موقع Allah Mahabba الأربعاء من الأسبوع الأوّل بعد الدنح
رسالة القدّيس بولس الثانية إلى أهل قورنتس 11: 7 – 15
يا إخوَتِي، أَتُرَاني ٱرْتَكَبْتُ خَطِيئَة، لأَنِّي وَاضَعْتُ نَفْسي لِتَرْتَفِعُوا أَنْتُم، عِنْدَمَا بَشَّرتُكُم بإِنْجِيلِ ٱللهِ مَجَّانًا؟
لَقَدْ سَلَبْتُ كَنَائِسَ أُخْرَى، آخِذًا مِنْهَا النَّفَقَةَ لِخِدْمَتِكُم.
ولَمَّا كُنْتُ عِنْدَكُم، وأَنا مُعْوِز، لَم أُثَقِّلْ عَلى أَحَدٍ مَنْكُم، لأَنَّ عَوَزِي قَد سَدَّهُ الإِخْوَةُ الَّذينَ جَاؤُوا مِنْ مَقْدُونِيَة. وقَد حَرِصْتُ في كُلِّ شَيءٍ أَلاَّ أُثَقِّلَ عَلَيْكُم، وسَأَحْرَصُ أَيْضًا.
فَبِحَقِّ المَسِيحِ الَّذي فِيَّ، إِنَّ هذَا الافْتِخَارَ لَنْ يُنْزَعَ مِنِّي في بِلادِ أَخَائِيَة!
لِمَاذَا؟ أَلأَنِّي لا أُحِبُّكُم؟ أَللهُ يَعْلَم!
ولكِنِّي أَفْعَلُ هذَا وسَأَفْعَلُهُ، لأَقْطَعَ السَّبيلَ عَلى الَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ سَبيلاً، لِيُفَاخِرُوا بِمَا نَحْنُ بِهِ مُفَاخِرُون!
فإِنَّ أَمْثَالَ هؤُلاءِ هُم رُسُلٌ كَذَّابُون، وفَعَلَةٌ مَاكِرُون، مُتَنَكِّرُونَ بِلِبَاسِ رُسُلِ المَسِيح.
ولا عَجَب، فإِنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يَتَنَكَّرُ بِلِبَاسِ مَلاكِ النُّور.
إِذًا فَلَيْسَ بِغَرِيبٍ أَنْ يَتَنَكَّرَ خُدَّامُهُ بِلِباسِ خُدَّامِ البِرّ: إِنَّ عَاقِبَتَهُم سَتَكونُ عَلى حَسَبِ أَعْمَالِهِم!
إنجيل القدّيس يوحنّا 3: 22 – 30
جَاءَ يَسُوعُ وتَلامِيذُهُ إِلى أَرْضِ اليَهُودِيَّة، وأَقَامَ هُنَاكَ مَعَهُم وكانَ يُعَمِّد.
وكَانَ يُوحَنَّا أَيْضًا يُعَمِّدُ في عَيْنُون، بِٱلقُرْبِ مِنْ سَالِيم، لِغَزَارَةِ المِيَاهِ فِيهَا، والنَّاسُ يَأْتُونَ ويَعْتَمِدُون،
لأَنَّ يُوحَنَّا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ قَدْ أُلْقِيَ في السِّجْن.
وصَارَ جِدَالٌ بَينَ تَلامِيذِ يُوحَنَّا وأَحَدِ اليَهُودِ في شَأْنِ التَّطْهِير.
فَجَاؤُوا إِلى يُوحَنَّا وقَالُوا لَهُ: «رَابِّي، إِنَّ ذَاكَ الَّذي كَانَ مَعَكَ في عِبرِ الأُرْدُنّ، وشَهِدْتَ أَنْتَ لَهُ، هَا هُوَ يُعَمِّد، والجَمِيعُ يُقْبِلُونَ إِلَيه».
أَجَابَ يُوحَنَّا وقَال: «لا يَقْدِرُ إِنْسَانٌ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ لَهُ مِنَ السَّمَاء.
أَنْتُم أَنْفُسُكُم تَشْهَدُونَ لِي أَنِّي قُلْتُ: لَسْتُ أَنَا المَسِيح، بَلْ أَنَا مُرْسَلٌ أَمَامَهُ.
