تابعونا على صفحاتنا

مقالات

لَيلُ الواقِع وَنورُ الميلاد

موقع Allah Mahabba لَيلُ الواقِع وَنورُ الميلاد

قاسٍ هوَ الواقِع الَّذي يَفرِض ذاتَهُ بِثِقلِهِ الكَبير، فَيَغدو بِمَثابَةِ سِجنٍ يَبثُّ اليأسَ فيُستَحالُ عَلَينا الخُروجَ مِنهُ. شاقَّةٌ جِدّاً هَذِهِ الحَياة الَّتي يَكونُ لِلمَوتِ فيها المـَكانَ الأَرحَب، وَللظُّلمِ فيها الحُرِّيَّةَ الأَكبَر، وَلِلظَّلامِ الإِنتِشار الأَوسَع، فَيُنتَزَعُ مِنها المـَعنى وَالجَوهَر لِتَبقى شَكلاً لِوجودٍ يَقضُمُ مَن فيهِ بِفِعلِ الخَطيئَةِ وَالشَّرّ، لِتَصيرَ قَدَراً مَشؤوماً، لا رَجاءَ فيهِ وَلا خَلاصَ وَلا مَنفَذ. في قَلبِ هذا الواقِع، لا نَلمُسُ حُضوراً لله، وَإِن آمَنَّا أَنَّهُ مَوجودٌ، فَهوَ إِمَّا أَن يَكونَ مُتَكابِرًا وَمُتَعالِياً أَو مَشيئَتُهُ أَن يَسودَ علَينا استِعباداً، لا أَن نَعرِفَهُ كَإِلَهٍ حَيٍّ يَرأَف يُحِبّ وَيَرحَم.

هُناكَ مَفهومٌ لِلحُرِّيَّةِ يَقولُ فيها: أَنَّها خُروجٌ عَن الأَنظِمَة، وَتَحَرُّرٌ مِنَ القُيودِ، فيما نَجِدُ أَنفُسَنا مُقَيَّدينَ أَوَّلاً بِقَيدَي الزَّمانِ وَالمـَكانِ وَبَعدَها مَحكومٌ عَلَينا بِقُيودِ إِرثِنا وَتاريخِنا وَشَخصِيَّتِنا وَكُلّ ظُروفِ حَياتِنا؛ ماذا بَعد؟! هَل وُجِدنا فَقَط لِنوجَد، وَلِنُعاني الأَلَمَ وَالمـَرارَةَ وَالحُزنَ وَالظُّلم…! هُناكَ أُناسٌ لا تَخلو حَياتُهُم لَحظَةً واحِدَةً مِنَ المِحَنِ وَالصُّعوباتِ فَواقِعُ أَجسادِهِم وَظُروفِ حَياتِهِم حَكَمَت عَلَيهِم دونَ استِئذانِ أَحَدٍ على الإِطلاق. أَيُّ تَعزِيَةٍ تُفيد وَأَيُّ فَلسَفَةٍ وَدينٍ يُجدي نَفعاً، إِن كانَ طَعمُ وُجودِهِم عَلقَماً وَمَرارَةً، وَكَأَنَّ لِلمَوتِ طَعمَ الحَلاوَةِ وَالعَسَلِ على ما هُم عَلَيه؟

مَن يَمضي إِلى ضواحي الأَرض، حَيثُ الفَقرُ وَالبُؤس وَالتَّعاسَة، وَيَنظُرُ بِعَينَي قَلبِه، فَإِن لَم يَسأَل عن وجودِ الله، فَهوَ حَتماً سَيَسأَل عَن مَعنى الوجودِ وَعَن الإِنسانِيَّةِ وَعَن الحُرِّيَّةِ وَالخَير وَالعَدالَة…. وَلَكِن يَبقى السُّؤالُ مُعَلَّقاً، وَالتَّجرُبَةُ تَكمُنُ في الأَحكامِ المـُسبَقَة وَفي إِعطاءِ الجَواب ناقِصاً، بَدَلاً مِن أَخذِهِ مِنَ المـَصدَر.

