موقع Allah Mahabba – الكنيسة بطبيعتها سينودسيّة
ممَّا لا شكَّ فيه، أنَّنا اليوم ككنيسة، مدعوّون إلى إزالة غبار الرتابة والكسل عنَّا والانطلاق نحو التجدُّد بدفْعٍ من الروح القدس وقوَّة نعمته الفاعلة في الكنيسة. إنّه روح القوَّة الذي يجدّد كالنسر شبابَها (را. مز 103: 5) ويطلقها لتتميم رسالتها في عالم اليوم المتخبّط في ذاته، الذي يفضّل العَيْش في العزلة والانغلاق بدل الانفتاح والحوار والانطلاق نحو الآخر المختلف، والذي يعلي الفردانيَّة على العلاقات وعلى المجمعيَّة… غير أنَّ هذا التجدُّد يقرع اليوم باب الكنيسة من خلال السينودسيَّة. إنها حقًّا عطيَّة الله بقوَّة الروح القدس لشعبه، أي الكنيسة، لتكون السينودسيَّة الجوابَ الشافيَ على تساؤلاتنا.
لا بدَّ لنا أوَّلًا من أن نوضح، أنَّ هذه العطيَّة، أي السينودسيَّة، ليستْ أمرًا جديدًا أو مستجدًّا على الكنيسة، بل هي من طبيعتها وجوهرها. ويمكننا القَوْل، بخاصَّة في كنيستنا المارونيَّة الشرقيَّة، إنَّ السينودسيَّة هي التي تُكوّن الكنيسة وتجعلها واحدًا، من خلال المؤسَّسة البطريركيَّة وشكلها المجمعيّ وعلاقتها مع سينودس الأساقفة. هنا يبقى السؤال، كيف يمكننا أن نفهمَ أو نعيَ أنَّ الكنيسة هي بطبيعتها سينودسيَّة؟
كي ندخلَ في عمق الإجابة، لا بدَّ لنا من العودة إلى الكتاب المقدَّس والتقليد لنفهمَ كيف تكشف الكنيسة عن نفسها من خلال السينودسيَّة، وفي الوقت ذاته كيف تكوّن نفسها كـشعب الله السائر على طريق الحجّ وتعيش في المجمعيَّة التي يدعو إليها الربّ القائم من بين الأموات.
يظهر لنا كتابُ أعمال الرسل في أوَّل تحدٍّ جدّيّ وحاسم للكنيسة الأولى (را. أع ١٥: ٤-٢٩)، كيف أنَّها، من خلال أسلوب التمييز الجماعي والرسولي الذي هو تعبير عن طبيعة الكنيسة ذاتها، سرّ الشركة مع المسيح في الروح القدس، استطاعت تخطي المعضلة المطروحة آنذاك. لهذا السبب، لا يمكننا اعتبار السينودسيَّة مجرَّد إجراء عمليّ للكنيسة، بل هي الشكل الخاص الذي تعيش فيه الكنيسة وتعمل، إنها طبيعتها.
تتجلَّى هذه الحقيقة أيضًا بوضوح في المجمع الفاتيكاني الثاني، وبشكلٍ خاص في الدستور العقائدي نور الأمم، الذي يضع “الشركة” كرؤية لطبيعة الكنيسة ورسالتها. إنَّ الكنيسة هي شعب الله، جسد المسيح السريّ، الذي يتألَّف من أعضاء كثيرة، ولكن بوحدة وبشركة. ألا نعبّر عن هذا في إيماننا حين نعترف بأنَّ الكنيسةَ واحدة، جامعة، مقدَّسة، رسوليَّة؟
إذًا من خلال السينودسيَّة، تكشف الكنيسة عن نفسها وتكوّن نفسها كشعب الله السائر في الحجّ عبر التاريخ نحو الوطن السماوي.
هذا ونفهم السينودسيَّة كبُعدٍ تأسيسيّ للكنيسة على مستويَيْن، شخصي وجَماعي، يتمُّ الدمج بينهما بتوازن دقيق. في البُعد الشخصي، كلّ عضو في الكنيسة له كرامته ومكانته ودوره وموهبته الخاصَّة في جسد المسيح لبنْيانِه. ولهذا السبب، لا يمكن لأحدٍ غيره أنْ يملأَ هذا المكان. فالجسد بحاجة إلى كلّ عضو فيه ليكون جسدًا ويعمل في وحدة وتناغم وشركة. أمَّا المبدأ الثاني فهو الهيكليَّة المجمعيَّة لممارسة السلطة كخدمةٍ في الكنيسة وإدارة مؤسساتها، إنْ كان من خلال سرّ الكهنوت (الأساقفة والكهنة)، أم من خلال المجالس واللجان والفرق بمشاركة جميع الأعضاء فيها. على مستوى الرعية مثلًا يساند المجلس الرعوي واللّجان الأُخرى لمساندة الكاهن في إدارة شؤون الرعية. هكذا يشترك شعب الله، بشكل سينودسي، في عمليَّة بناء الكنيسة. لذلك من الضروري العمل بتناغم وتنسيق مطلَق وعدم بناء تعارض بين المبدأين، أو مفاضلة واحد على الآخر، لأنَّ تاريخ الكنيسة يعلّمنا من جهة، أنَّ الانحياز إلى مبدأ واحد يؤدي دائمًا إلى عدم التوازن، ومن جهة أُخرى، إلى ممارسة التسلُّط بدل الخدمة، إنْ من جهة الأساقفة والكهنة أم من جهة العلمانيّين في الكنيسة.
تابعوا قناتنا
https://www.youtube.com/allahmahabbaorg
شكراً لزيارة موقعنا وقراءة “الكنيسة بطبيعتها سينودسيّة”. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضىء بوجهه عليك ويرحمك وليمنحكم السّلام!