موقع Allah Mahabba – مُحَطِّمُ الأَصنام!
عِندَما نُفَكِّرُ بمُصطَلَحِ الأَصنامِ المـُرادِفِ لِكَلِمَةِ وَثَن، وَنَعني بِها ما اتُّخِذَ إِلَهًا بَدَلًا عَن الإِلَهِ الحَقّ، يَرِد على ذِهنِنا مُباشَرَةً، مَوضوعَ عِبادَتِها وَأَشكالِها وَطُقوسِها المـُتَنَوِّعَةِ وَفقاً لِلإِلَهِ المـَنحوتِ وَالمـُزَخرَفِ وَالمـَعبود. يَقولُ صاحِبُ المـَزاميرِ فيها: “لَها أَفواهٌ وَلا تَتَكَلَّم لَها عُيونٌ وَلا تُبصِر، لَها آذانٌ وَلا تَسمَع، لَها أُنوفٌ وَلا تَشُمّ… مِثلَها يَصيرُ صانِعوها وَجَميعُ المـُتَّكِلينَ علَيها” (راجِع، مَز 115).
انطِلاقاً مِن تَنوُّع هَذِهِ الأَصنامِ لِكَثرَةِ أَشكالِها وَتَعَدُّدِ طُقوسِها، وَقُدرَتِها على الإِستِحوازِ على قُلوبِ عابِديها، إِذْ يُصبِحونَ أَمثالَها، نَطرَحُ السُّؤال: هَلْ زالَت مِن عالَمِنا اليَوم، وَما عادَ لَها مِن حُضورٍ إِلَّا في رِواياتِ التَّاريخِ وَالماضي وَالأَساطير، أَمْ ما زالَت حاضِرَةً بِشَكلٍ قَويٍّ وَفاعِلٍ لا بِبُعدٍ إِجتِماعِيٍّ ظاهِرٍ بِطابِعٍ دينيّ، إِنَّما بِبُعدٍ شَخصيٍّ وَفَرديّ؟؟!!
لَيسَ مُرادُنا هُنا التَّطَرُّق إِلى عَدَدِ الأَديانِ الوَثَنِيَّةِ وَمُعتَنقيها وَأَماكِن انتِشارِها في العالَم، إِنَّما تَسليط الضّوء عَلى الصَّنَمِيَّة المـَوجودَةِ في حَياتِنا الشَّخصيّة، وَقَدْ نَكونُ مِن عابِديها أَو أَنَّنا مُجَرَّبونَ لِنَكون خاضِعينَ لَها. في هذا الإِطارِ لَيسَت الأَصنامُ تَجسيدًا لِآلِهَةٍ عَجماءَ بِأَشكالِ تَماثيل، وَلا هيَ تَفاعُلٌ باطِنيٌّ مَع روحِ الشّرّ، بِقَدرِ ما هيَ نَمَطٌ فِكرِيٌّ وَذِهنِيٌّ يُخاطِبُ حُرِّيَّتَنا، وَيَجعَلُ مِن إِنسانِيَّتِنا مُقَيَّدَةً وَمَسجونَةً بِعاداتٍ وَمَفاهيمَ خاطِئَةٍ، تُشَوِّهُ عِندَنا صورَةَ اللهِ الحَقَّة، وَتَحُدُّ مِن عَمَلِ الرُّوحِ القُدُسِ في الإِنسانِ، وَهي إِمَّا تُؤَلِّهُ بِشَكلٍ مُصطَنَع أَو تُدَمِّرُ هُوِيَّتَنا الحَقيقيّة، فَلا نَعُد نَستَطيعُ الإِنفِتاحَ على الإِلَهِ الحَيّ، فَنَبقى مَأسورينَ في دائِرَةِ الأَنا.