لا يُمكِنُنا التَّنَصُّلَ أَبَدًا مِن واقِعِ حَياتِنا، وَلا يُجدي نَفعاً تَجميلُهُ بِصُوَرٍ شعرِيَّةٍ أَو بِمُسَكِّناتٍ فَلسَفِيَّةٍ أَو عَن طَريقِ الإِنكارِ النَّفسيّ، وَلَكِن يُمكِنُنا تَلَمُّسَ أَساسِهِ وَجَوهَرِهِ وَغايَتِهِ، حَيثُ نَجِد بَريقَ الرَّجاءِ مُضاءاً في عُمقِ العَتمَة، وَهوَ اليَقينُ الشّجاع، الَّذي يأبى الإستِسلام، فَيجعلنا ثائرين وباحثين عَن الحَقّ مُتطلّعين إِليهِ دائماً في الخيرِ لا في الشَّرّ. عِندَما نَعودُ إِلى الكِتابِ المـُقَدَّس نَجِدُهُ يُخبِرنا عَن واقِعِنا هذا وَلَكِن مِن جانِبِ مَن عَرَفوا اللهَ في واقِعِهِم الإِنسانيّ وَالتَّاريخيّ: فَحَيثُ وَجُبَت اللَّعنَة، كانَت البَرَكَة. وَحَيثُ العُقمُ كانَت الولادَة. وَحَيثُ البَرِّيَّةُ وَالضَّلالُ وَالجوعُ كانَتَ الوَصِيَّةُ حِكمَةً وَالمـَنُّ وَالسَّلوى قوتاً. وَحَيثُ الظُّلمَة كانَ النّورُ حَياةً… . لِماذا إِذاً هذا التَّناقُض العَجيب؟ وَلِماذا حَياتُنا بِمَثابَةِ يَومٍ فيها النَّهارُ وَفيها اللَّيلُ معاً؟!

مِثلَما لَم يَتَبَدَّل واقِعنا مِن جانِبِ لَيلِهِ، فَهوَ أَيضاً لَم يَتَبَدَّل مِن جانِبِ نَهارِهِ، إِنَّما “النُّورُ الحَقُّ الَّذي يُنيرُ كُلَّ إِنسانٍ كانَ آتياً إِلى العالَم، وَكانَ في العالَم وَبِهِ كانَ العالَم” (يو 1: 9 -10)، قَد اختَرَقَ لَيلَنا وَظُلُماتِنا الّتي لَم تَستَطِع لا أَن تُدرِكَهُ، وَلا أَن تَرصُدَهُ، ولا أَن تَحجُبَهُ أَو تَحُدَّهُ، لِيَكونَ لَنا هُوَ فيها وَمِنها الحُرِّيَّةُ الحَقَّة الَّذي بِهِ نَصيرُ أَبناءً للهِ لا حُكماً للطَّبيعَةِ وَلا لِلظُّروفِ وَالأَحكام، وَلا حَتَّى نَظَراً للشَّريعَةِ، لا بَل لِمَا نِلنا بِهِ وَمِنهُ وَفيهِ “نِعمَةً فَوقَ نِعمَة” (يو 1: 16).

مَعَ تَجَسُّدِ “الكَلِمَة” الرَّبِّ يَسوع، قَد أُبطِلَ حُكمُ لَيلِ واقِعِنا، وَلَم تَعُد ظُروفُ حَياتِنا القاسِيَة هيَ القاضي وَالحَكَم عَلَينا، بَل صارَ لَنا أَن نَرى “عِمَّانوئيل-اللهُ مَعَنا” في إِنسانِيَّتِنا بِبُؤسِها العَميق وَبكَمالِها المـُطلَقِ فيه، وَبِرُؤيَتِهِ تُسَرُّ قُلوبُنا وَتَفرَح، لِأَنَّنا قَد دُعينا فيهِ إِلى الحَياةِ الأَوفَر. لَقد بدَّلَ المسيحُ بِتَجسُّدِهِ تَموضُعَ قلبَ الإِنسان، لِنَجِدَ أَنفُسنا في قلبِ الله، وَعِندَئذٍ يُصبِحُ المُستحيلَ عِندنا، مُمكِناً مَعَهُ.

هَل لَدَينا مِنَ الإيمانِ ما يُمَكِّنُنا مِن مُشاهَدَةِ “الكَلِمَة الَّذي صارَ جَسَداً وَسَكَن بَينَنا” (يو 1: 14)؟

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!