تابعونا على صفحاتنا

مقالات

البادري بيُّو ومُصارعةُ الله

موقع Allah Mahabba – البادري بيُّو ومُصارعةُ الله

يقولُ الكتاب المـُقدّس: “الرّبّ لا ينظرُ كما ينظرُ الإنسان، فإنّ الإنسان إنّما ينظرُ إلى الظّواهر، وأمّا الرّبُّ فإنّهُ ينظرُ إلى القلب” (1 صم 16: 7). هذا أيضاً ما نختبرهُ في واقع حياتنا اليوميّة، ونلاحظهُ بشكلٍ قويٍّ وواضح عند كلامنا عن عظائم القدّيسين في مسيرة الكنيسة المـُقدّسة. لا نستطيعُ إلّا الإعتراف، أنّنا بغالبيّتنا، ننجذبُ وننشدُّ إلى الظّواهر وإلى العجائب الخارقة، فهي توقظُ فينا التّنبُّه على البُعد الماورائيّ المـوجود في حياتنا وفي العالم، وتحُثُّنا لأن نكون فضوليّين، علّنا نفهمُ أكثر ونُدركُ أكثر سرّ الوجود، لكنّنا للأسف نَقف عندها، يبقى أنّ الجوهر والأساس لا يكمُنُ فيها، مهما كانت خارقةً وعظيمة، فموضوعُها يكمُنُ عند شدّ الإنتباه، وغايتها رسالةً تعني العُمق والجوهر.

كُلّ من تعرّف على حياة القدّيس “بادري بيّو الكبُّوشي”، يُسرع للتّكلُّم عن الخوارق والمـُعجزات الّتي تجلّت في حياته، لقد لُقّب “بمُـعجزة القرن العشرين”، إنّهُ حاملُ سمات المـسيح لمـُدّة خمسين سنة، عدا المـواهب والقُدُرات الرُّوحيّة الأُخرى الّتي عُرف فيها، ولكن قلّةٌ هُم الّذين يتوقّفون عند خبرته الرُّوحيّة والإنسانيّة، الّتي من خلالها نكتشفُ رقّة قلبه وعُمق روحانيّته، حيثُ نجدُهُ أقرب إلينا ممّا هو بعيدٌ عنّا بتصوُّفه والنّعم الّتي تزيّن بها. لم يكُن صراعهُ محصورًا بمُـواجهته لعدوّ الطّبيعة البشريّة وحسب، لطالما كان يُصارعُ ذاتهُ والله، حيثُ كان يكتسبُ معرفةً أكثر عن ذاته وعن الطّبيعة الإنسانيّة مُختبراً عمل النّعمة الإلهيّة في حياته. هُنا في هذا الميدان، ندركُ رسالة ظاهرة القدّيس بيُّو الكبُّوشيّ.

يكتُبُ البادري بيُّو لمرشده الرُّوحيّ الأب بنديتّو مُطلعاً إيّاهُ على خبرته وصراعه الرُّوحيّة، وهُنا بعضًا من كلماته الّتي تُلقي الضّوء على جزءٍ من حياته الباطنيّة: “يُخيّلُ إليّ أنّني أموتُ في كُلّ لحظةٍ وأُريدُ أن أموت لكي لا أشعُر بوطأة يد الله الّتي تُثقلُ على روحي… إنّني أخافُ من مثل هذا الصّراع، إنّني أرتجفُ وأثورُ بعُنفٍ، ولكنّني أثقُ بأنّي بنعمة الله لن أقع. (…) إنّ الله يكبُرُ دائماً في عيني روحي، وإنّي أراهُ دائماً في سماء نفسي الّتي تتغلّفُ أكثر فأكثر بضبابٍ كثيف. إنّي أشعُرُ بأنّهُ قريبٌ وفي الوقت ذاته أراهُ بعيدًا، بعيدًا جدّاً. مع نُمُوّ هذه الرّغبات، يُصبحُ اللهُ أكثر إلفةً وأشعُرُ به، ولكنّ هذه الرّغبات نفسها تجعلُني أراهُ أكثر بُعداً. ما أغرب ذلك يا إلهي”.

يُعلّمُنا البادري بيُّو من خلال خبرته الّتي نقلها لنا، أنّنا نتعرّفُ على إلهنا الحيّ والقُدُّوس، بقدر دُخولنا في ميدان الصّراع الرُّوحيّ، حيثُ نُواجه نفسنا العارية، وحيثُ يغدو الرّبُّ بذاته مطلباً وحاجةً ماسّة لنا أكثر من الطّعام والشّراب.

لقد عرف البادري بيُّو طيبة الرّبّ ومحبّتهُ ورحمتهُ، وعرف أيضًا هشاشتهُ اللّامُتناهية وضُعفهُ وخطيئتهُ، فاختار التّمسُّك بحبيبِه يسوع الفقير والمـصلوب، فوجد فيه ملء التّعزية والحياة، إذ رأى هشاشتهُ الإنسانيّة مغمورةً بمحبّة الله العظيمة. لطالما قال عن نفسه “إنّي سرٌّ لذاتي”، وعلى مثال أبيه القدّيس فرنسيس الأسّيزيّ، كان يرى ذاتهُ بمثابة خاطئٍ كبير، فيما كان مغموراً بعطف الله وحنانه. لم يكُن موقفهُ هذا نتيجة تواضُعٍ مُزيّف، بل كان امتنانًا حقيقيًّا على نعمة الله الّتي تُعطى دون استحقاقٍ منّا.

لم يُرد لحظةً أن يكون ظاهرةً تُلفتُ الأنظار، جُلّ ما أرادهُ أن يتّحدَ بيسوع حُبًّا، وعندما سُئِلَ ماذا تقولُ عن نفسك، أجاب: “أنا راهبٌ كبّوشيٌّ بسيط، يُصلّي”. علّنا اليوم على مِثالِه نُجاهدُ الجِهاد الحَسن، فَنُمعِنَ في الصلاة، رغم كلّ صراع، رغبَةً مِنّا أَن نَتَّحِدَ بربّنا وإلهنا يسوع الّذي أحبّنا وافتدانا وأحيانا.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/channel/UCWTL4VXQh38PrPBZvVSZGDQ

شكراً لزيارة موقعنا وقراءة البادري بيُّو ومُصارعةُ الله. ندعوك لمشاركته مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت، وأن يعطيك نعمة القداسة لكي تكون ملحاً للأرض ونوراً لعالم اليوم!