أَنَّ الرِّسالَة الّتي يُريدُ أَن يُبَلِّغَها لَنا الإِنجيل، هيَ أَنَّنا باستِطاعَتِنا أَن نَلمُسَ المـَسيح وَأَن يَلمُسَنا هوَ مِن مُنطَلَقِ تَجَسُّدِه، وَعَلى أَساسِ قِيامَتِهِ وَحُضورِهِ الدَّائِمِ مَعَنا اليوم بِطَريقَةٍ روحِيَّةٍ وَسِرّيَّة. هوَ الحاضِرُ مَعَنا بِكَلِمَتِهِ وَفي القُربانِ الأَقدَس.

 يُخبِرنا الإِنجيل أَنَّهُ عِندَما لَمَسَت المـَرأَةُ المـَنزوفَة هُدبَ رداءَ المـَسيح، حَصَلَ أَمرَينِ في الوَقت نَفسِه: شُفِيَت تَمامًا مِنْ مَرَضِها المـُزمِن، وَقُوَّةٌ عَظيمَةٌ خَرَجَت مِنَ الرَّبَّ يَسوع. يُشَبَّهُ رِداءُ المـَسيح هُنا بِتابوتِ العَهد الَّذي يَحفَظُ وصايا الله. وَقَد كانَ مِنْ عادَةِ الرابّيين وَمُعَلّمي الشّريعَة في أَيّامِ يَسوع أَن يَلبَسوا ثَوبًا مُطَرّزًا على أَطرافِهِ بِآياتٍ مِنَ التّوراةِ المـُقَدَّسَة، لِأَنَّهُم يَحفَظونَ شَريعَةَ الله. نَحنُ اليَوم نَستَطيع أَن نَلمُسَ كَلِمَةَ المـَسيح وَأَن نَسمَعَها مِنْ خِلالِ الإِنجيلِ المـُقَدَّس لِتَأخُذَ مَكانًا في قُلوبِنا. نَستَطيعُ أَيضًا أَن نَلمُسَهُ وَأَن نَدَعهُ يَلمُسُنا مِن خِلالِ حُضورِهِ في القُربانِ الأَقدَس؛ إِنَّهُ الكَلِمَة المـُتَجَسِّد الفادي وَالحَيّ وَالمـُمَجَّد. حقًّا نَحنُ بِأَمَسِّ الحاجَة اليوم، لِإِيمانِ تِلكَ المـَرأَة الّتي لَمَسَت هُدبَ رِدائِه، بخاصَّةٍ عِندَما نَأَتي إِلى القُدّاس وَإِلى التَّناوُلِ وَإِلى ساعاتِ السجود وَالعِبادَة.

ما تُعَلِّمُنا إِيَّاهُ تِلكَ المـَرأَة العَظيمَة بِالإِيمان، أَلَّا نَتَوَقَّف أَمامَ زَحمَةِ الجُموع، وَأَلَّا نُصغي إِلى ضَجيجِها، بَل إِلى نِعمَةِ الإِيمانِ الَّذي يَشُدُّنا إِلى الرَّبّ يَسوع. تُعَلِّمُنا أَن نَكونَ واثِقين وَمُتَيَقِّنينَ أَنَّهُ قادِرٌ عَلى شِفائِنا وَعلى أَن يُجيبَ عَلى أَعمَقِ حاجاتِنا وَرَغباتِنا. لَقَد صَمَّمت على لَمسِ هُدبَ رِدائِهِ، فَانحَنَت إِلى الأَرضِ ساجِدَةً كَي تَستَطيعَ بُلوغَ مَرامِها. هُنا تُعطينا مُفتاحَ الصّلاةِ الحقيقيَّة وَأَنَّ أَنَّ التماسَ الرَّبَّ يَقومُ أَوَّلًا عَلى الإِيمانِ المـَقرون بِالتَّواضُع وَمَعرِفَةِ الذّاتِ أَمامَ حُضورهِ. إِذًا لِكَيْ نَستَطيعَ أَن نَلمُسَ المـَسيح عَلَينا أَن نَتَحَلّا بِإِيمانٍ ثابِتٍ وَمُستَقيم، وَأَن تَكونَ قُلوبُنا فَقيرَةً وَمُتواضِعَةً وَمُنسَحِقَة. عَلَينا أَلَّا نُصغي إِلى ضَجيجِ العالَم المـُزدَحِم في أَفكارِنا وَقُلوبِنا وَمِن حَولَنا، بَل عَلَينا أَن نَتَطَلَّع دائِمًا إِلى حَضورِ المـَسيح، وَنَمضي إِلَيهِ قُدُمًا؛ هذا ما نَعني بِهِ الحِشمَةَ والصمّت في الكَنيسَة.

لا يوجَد مِن مِسافَةٍ أَو أَيّ فاصِلٍ بَينَ لَمسَة المـَرأَة المـَنزوفَة لِثَوب المـَسيح وَالقُوَّة الَّتي خَرَجَت مِنْهُ وَالشِّفاءَ الَّذي نالَتهُ وَالكَلِمَة الَّتي أَعلَنها. إِنَّ سُرعَة هَذِهِ الحَرَكَة وَاتِّصالِها بِبَعضِها البَعض يُبَيِّنانِ لَنا أَمرانِ مُهِمّانِ جِدًّا: أَوَّلًا الرَّبُّ دائِمًا هوَ في حالَةِ إِنصاتٍ إِلى قَلبِهِ العَطشانِ إِلى لَمسَةِ إِيمانٍ مِنَّا. قَلبُهُ دائِمًا يَتَحَسَّسُ إِلتِماسَنا لَهُ. ثانِيًا، الرَّبُّ دائِمًا يُعطينا ما نَسأَلُهُ مَتى كانَ حَقيقيًّا وَصادِقًا، وَمَقرونًا بِالإِيمانِ وَالتَّواضُع، وهذا كَثيرًا ما يَنقُصُنا، وَما عَلَينا أَن نَطلُبَهُ بِصَلاتِنا أَوَّلًا لِكَيْ نَشعُرَ بِلَمسَةِ المـَسيحِ وَشِفائِهِ لَنا. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!