تابعونا على صفحاتنا

مقالات

في القيل والقال

Provided by: Brooke Cagle / Unsplash

موقع Allah Mahabba  في القيل والقال

                اعتادَ إِنسانُ اليَوم على مُتابَعَةِ مُجرَياتِ الأَحداث وَكُلّ جَديدٍ مِن واقِعِ الحَياةِ العامَّة مِن خِلالِ وَسائِلِ التَّواصُلِ المـَرئِيَّة مِنها وَالمـَسموعَة بِالإِضافَةِ إِلى وَسائِل التَّواصُل الإِجتِماعيّة الأُخرى، فيها نَسْمَع وَنَرى الحَدَثَ الواحِد وَالمـَعلومَة الواحِدَة، مِن عِدَّةِ جَوانِب وَوجُهاتِ نَظَرٍ مُختَلِفَة، فَيَحارُ بِنا العَقل لِنَسأَلَ عَن المـَعايير وَالمـَقاييسِ الَّتي اعتُمِدَت كَيما تُقرَأ بِطُرُقٍ مُتَناقِضَة، حتّى يَبقى الإِلتِباسُ حاضِراً؟ هذا أَيضاً يَنطَبِقُ على عَلاقاتِنا الشَّخصِيَّة، وَنَلحَظَهُ بِوضوحٍ عِندَما يُنقَلُ كَلامٌ عَنَّا أَو إِلَيْنا، لِنَكتَشِفَ بَعدَئِذٍ تَحريفَهُ وَتَأويلَهُ فَتُصبِحُ المـَقاصِدُ بَعيدَةً عَنْ غايَتِها إِذا ما غابَ المـَعنِيُّ في الأَمرِ عَنْ تَفسيرِها، وَعِندَها نَغدو أَمامَ مُعضِلَة الفَهم الخاطِئ وَالتَّفسيرِ الخاطِىء، وَذَلِكَ مِن جَرَّاءِ “القيل وَالقال”.

                إِذا عُدنا وَتَوَقَّفنا أَمامَ أَسبابِ مُجمَلِ المـَشاكِلِ العالِقَة بَينَ الأَشخاصِ وَالجَماعات وَالمـُجتَمَعاتِ، نَجِدُ أَنَّ لِلكَلامِ فيها دَوراً رائِدًا، وَذَلِكَ عِندَما يُنتَقَصُ مِنهُ المـَعنى وَالمـَقصَد الحَقيقيّ، وَالخَطيئَةُ وَالشَّرُّ يَكمُنانِ عِندَما يَكونُ الفِعلُ مَقصوداً. يُعلِّمُنا الرَّبَّ يَسوع الصِّدقَ في الكَلامِ، مُبَيِّناً الأُسلوب الَّذي يَمْنَع وَيَحُدُّ الإِلتِباس بِقَولِهِ: “فَليَكُن كَلامُكُم: نَعَم نَعَم، وَلا لا. فما زاد على ذَلِكَ كانَ مِنَ الشّرّير” (متّ 5: 37). الإِلتِزامُ بِتَعليمِ يَسوع، يُرَتِّبُ عَلَيْنا أَن نأَخُذَ بِالإِعتِبار مَوضوعَين أَساسِيَّين: أَوَّلًا مُساءَلَة أَنفُسِنا عَن المـَقصَد الَّذي يَدفَعُنا إِلى التَّكَلُّم، هَل يَحتَوي على الصِّدقِ وَالإِفادة في الخَير كَفِعلِ مَحَبَّة، أَمْ يَنحَرِف باتِّجاهِ الشّرّ وَالإِساءَة وَالكَذِب؟ ثانِياً، انتِقاء تَعابير كَلامنا بِأُسلوبٍ بَسيطٍ وَموجَز يَحتَوي على الوضوحِ وَالصّدق، كَما وَالتَّأَكُّد مِن إِيصالِ المـَقصَد الصَّحيح. يَنصَحُنا القِدّيس بولُس قائلاً: “لا تَخرُجَنَّ مِن أَفواهِكُم أَيَّةُ كَلِمَةٍ خَبيثَة، بَلْ كُلُّ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ تُفيدُ البُنيانَ عِندَ الحاجَة وَتَهَبُ نِعمَةً للسَّامِعين” (أَف 4: 29).

