تابعونا على صفحاتنا

مقالات

نِعمَةُ التجارِب مَدخَلٌ لاختِبارِ الإِيمان!

لا تُخِبرنا الأَناجيل عَنْ مُعجِزاتِ الرَّبَّ يَسوع فَقَط مَع الإِنسان، وَلَكِنْ أَيضًا تُظهِر لَنا سُلطَتَهُ عَلى الرّياحِ وَعَلى البَحر، وَكُلُّ ذَلِكَ بِكَلِمَةٍ واحِدَةٍ مِنْهُ يُسكِتُها، وَيَجعَلُها تَهدَأ. هُنا نَكتَشِفُ سُلطانَهُ الإِلَهيّ، لا على الإِنسانِ وَحَسب، بَل عَلى الخَليقَةِ أَيضًا، وَبالتالي نُصبِحُ مَدعُوّينَ لِلإِيمانِ بِهِ على أَنَّهُ الكَلِمَة الخالِق.

إِذا أَرَدنا التأَمُّلَ في مُجرَياتِ هَذِهِ المـُعجِزَة بِحَسبِ الإِنجيلِي مَرقُس، نَكتَشِفُ عُنصُرَينِ مُتَمايِزَين: الأَوَّل أَنَّ السّفينَة كادَت تَمتَلِئ بِالماءِ وَتَغَرق بِسَبَبِ قُوَّةِ الريّاحِ وَالأَمواج، وَالّتي تُمَثِّل التّجارِب وَقِوى الشّرّ. الثاني، أَنَّ يَسوع كانَ في مُؤَخِّرَةِ السّفينَةِ نائِمًا على الوِسادَة، بَينَما التَّلاميذُ في حالَةٍ مِنَ الخَوفِ وَالهَلَع بِسَبَبِ قُوّة العاصِفَة.

العُنصُر الأَوَّل، يَظهَر بِشَكلٍ مُفاجِئ وَغَير مُتَوَقَّع. يَتَخَطَّى كُلّ الضَمانات وَالتأمينات الَّتي باستِطاعَةِ الإِنسان أَن يَضَعَها لِحَياتِهِ، فَيُشَكِّل خَطَرًا وَتَهديدًا مُباشَرًا لَه. مَنْ يَتَتَبَّع مُجرَياتِ الأَحداث وَالحُروب وَالمـَشاكِل الّتي تَحدُث في العالَم وَفي الحَياةِ اليَومِيَّة، يَأخُذُ العِبرَة أَنَّنا مَهما حاوَلَنا أَن نَضَع ضَماناتِ لِحَياتِنا، فَهيَ لَيسَت بِمُستَطاعِنا بِشَكلٍ مُطلَق. رُبَّما حادِثُ سَيرٍ يُودي بِحَياتِنا، أَو قَد يَفتُكُ بِنا المـَرض، إِلَخ… . وَحدَهُ الله يَضَمن حَياتَنا، وَيُنَجِّينا مِنْ قِوى الشّرّ، وَمِنهُ وَحدَهُ نَأخذُ السّلامَ لِقُلوبِنا، وَالخَلاصَ لِنُفوسِنا، وَالرّجاءَ لِحَياةٍ أَبَدِيَّةٍ مَعَهُ.

العُنصُرُ الثّاني، يُظهِر لَنا حُضورَ المـَسيح في قَلبِ العاصِفَة، عَلى أَنَّهُ غَيرَ مُبالٍ بِمَا يَحدُثُ للسَّفينَة، وَلا لِلخَطَر الَّذي يُهَدّد تَلاميذَهُ الَّذينَ تَقَع مَسؤولِيَّةَ حَياتِهِم عَلَيهِ لِأَنَّهُم تَبِعوه. نَرى يَسوع غَيرَ مُكتَرِثٍ للعاصِفَة، إِنَّما يَتَوَقَّف عِنْدَ طَلَبِ التّلاميذ مِنهُ الخَلاص، وَعِندَ خَوفِهِم مِنَ المـوت. نَحنُ أَيضًا عِندَما نَدخُلُ في مُعتَرَكِ التَّجارِب وَالصّعوبات، نُصبِحُ كُلُّنا إِنصاتًا لِلمـُصيبَة الَّتي نُواجِهُها، فَنَظَنُّ أَنَّها أَقوى مِنَّا. نَحنُ أَيضًا مِثلَ التلاميذِ قَدْ نَلجَأ إِلى الرَّبّ أَو إِلى القدّيسين لا تَعَلُّقًا بِهم، بَل بِسَبَبِ مَخاوِفِنا وَاحتِياجاتِنا. نَرى الرَّبَّ يَسوع يَتَجاوَب مَع طَلَب التّلاميذ، لَكِنَّهُ أَيضًا يُؤَنِّبَهُم عَلى خَوفِهِم. الخَوفُ دَليلٌ على قِلَّةِ الإِيمانِ، فَمَنْ يَثِق بِالرَّبّ لا يَخافُ شَيئًا.

