تابعونا على صفحاتنا

مقالات

جنون المَحَبَّة حُضور اللهِ في القُربان، يُناقِضُ العَقل وَالمَنطِق!

عِندَما نَتَأَمَّلُ حَياةِ الرَّبَّ يَسوع في الأَناجيل المـُقَدَّسَة، وَنَتَوَقَّف عِندَ كَلامِهِ وَتَعليمِهِ، نَجِد أَنَّنا أَمامَ شَخصٍ يَتَكَلَّمُ بِمَنطِقٍ خاصّ وَغَير مُتَّزِنٍ مُقارَنَةً مَع مَنطِقِ عامَّةِ النَّاس. يَقولُ عَنْ نَفسِهِ أَنَّهُ ابنُ الله وهوَ إِنسانٌ. يَتَكَلَّم عَن حُضور مَلَكوت الله، بَينَما النَّاسُ تَعيشُ أَعباء وَصُعوبات الحَياة اليوميَّة. وَحدَها أَعمالُهُ وَشَهادَةُ الرُسُل وَالَّذينَ عَرَفوه وَقارَعوه، وَالَّذينَ نالوا الشفاءَ مِنهُ، تَحُثُّنا على الإِصغاءِ لَهُ. وَحدَها أَحداثُ مَوتِهِ وَقِيامَتِه، وَشهادَةُ الآبِ وَالرُّوحِ القُدُسِ فيهِ، تَدفَعُنا لِكَي نُؤمِن أَنَّهُ ابنُ اللهِ حَقًّا.

لا يُمكِنُنا أَن نُصَدِّق وَنَعقُل أَنَّ يَسوعَ المـَسيح حاضِرٌ فِعلِيًّا في قِطعَةِ خُبزٍ صَغيرَة، وَقَدْ أَصبَحَت وَفقًا للإِيمان وَالمـُعتَقَد المـَسيحيّ جَسَد الكَلَمِة المـُتَجَسِّد الفادي وَالمـُمَجَّد؟ نَحنُ دائِمًا بِشَكلٍ لاواعٍ لَدَينا صورَةٌ وَفِكرَةٌ عَن اللهِ أَنَّهُ عَلِيٌّ وَأَكبَر وَسامٍ وَقَدير، بَعيدٌ كُلَّ البُعدِ عَن أَن يَكونَ قَريبٌ مِنَ البَشَر عَلى المـُستَوى المـَلموس. صحيحٌ أَنَّ اللهَ في جَوهَرِهِ يَسمو عَلى عُقولنا وَأَفكارِنا، وَلَكِنْ وَحدَهُ الإِيمانُ بِأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ في ذاتِه يَجعَلُنا نَختَبِر حُضورَ المـَسيحِ الفِعليّ في سِرّ الإِفخارستيّا، لِأَنَّ قُوَّةُ الله المـَحَبَّة تَجعَلُ المـُستَحيلَ عِندَنا مُمكِنًا وَالبَعيدُ عَنَّا قَريبًا. مِن خِلالِ الإِيمان العامِل بِالمـَحَبَّة نَتَأَمَّل في حَياةِ الرَّبَّ يَسوع المـَسيح التاريخيّة، وَنُؤمِن بِتَجَسُّدِهِ كَإِبنٍ لله، وَبِموتِهِ وَقِيامَتِهِ. مِن خِلالِ الإِيمان العامِل بِالمـَحَبَّة نُؤمِن أَنَّهُ هوَ هوَ مَعَنا إِلى انقِضاءِ الدّهرِ في سِرّ الإِفخارستيّا.

لَيسَ صَحيحًا أَنَّ الإِيمانَ يُعارِضُ العَقلَ وَالمـَنطِق، إِنَّما هوَ يَمضي فينا إِلى أَبعَد مِنْ حدودِ البُعد الوجوديّ المـَلموس، لِنَختَبِرَ المـاوَرائيّ عَلى المـُستَوى الرُّوحيّ. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا يَدعونا الإِيمانُ لِنَختَبِرَ حُضورَ المـَسيح الفِعليّ وَالمـُمَجَّد في القُربانِ المـُقَدَّس، قَبلَ أي إِعلان عَقائِديّ وَكَنَسيّ. رُبَّما نُطالِبُ أَنفُسَنا بِهذا الإِختبارِ الصّوفيّ للقُربان المـُقَدَّس، وَهوَ إِمكانِيَّة يُتَوَقَّع حُدوثَها بِفَضلِ النِّعمَة الإِلَهِيَّة، وَلَكِن إِذا عُدنا إِلى اختِبارِ الرُّسُل أَنفُسِهِم نَجِدُهُ ذاتُ نَموذَجَيَن الغَير المـُدرَك، وَالمـُدرَك والفائِق الوَصف.

