تابعونا على صفحاتنا

مقالات

أَصبَحَتْ البرّيَّة مَع يَسوع رَحْمَ الولادَة الرُّوحِيَّة!

إِنَّ مُعظَم النَّاس تَخافُ مِنَ الشّعور بِالوَحدَة، وَتُعاني مِنْهُ إِن أَصابَها. تَخافُ أَن تَكونَ لِوَحدِها وَلا أَحَد يِسأَل عَنْها. تَأخُذُ العَلاقات الإِجتِماعيَّة حَيّزًا واسِعًا مِنْ حَياتِنا، هيَ مِرآةُ وجوهِنا الغَير حَقيقيَّة، وَالمـُعَرَّضَة دائِمًا للتَّحطيم. نُعَرِّفُ عَنْ الإِنسان بِأَنَّهُ كائِن إِجتِماعيّ يَتَكَوَّن وَيَنمو في وَسَطِ المـُجتَمَع، وَلَكِنْ في الوَقتِ نَفسِهِ هُوَ بِحاجَةٍ ماسَّة وَضَرورِيَّة لِيَعرِفَ ذاتَهُ بَعيدًا عَنْ المـُجتَمَع بِشَكلٍ مُجَرَّد مِنْ خِلالِ اختِبارِهِ لِحُضورِ الله في حَياتِه.

نَرى يَسوع قَبلَ أَن يَبْدَأَ رِسالَتَهُ العلانيَّة يَقودُهُ الرُّوحُ القُدُس إِلى البَرِّيَّة، حَيثُ أَمضى مُدَّةَ أَربَعينَ يَومًا لَيلَ نَهارٍ في الصَّلاةِ وَالصّوم وَهوَ يُصارِعُ إِبليس. لَمْ يَكُن ذَهَابَهُ إِلى البَرّيَّة مِنْ دونِ هَدَف وَمَعنى، بَل على العَكس فَفيها ثَبَّتَ أَعمِدَةَ شَخصِيَّتِهِ وَرِسالَتِهِ الخاصَّة. في البَرّيَّة إِنتَصَرَ عَلى روحِ الشَّرّ، وَأَعطى الأَوَّلِيَّة لِعِبادَةِ الآب السَّماويّ رُغمَ كُلّ شَيء. في البَرّيَّة أَعطَى الأَوَّلِيَّة للفَضيلَةِ عَلى الرَّذيلَة، وَجَعَلَ الصَّلاةَ مُربوطَة بِالصَّومِ فَعَلَّمَنا كَيفَ نُخضِع أَجسادَنا وَنُحَرِّرَها مِنْ خِلالِ إِنصاتِ قَلبِنا للرُّوحِ القُدُس.

تَعني البَرِّيَّة في خِبرَةِ شَعب الله، المَكان الَّذي فيهِ امتُحِنَ مُدَّةَ أَربَعينَ سَنَةٍ. وَحَيثُ كُوِّنَ كَشَعبٍ جَديدٍ مُؤَسَّسٌ عَلى وَصايا اللهِ، وَمُغَذًّى على المـَنِّ وَالسَّلوى. إِذًا البَرِّيَّةُ هيَ المـَكان الَّذي يَسمَح لَنا أَن نُحَقِّقَ وِلادَتَنا الرُّوحِيَّة مِن خِلالِ نِعمَةِ اللهِ وَتَجاوب إِرادَتَنا مَعَها. يَقولُ لَنا الرَّبُّ في كِتاب المـَزامير: “كَالنَّسرِ أُجَدِّدُ شَبابَكَ”. يَعيشُ النَّسْرُ أَربَعينَ سَنَةً، وَبَعدَها عَلَيهِ أَن يَختارَ إِمَّا المـَوت أَو الحَياة. لِكَيْ يَعيشَ عَلَيْهِ أَن يَمضي إِلى أَعلى قُمَّةٍ حَيثُ يَخلَع عَنْهُ ريشَهُ كاسِرًا مِنقارَهُ وَمَخالِبَهُ، وَيَبقى مُدَّةَ أَربَعينَ يَومًا في الأَلَم، لِيَتَمَكَّن أَن يُحَلِّقَ مِنْ جَديد، لِيَعيشَ بَعدَها المـُدَّةَ نَفسَها.