مَنْ لَهُ العَرُوسُ هُوَ العَرِيس. أَمَّا صَدِيقُ العَرِيسِ الوَاقِفُ يُصْغِي إِلَيْهِ فَيَطْرَبُ فَرَحًا لِصَوتِهِ. هذَا الفَرَحُ هُوَ فَرَحِي، وقَدِ ٱكْتَمَل.
عَلَيْهِ هُوَ أَنْ يَزيد، وعَلَيَّ أَنَا أَنْ أَنْقُص».
التأمّل
”عَلَيهِ هوَ أَن يَزيد، وَعَلَيَّ أَنا أَن أَنقُص“
لا تَقِف وَلا تَنحَصِرُ رِسالَةُ يوحَنَّا المـَعمَدان عِندَ البُعدِ الخارِجيّ لَها ذاتُ الوَجهَين: الوَعظَ وَالتَّعليم، وَالعِمادُ بِالماءِ مِن أَجلِ التَّوبَة، إِنَّما تَعني أَيضًا نَهج حَياتِهِ الرُّوحِيَّة، وَشَظَفَ عَيشِه الزَّاهِد، وَالَّتي تُشَكِّلُ لَنا مَدخَلًا رائِعًا وَجَميلًا وَواقِعِيًّا وَصَحيحًا إِلى مَنجَمِ الحَياةِ الرُّوحِيَّة الرّفيعَة. إِذا تَأَمَّلنا بِصَفَحاتِ الإِنجيل الَّتي تُكَلِّمُنا عَن يوحَنَّا المـَعمَدان نَكتَشِفُ النَّمَطَ الرُّوحيّ الَّذي خَطَّهُ، فَنَجِدَهُ دائِمًا خارِجَ “الأَنا”، وَدائِمًا أَمامَ “الهوَ”. لِكَي نَفهَمَ أَكثَر روحانِيَّتَهُ، نَستَعينُ بصورَةِ اهتِمامِ الأُمّ بِأَولادِها: حَياتُها وَوجودُها ما عادا مُتَّصِلَينِ بِكِيانِها الشَّخصيّ، بَل تَمَدَّد هذا الكِيان لِيُصبِحَ مُتَمَركِزًا بِأَولادِها، فَباتوا قَلبَها وَروحَها، وَكُلَّ شَيءٍ بِالنّسبَةِ لَها. مِن هُنا نَجِدُ يوحَنَّا يَرتَضي فَرِحًا أَن يَنقُصَ، مِن دونَ أَن يَخشى هذا النَّقص، لِعِلمِهِ أَنَّهُ يَصُبُّ في خِدمَةِ المـَسيح، وَإِلَّا أَصبَحَ عائِقًا على ذاتِهِ وَعلى الرَّبّ. هَكذا يَدعونا يوحَنَّا لِنُفرِغَ قُلوبَنا مِن نُفوسِنا فَتَمتَلِئَ مِن حُضورِ يَسوع، وَإلَّا لَن نَعرِفَ طَعمَ مَحَبَّتِهِ الإِلَهِيَّة.
يَا بُنَيَّ، إِن أَرَدتَ أَن تَكتُبَ قَصيدَةً مِن كَلِماتِ يوحَنَّا المـَعمَدان، لَكانَ عُنوانها الكَبير “الحُبّ”. هوَ الصَّوتُ الَّذي يَحمِلُني أَنا الكَلِمَة لِأُزرَعَ في قُلوبِ النَّاسِ فَيَمضي هوَ وَأَنا أَبقى. رَنَّاتُهُ وَإِن هِيَ قَوِيَّةٌ وَعالِيَةٌ وَجَهورَةٌ وَتَبُثُّ الحَماسَةَ، فَهيَ قَوِيَّةٌ لِأَنَّها تَحمِلُني بِإِرادَةٍ أَصبَحَت تَسليمًا وَعَمَلًا وَفقًا لِمَشيئَةِ الله. جَميلُ الصَّوتِ هوَ لِأَنَّ كَلِمَتَهُ تَبقى بِنَبرَةِ فِعلِها، وَلَيسَ بِقُوَّةِ حُنجُرَتِها. مُعِدُّ طَريقِ القُلوب، يَنتَهي مَتى أَصبحَ المـُعَدُّ جاهِزًا، هوَ يَمضي إِلى المـَجهولِ وَيُنسى إِن لَفَظَتهُ ذاكِرَةُ البَشَرِ، بَينَما يَبقى الطَّريقُ وَعَلَيهِ يَمضي المارَّةُ ذَهابًا وَإِيابًا، وَحضورَهُ يَكمُنُ بِفِعلِهِ المـُستَمِرِّ في سَيرِهِم. هَكذا يوحَنَّا بِقُوَّةِ مَحَبَّتي غائِبٌ لِكِنَّهُ حاضِرٌ لِدَورِهِ، وَإِن قالَ لي عَلَيّ أَن أَنقُصَ، فَهوَ يُخلي مَكانَهُ لِيَستَضيفَني على كُرسيهِ، بَعدَما رأى إِكرامَ النَّاسِ لَهُ، عَرَفَ أَنَّ المـَجدَ يَعودُ إِلى اللهِ وَحدَهُ، فَصَرَخَ مَعَ صاحِبِ المـَزمورِ: “لا لَنا يا رَبُّ، لا لَنا، بَل لاسمِكَ أُعطِيَ المـَجدُ”. إِن كانَ مُعَلِّمي الأَرضِ يَحُثُّونَكَ عَلى المِلء، تَجِدُ في نَهجِ رَجُلِّ البَرِّيَّةِ وَتَعليمِهِ أَنَّهُ يَحُثُّكَ عَلى الإِفراغِ؛ المِلءَ لا يَأتي مِن فِكرٍ وَبَشَر، لا بَل أَنا الرَّبُّ مِلءُ النِّعمَة.
شَهِدَ يوحَنَّا بِصِدقِهِ المـَعروف، أَنَّ يَسوعَ النَّاصِري، هوَ ابنُ الله، وَهوَ عَطِيَّةُ الآبِ، وَمَصدَرُ كُلِّ عَطِيَّةٍ، وَلَهُ عَمِلَ مُعِدًّا الطَّريقَ بِصَوتِهِ وَعِمادِهِ وَنَهجَ حَياتِهِ وَأَيضًا بِنُقصانِهِ، حَيثُ نَفهَم أَنَّهُ أَتَمَّ شَوطَهُ كامِلًا، مُعتَزًّا بِما أَنجَزَ لا عَلى مُستَوى العَمَلِ في حَدِّ ذاتِه، إِنَّما لِمَن يَعودُ بِالنَّفعِ هذا العَمَل، لِلإِنسانِ التَّائِب وَللرَّبّ يَسوع الفادي المـُخَلِّص. كَم كانَ واقِعِيًّا وَفيهِ مِن روحِ اللهِ القُدُّوس الحَكيمِ وَالفَطِن، فَنَرى فيهِ رَجُلَ الفَقرَ وَالزُّهدَ الإِنجيليّ، يَتَمَسَّكُ فَقَط بِجَوهَرِ رِسالَتِهِ ومُستَعِدًّا للتَّخَلِّي عَن رِسالَتِهِ نَفسَها. مُدرِكًا تَمامًا بِتَواضُعٍ مُمَيَّزٍ نَفيسٍ قَلَّ نَظيرَهُ، أَنَّ النَّقصَ يَعودُ لَهُ، وَهوَ إِيجابِيٌّ أَمامَ مَن يَملأُ الأَجرانَ ماءَ نِعَمٍ روحِيَّة. تَعَلَّم مِن يوحَنَّا طَريقَ الخُروجِ مِنَ الأَنا حُبًّا بالله.
رَبِّي يَسوع، عَلَيَّ أَنا أَنقُصَ وَعَلَيكَ أَنتَ أَن تَزيد. مَهَمَّتي تُختُصَرُ بِهَذِهِ الكَلِماتِ البَسيطَةِ وَالعَميقَة، لِذَلِكَ أَطلُبُ مِنكَ أَن تَمُدَّ لي يَدَكَ لِأُفرِغَ ذاتي مِن ذاتي، لِيَتَّسِعَ المـَكانُ لَكَ وَحدَكَ. فَها أَنا أُعيدُ لَكَ سَكَّ المـُلكِيَّةِ لِكَي تَصنَعَ بي ما تَشاء، لِأَنَّك لَن تَرضى أَن تَجِدَني فارِغًا فَسَتَأتي إِلَيَّ بِذاتِكَ لِتَملأَني مِن كَثافَةِ حُضورِكَ القُربانيّ، آمين.
تابعوا قناتنا
https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg
شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!