تابعونا على صفحاتنا

مقالات

على هامش الإنتخابات، كلمة للطوباويّين الجديدَين الأخ توما صالح والأخ ليونار عويس ملكي الكبّوشيّين

Provided by: static.tayyar.org

ما بين منابر المـرشّحين وساحات النّاخبين، خطاباتٌ رنّانةٌ ومشاعر جيّاشة، تأخذ مواضيعها من الواقع المـعيشيّ المذري، أمّا عناصرها الأساسيّة تكمن في رشق التّهمّ، ليبقى الخصم في السّياسة عند الشّريحة الأكبر، بمثابة عدوٍّ لا مواطنٍ وشريك، ويدور الصّراع دورته حول السّلطة والنّفوذ حفظاً على فائض القوّة، لا على المـواطنة ولا على قيام دولةٍ بمؤسّساتها ولا على سيادة أرضٍ ووطن حياديٍّ مستقلٍّ وحرّ، لِيُقَدّمَ الشّعب ضحيّةً مرّةً أُخرى على مذبح وطنٍ يتلاشى من الوجود.

ما بين عظات المـرسلَين الشّهيدَين الكبّوشيّين الأخوين توما وليونار وواقعِ حال المـسيحيّين المـضطهَدين عناقُ محبّةٍ بين الرّعاة والرّعيّة، ومصيرٌ واحدٌ يأخذ معناه من مصير المـعلّم الإلهيّ الرّبّ يسوع. في حقل الرّسالة بعيدًا عن أرض الوطن عاشا الأخوَين المـُرسلَين رسالتَهما في نشر تعليم الإنجيل بغيةَ عيشِ السّلام والمحبّة وصنع الخير وإعلاء كرامة الإنسان، وهنا على أرض الوطن ينشر السيّاسيّون سَمَّ الفراق والخلاف، ويبثّون المـزيد من روح الحقد والنّفاق. من لا يحمل كلمة الله في قلبه وضميره، لا يستطيع البتّة أن يقول الحقّ ويشهد له. من لا يحبّ الخير العام، ويعليه شأناً على خيره الأَنانيّ الخاصّ لا يستطيع أن يكون أمينًا على أصوات الصّارخين والباكين: المـتألّمين والجائعين والمـتروكين… .

لم يكن الواقع السيّاسيّ الّذي عاشاه المـرسلَين الكبّوشيَّين في بلاد ما بين النّهرين بعيدٍ عن واقع حالنا اليوم، صحيحٌ أنّ الشّكل الخارجيّ يختلف بطابعه ويتّسم بالحرب الكونيّة الأولى، لكنّ معاطاة أركان النّظام ومتبوّئيّ كراسي السّلطة يتسّمون بالفكر عينه الإستغلاليّ والمـضلّل، مثلما طموحات الشّباب الواعد هي نفسها تريد التّطوّر والتّغيير. هذا ما نقرأه في رسالة الأخ توما صالح الرّابعة لخادمه العام (AGC, H72, IV, 1910 – 1922, 11):

”… لا يمكن للمرء أن ينفي أنّ الفتيان الأتراك عطاشٌ إلى التّطوّر، وأنّهم يسعون إلى إقامة روابط وعلاقات أكثر صداقة وأخوّة بين مختلف العناصر، وإلى خنق براعم الحقد، الّتي تُسيء إلى الّذين يغذّونها وإلى الّذين تطالهم. إنّما يستحيل على القوّة العنيفة لحكومة ملحدة أن تستطيع تحقيق مشروعٍ كهذا وإعطاء السّعادة، أقلّه هنا، إلى عالمٍ متألّمٍ منذ زمنٍ طويلٍ جدّاً. (…) هناك عائقٌ كبير، وهو انعدام قوّة معنويّة قادرة على إعطاء شكلٍ جديد وأفضل للبشريّة “المـقيمة في الظّلمات وظلال المـوت” وعلى تجديد روح الشّعب“.

وإذا سألنا الأخ توما كاتب هذه الرّسالة، من أَينَ نأتي بِالعلاج لواقع حالنا المـذريّ هذا؟ يتابع فيقول:

”وحده الإيمان الكاثوليكيّ قادرٌ على إعطاء هذا الشّكل الأفضل والسّعادتين، لأنّ شعاره هو: “فلنحبّ بعضنا بعضًا”، لا كشعار الغرباء (السّياسيّون) عنه: “فلنستغلّ بعضنا بعضاً”. لكي يتغيّر العالم، يجب تغيير العادات، لأنّ الحبّ المـتبادل لا يُفرض فرضاً“.

على وقع كلماته النّبويّة هذه لأيّامنا نسأل أنفسنا كيف لنا أن نعيش المـحبّة كفعلٍ في ممارستنا لحقّنا الدّيمقراطيّ في الإنتخابات؟ ليس المـطلوب هنا أن نكون كاثوليكيّين بالمـعنى الحصريّ والمـباشر للكلمة، بل علينا أن نتحلّى بروح محبّة المـسيح الشّاملة، والمـقرونة بالحقّ والعدل والحرّيّة، فمن دون هذه القيم الإنجيليّة، لا يُبنى الوطن. ومن دونها نبقى في سجن العادات الخاطئة والمـضرّة، من يريد حقّاً البُنيان، لا تقوم حملته الإنتخابيّة على منطقٍ إلغائيّ، ولا يقوم اختياره على انحيازٍ أعمى لزعيمٍ ولحزبٍ وتيّار، بل على مشروع بناء دولةٍ سيّدة، نزيهة، حرّة ومستقلة ومزدهرة. إنّ الإنحياز المـطلق للخير العام وللحقّ بروح العدل والحرّيّة والمـساواة بين جميع المـواطنين، يهدف إلى عيش المـحبّة، ويعني في طيّاته الحياد النّاشط الّذي يبدّي مصلحة الوطن والمـواطن على مصالح الدّول الخارجيّة المـتناحرة.

يقول لنا الأخ ليونار الكبّوشيّ في رسالته التّاسعة إلى خادمه العام (AGC, H 72, IV, 1910 – 1922, 30 (:

لا يسعنا أن نتذمّر كثيراً، على الرّغم من وجود تهديداتٍ عديدة. في كلّ الأحوال، وضعنا ذواتنا كلّيّاً، بين يدي الله. فلتكن مشيئته القدّوسة“. إِذاً بدلاً من التّذمّر، علينا أن نميّز بدقّةٍ لنختار دائمًا مشيئة الله الّتي تتجلّى في الخير العام، وفي حفظ كرامة الإنسان وَحرّيّته، وعلينا أن نضع ذواتنا بين يدي الله، ونحن واثقين أنّه لن يخيّب آمالنا، طالما اخترتنا المـحبّة على الحقد، والوحدة على التّفرقة… والخير العامّ على الخير الأنانيّ، والوطن على كلّ الأوطان البديلة والثقافات الغريبَة.

وأنت تختار، دع صوت الله في الفقراء والمـتألّمين والمـهجّرين من أبناء وطنك يخاطب قلبك. تذكّر معاناتهم وتطلّع إلى معاناة وَطنِك وأسبابها، واختر الحياة لا المـوت، الخير المـمكن والأفضل، لا أهون الشّرّين… .

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/channel/UCWTL4VXQh38PrPBZvVSZGDQ

شكراً لزيارة موقعنا وقراءة مقالَة “على هامش الإنتخابات، كلمة للطّوباويّين الجديدَين الأخ توما صالح والأَخ ليونار عويس ملكي الكبّوشيَّين”. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت، وأن يعطيك نعمة القداسة لكي تكون ملحاً للأرض ونوراً لعالم اليوم!