قَد نَكونُ مُتَدَيِّنينَ إِلى حَدٍّ بَعيد، وَالسَّبَبُ في ذَلِكَ الصَّنَمِيَّة المـُتَحَكِّمَة فينا. قَد نَبدو للآخَرين مِثالِيّينَ مُلتَزِمينَ خُلُقِيّاً بِأَدَبِيَّاتِ المـُجتَمَع وَالبيئَة والدّين الَّذينَ نَنتَمي إِلَيْهِم، وَلَكِن لَسنا في العُمقِ روحانِيّينَ أَو إِنسانِيّينَ وَفقاً لِروحِ الرَّبّ الَّذي يُحيي وَيُقَدّس بَعدَ أَن يُحَرِّر. مَنْ يَتَأَمَّل بِلِقاءِ الشَّابِّ الغَنيّ بِالرَّبّ يَسوع، يَكتَشِف صَنَمِيَّةَ الشَّريعَة بِطابِعِ المِثالِيَّة الإِجتِماعِيَّة وَالدّينيَّة، وَأَيضًا يَكتَشِفُ صَنَمِيَّةَ الغِنى الَّذي يَتَمَثَّل بِالضَّماناتِ المادِيَّةِ وَالزَّمَنِيَّة، فَيَرضى الإِنسانُ بِالإِكتِفاءِ الذَّاتيّ، بَدَلاً مِنْ تَسليمِ حَياتِهِ بِرُمَّتِها لله. وَعلى العَكسِ مِنها يَكتَشِفُ مُفتاحَ العِبادَةِ الحَقَّة للهِ، وَالَّتي تَعني التَّسليم الإِيمانيّ لَهُ، وَالإِتِّباع بِمَعنى الإِلتِزام المـُزدَوِج بِعَيشِ المـَحَبَّة تُجاهَ الله وَالإِنسان، وَالَّتي هِيَ خُلاصَة الشَّريعَة وَالأَنبِياء. الصَّنَمِيَّةُ تَضَعُنا في مِحوَرٍ واحِدٍ مُزَيَّف، بَينَما عِبادَةُ اللهِ بِالرُّوحِ وَالحَقّ تَضَعُنا أَمامَ اللهِ وَالإِنسانِ في الآنِ مَعاً.
لَقَد نَظَرَ الرَّبُّ يَسوع إِلى الشَّابِّ الغَنيّ، على عادَتِهِ، مِثلَما يَنْظُرُ إِلى كُلٍّ مِنّا نَظرَةَ مَحَبَّةٍ وَتَقديرٍ وَاحتِرام، وَبِكَلِمَةٍ مِنْهُ مَحَّصَ الصَّنَمَ الكامِنِ في قَلبِ الشَّابّ، مُظهِرًا لَهُ الحاجِزَ الَّذي يَفصِلَهُ عَنْ عَيشِهِ لِلحَقّ، وَالَّذي يَمْنَعَهُ مِنْ تَذَوُّقِ فَرَحِ المـَلَكوت، وَالَّذي يُبقيهِ عِندَ حدودِ ما هوَ تَقليديّ وَاعتِياديّ. صَنَمُ الشَّابّ الغَنيّ، كانَ قَناعَتَهُ وَتَعَلُّقَهُ بِالأَمانِ الذَّاتيّ -المـُتَمَثَّل بِالغِنى-، وَالَّذي غالِبًا ما يَبحَثُ عَنْهُ كُلٌّ مِنَّا على طَريقَتِهِ، بَيْنَما عِبادَةُ اللهِ تَدعونا لاتِّباعِ المـَسيح، الَّذي يَغدو هوَ بِذاتِهِ الضَّمانَة الوَحيدَة وَالأَكيدَة الَّتي نَختَبِرُها على مُستَوى القَلبِ سَلاماً روحِيًّا وَامتِنانًا حَقيقيّاً.
لَقَدْ كانَت كَلِمَةُ يَسوع دَعوَةً للشَّابِّ الغَنِيّ لِيُحَطِّمَ الصَّنَمَ الَّذي يُبقيهِ عِندَ حدودِ الأَنا بِالإِنكِفاءِ وَالإِكتِفاء. فَالرَّبُّ يُلقي في كُلِّ يَومٍ كَلِمَتَهُ لِكُلِّ واحِدٍ مِنَّا لِيُحَرِّرَنا مِن عِبادَةِ الأَصنام، حتَّى نَعرِفَ طَعمَ العِبادَة الحَقَّة، الّتي تُثمِرُ حُرِّيَّةً حَقيقيَّة، يُعَبَّرُ عَنها لا بالكَلامِ وَاللِّسانِ وَحَسب، بَل بِصُنعِ الخَيرِ وَالحَقّ في المـَحَبَّة. عِبادَةُ اللهِ تُؤتي خُصوبَةً، بَينَما عِبادَةُ الأَصنامِ تَبقى عَقيمَةً لا حَياةَ فيها. وَالَّذينَ يَشهَدونَ للرَّبِّ يَسوع، شَهادَتُهُمْ لا تَكمُنُ في التِزاماتِهِم المـُختَلِفَة، بَل باتِّباعِهِم الدَّؤوب وَبِأَمانَتِهِم لَهُ.
تابعوا قناتنا
https://www.youtube.com/channel/UCWTL4VXQh38PrPBZvVSZGDQ
شكراً لزيارة موقعنا وقراءة مُحَطِّمُ الأَصنام!.ندعوك لمشاركته مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت، وأن يعطيك نعمة القداسة لكي تكون ملحاً للأرض ونوراً لعالم اليوم!