النَّموذَج الأَوَّل نُسَمّيهِ الغَير المـُدرَك: لَحظَةَ تَأسيسِ السِرّ في العَشاءِ الأَخير، نَرى الرُّسُل غَيرَ مُدرِكينَ لِما حَدَثَ أَمامَهُم، وَلِما تَناوَلوهُ وَشَرِبوهُ. حالَتُهُم تُشبِهُ حالَتَنا عِندَما نُشارِك في القُدّاسِ الإِلَهيّ. يَكفينا التَأَمُّل بِما جَرى مَعَهُم في أَحداثِ آلامِ الرَّبّ وَالجُلجُلَة. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا، نَفهَم أَنَّ الغَرَضَ مِنَ تَناول القُربان المـُقَدَّس لَيسَ الإِختِبار الصوفيّ المـُمكِن حُدوثَهُ، وَلَكِنْ الإِتِّحادَ بِالرَّبّ يَسوعَ عَلى مُستَوى المـَحَبَّة الَّتي تُعطي ذاتَها.

النَّموذَجُ الثَّاني نُسَمّيه المـُدرَك وَالفائِق الوَصف: هذا ما حَدَثَ مَع تِلميذَي عمّاوُس، حَيثُ عَرَفوا الرَّبَّ يَسوع مِنْ خِلالِ كَسر الخُبز، وَقُوَّة الإِفخارستيّا، جَعَلَتْهُم يَعودوا في اللَّيلِ سَريعًا إِلى أُورَشَليم لِيَحتَفِلوا بِقِيامَة الرَّبّ وَما حَدَثَ مَعَهُم في الطَّريق. بَعدَما كانوا خائفينَ ويائِسين، جَعَلَهم الرَّبّ مِن خِلالِ كَسرِ الخُبز مُشتَعلينَ بِالمَحَبَّة وَالإِيمان وَالقُوَّة وَالشَّجاعَة. إِنطِلاقًا مِن كَثافَةِ هذا الإِختِبار الَّذي تَكَرَّرَ في حَياةِ الرُسُل وَالكَنيسَة الأُولى نرى الإِحتِفال في سِرّ الإِفخارستيَّا يَأخُذ مَكانَتَهُ الخاصَّة وَالمـُمَيَّزة كَحقيقَة فِعليَّة لِحُضورِ المـَسيح المـُخَلّص وَالفادي، بناءً على وَصِيَّةِ الرَّبّ: “إِصنَعوا هذا لِذِكري”.

قُلنا أَنَّ سِرَّ الإِفخارستيّا لَيسَ الغَرَض مِنهُ الإِختِبار الصّوفي، الَّذي يَجعَلُنا نَتَذَوّق مَحَبَّة المـَسيح وَقُوَّة الرّوح القُدُس، إِنَّما الإِتّحادَ بِالرَّبّ يَسوع على مُستَوى المـَحَبَّة، وَلوَ بِشَكلٍ غَيرَ مُدرَك. لَقَد أَسَّسَ يَسوعُ سِرّ الإِفخارستيَّا في عَشاءِ الفُصحِ لِيُصبِحَ هوَ الحَمَلُ الذَّبيح، عَلامَةً لِلفِداءِ وَلِلخَلاصِ الَّذي حَقَّقَهُ مِن أَجلِنا وَمِن أَجلِ الكَثيرين. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا أَصبَحَ جَوهَرُ وَغايَة الإِفخارستيَّا العَهد الجَديد الَّذي يَقومُ على مَغفِرَةِ الخَطايا وَنَيلِ الحَياة الأَبَدِيَّة. في كُلِّ مَرَّةٍ نُشارِكُ فيها بالقُدَّاس الإِلَهيّ، نَحنُ نُشارِكُ في فصحِ الرَّبّ، وَنَحتَفِلُ بِمَوتِهِ وَقِيامَتِهِ. إِنَّ القُربانَ المـُقَدَّس الَّذي نَتَناوَلَهُ هوَ الرَّبَّ يَسوع نَفسَهُ، الَّذي يُعطينا ذاتَهُ رَحمَةً وَحُبًّا وَغُفرانًا، لِنَحيا فيهِ. الطّوبى لَنا عِندَما نَتَناوَلَهُ بِإِيمانٍ وَتَقوى، فَيُحدِثَ فينا قَداسَتَهُ. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!