أَيُعقَل أَن يُؤَنِّبَنا الرَّبُ عَلى خَوفِنا، وَطَبيعَتُنا مَوسومَةٌ بِالخَوف؟ أَوَّلًا إِنَّ تَجَسُّد الكَلِمَة في التَّاريخ، لا يَتَوَقَّف عِندَ ظَرفٍ وَوَقتٍ أَصبَحا حَدَثًا مِنَ المـاضي، إِنَّما يَعني حُضورَهُ الدّائِم وَالفاعِل عَلى مَدى التاريخِ بِماضيهِ وَحاضِرِهِ وَمُسْتَقبَلِهِ. ثانِيًا، لَيسَ المـَطلوب أَن يُحدِثَ الرَّبُّ الكَثيرَ مِنَ المـُعجِزاتِ، وَأَن يَتَدَخَّلَ في حَياةِ كُلٍّ مِنَّا، لِيَكونَ لَنا مَوقِفَ الإِيمانِ وَالدَّهشَة عَلى مِثالِ التّلاميذِ عِندَما هَدَّأَ الأَمواجَ وَالرّيح. إِنَّما ما صَنَعَهُ في تَجَسُّدِهِ، وَفي مَوتِهِ وَقِيامَتِهِ، وَما زالَ يَصنَعَهُ في التاريخ، هوَ العلامَة لِكَيْ نُؤمِن، أَنَّ مَهما حَدَثَ في حَياتِنا، وَكَيفَا حَدَثَ وَلو كانَ شَرًّا، فَهوَ قادِرٌ أَنْ يَجعَلَ مِنْهُ وَسيلَةَ خَلاصٍ لِنُفوسِنا، إِذا كُنّا مُؤمِنينَ وَواثِقينَ بِحُضورِهِ في حَياتِنا، وَبِمَحَبَّتِهِ لَنا.

الرَّبَّ الَّذي هَدَّأ العاصِفَة، هوَ نَفسُهُ لَمْ يُوقِف رِياحَ تجرُبَة الجَتسمانيَّة، وَالإِضطِهاد وَلا أَلَمَ الجَلدِ وَإكليلِ الشّوكِ وَالتنكيلِ وَالإِهانَةِ وَحَملِ الصّليبِ وَغَرسِ المـَسامير، وَأَخيرًا لَم يُبعِدْ عَنهُ غَصّاتِ المَوتِ المـَرير. بَعدَ هَذا كُلِّهِ، بِقِيامَتِهِ، قالَ لَنا أَلَّا نَخافَ مِنْها جَميعًا، لِأَنَّهُ مَعَنا، هوَ “عِمّانوئيل” إِلَهُنا مَعَنا. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا، جَعَلَ يَسوع منْ صُعوباتِ وَمَشاكِلِ حَياتِنا وَتَجارِبِها مَدخَلًا لاختِبارِ إِيمانِنا بِهِ، وَلإِدراكِ حُضورِهِ مَعنا. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا، هوَ يَدعونا لِئَلَّا نَخافَ، فَالخَوفُ عَلامَةٌ لِضِعفِ الإِيمان، أَمّا الإِيمانُ الحَقّ، فِثِمارَهُ: الصّلاةُ الحارّة، وَالشّجاعَةُ وَالصّبرُ وَالسّلام. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!