صَحيحٌ أَنَّ حَياتَنا في صَيرورَةٍ مِنَ الطُّفولَةِ إِلى الشّيخوخَة، لَكِنْ لِكَي نَعيشَها في المِلء وَنَجِدَ دَعوَتَنا فيها، وَقيمَتَنا وَمَكانَتَنا في عَينَيْ الله يَجِب عَلَينا أَن نَمضي إِلى البَرّيَّة بِرِفقَةِ الرُّوحِ القُدُس، وَعلى ضَوءِ اختِبارِ مُعِلَّمَنا الأَوحَد الرَّبَّ يَسوع. عَلَينا أَن نَكونَ مِثلَ الجُنديّ الَّذي يَستَعِدُّ جَيّدًا لِلقِتال. لا تَعني البَرّيَّةُ هُنا مَكانًا نَذْهَب إِلَيه لِنَختَلي، وَهذا أَمرٌ جَيِّد إِذا وُجِد، وَلَكِنْ تَعني على المـُستَوى الرُّوحي مُواجَهَة وَحدَتَنا الدَّاخِلِيَّة. مُواجَهَةَ مَخاوِفَنا، مُواجَهَة أَسئِلَتَنا، مُواجَهَة خَطايانا. بَريَّةُ قَلبِنا تَعني الإِصغاءَ جَيِّدًا إِلى الأَصوات وَالأَفكار وَالدَّوافِع وَالجِراح الَّتي تُحَرِّكُنا وَتَمييزِها، واختِيار صَوتَ السَّلامِ وَالحَقّ والمـَحَبَّة، صَوتَ الرّوح القُدُس.

تَدعونا أُمُّنا الكَنيسَةُ الكاثوليكيَّة في هذا الزَّمَن الأَربَعينيّ المـُقَدَّس، لِكَيْ نُكَثِّفَ جِهادَنا الرُّوحيّ عَنْ طَريقِ الصّلاةِ والصَّومِ وَالصَدَقَة، لِنَعيشَ المـَحَبَّة. تَدعونا لِكَيْ نَدخُلَ إِلى بَرّيَّتِنا حَتَّى نَكتَشِفَ حَقيقَةَ بُنُوَّتِنا للهِ الآب في يَسوع المـَسيح. يُعَلِّمونَنا آباءُ الكَنيسَة، وَبِخاصَّةٍ الَّذينَ عاشوا النُّسكَ في حَياتِهِم أَن يَكونَ لَنا رَفيقًا وَمُرشِدًا روحِيًّا مَع بَدءِ مَسيرَتِنا الرُّوحِيَّة لِكَيْ نُمَيِّزَ اختِبارَنا فَنَعرِفَ مَوهِبَةَ المَشورَة، وَنَتَعَلَّمَ كَيفَ نَنقادُ لِلروح القُدُس. إِذا أَرَدنا فِعلًا أَن نَتبَعَ الرَّبَّ يَسوع إِلى البَرِيَّة، وَأَن نَدَعْهُ يَدخُلُ إِلى بَرِّيَّةِ قُلوبِنا عَلَينا قَبلَ أَيْ شَيءٍ آخَر، أَن نَحفَظَ كَلامَهُ وَأَن نَرغَبَ في عَيشِهِ كُلَّ يَومٍ، لِذَلِكَ قَبلَ أَيّ شَيء آخَر عَلَينا أَن نُخَصِّصَ وَقتًا للتَّأَمُّل وَلمُناجاةِ يَسوع.

فَلنَطلُب مِنْ يَسوع مَع بَدءِ الزَّمَن الأَربَعينيّ أَن يُعطينا نِعمَةَ الشَّجاعَة لِنَدخُلَ إِلى بَرِّيَّةَ قَلبِنا وَنُواجِه أَنفُسَنا بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُس، حَتَّى تَثبُتَ هُوِيَّتَنا فيهِ كَأَبناءٍ لله، فَنُواجِهُ شُرورَ الحَياةِ حَتَّى الصّليب. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!