                على ضَوءِ ما تَقَدَّم، نَكتَشِفُ أَنَّ الثَّرثَرَة هيَ سَمٌّ قاتِلٌ يَنتَشِرُ في أَوساطِ الإِنسانيّةِ على كُلّ المـُستَوَيات. هيَ رَذيلَةٌ تُعَبِّرُ عَنْ فَراغِ القَلبِ الَّذي أَضاعَ المـَعنى المـُتَأَتّي مِنَ الحَقِّ وَالمـَحَبَّة. تَجَنُّبُ الثَّرثَرَة لا يَعني انعِدامَ الكَلامِ وَكَبتِ المـَشاعِرِ وَالأَفكار، وَلا هوَ في الهُروبِ مِنَ المـُحادَثَةِ مَعَ النَّاس، هوَ يَكمُنُ في الإِصغاءِ وَالتَّأَمُّل. مَن يُصغي جَيِّدًا، يُفَكِّرُ جَيِّدًا، وَمَنْ يَتَأَمَّل جَيِّدًا، يُصَلِّي جَيِّدًا، وَبَعدَها يَنتَقي مِنَ الكَلامِ عِندَ الحاجَةِ ما يُفيدُ البُنيان. مَنْ لا يَترُكُ في حِواراتِهِ وَأَحاديثِهِ فُسحَةً لِلصَّمتِ الفاعِلِ لِيَعمَلَ الرُّوحُ القُدُس فيها، يَبقى عُرضَةً للإِنفِعالِيَّة، فَيَنطِق لِسانَهُ بِما يُملى عَلَيْهِ مِنَ الرَّذائِلِ، بَيْنَما مَنْ يَنعَمُ بِصَمتِ القَلبِ المـُصغي وَالمـُصَلّي، لا يُجاري أَهواء الشَّرِّ وَالخَطيئَة.

                يَقولُ القدّيس يَعقوب في رسالَتِهِ: “اللِّسانُ لا يَستَطيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَن يَقهَرَهُ. إِنَّهُ بَلِيَّةٌ لا تُضبَط، مِلؤُهُ سَمٌّ قاتِل، بِهِ نُبارِكُ الرَّبَّ الآبَ وَبِهِ نَلعَنُ النَّاسَ المـَخلوقينَ على صورَةِ الله. مِن فَمٍ واحِدٍ تَخرُجُ البَرَكَةُ وَاللَّعنَة. فَيَجِبُ يا إِخوَتي أَلَّا يَكونَ الأَمرُ كَذَلِكَ. أَيَفيضُ اليَنبوعُ بِالعَذبِ وَالمـُرِّ مِن مَجرًى واحِد؟” (3: 8 – 11).

                مَن مِنَّا لَمْ يُصَبّ وَيُصِب أَزِيَّةً مِنَ الثَّرثَرَةِ وَالقيلِ وَالقال؟ كُلُّنا عُرضَةً لِهَذِهِ التَّجرُبَة الفَتَّاكَة الّتي تأخُذُ طابِعَ العادّة، وَلَكِن أَن نَعرِفَها وَنَبقى مُنغَمِسينَ فيها، هوَ لَشَرٌّ مُطلَق، لِذَلِكَ طوبى لِمَن يَلهَجُ بِكَلِمَةِ اللهِ لَيلاً وَنَهارًا، فَيُؤتي مِنْ أَعمالِ المـَحَبَّةِ كَلامَ حَياةٍ تُصغي إِلَيْها الأَنام.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/channel/UCWTL4VXQh38PrPBZvVSZGDQ

شكراً لزيارة موقعنا وقراءة: “في القيل والقال” لمشاركته مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت، وأن يعطيك نعمة القداسة لكي تكون ملحاً للأرض ونوراً لعالم اليوم!