تابعونا على صفحاتنا

مقالات

التّعاون والشركة

التّعاون والشركة

موقع Allah Mahabba – التّعاون والشركة

لقد تعوَّدْنا في حياتنا الراعويّة، وخصوصًا بعد انعقادِ المجمعِ الفاتيكانيِّ الثاني، عَيْشَ مفهومِ تعاونِ العلمانيّين ودوْرِهم المهمِّ في حياة الكنيسة، غير أنّ هذا التعاونَ في معظم الأحيان، لم يُؤَدِّ دورَه الحقيقيَّ والفعّال، لأنّه لم يَستندْ إلى رؤيةٍ واضحةٍ للمعاني اللاهوتيّةِ والكنسيّة والروحيّة والرعويّة، لمفهومِ الشركةِ البعيدة كلّيًّا عن الانفراديّة ونزعة الانعزال والوَجاهة والزَّعامة والحِسابات البشريّة الضيّقة… والّذي يشوّهُ سرَّ الكنيسة ويُضِرُّ بحياتِها ورسالتِها. وفي مختلِفِ الأحيانِ، حتّى في قلب الرعيّة الواحدة، هذا التعاونُ يشتاق إلى التواصل والاتّصال بين مختلِف مكوِّناتِ الرعيّةِ والهيئاتِ المتعدّدة في الأبرشيّة، بينما يؤدّي الانفتاح والتواصل والاتّصال إلى الشركة المَرجُوّة.

فجاء هذا السينودسُ ليدعُوَنا إلى التفكير معًا، والعودةِ إلى سرّ الشركة الثالوثيّة. فالكنيسةُ هي سرُّ الشركةِ “شركة كلِّ مؤمنٍ شركة لاهوتيّة وثالوثيّة مع الله الآب والابن والروح القدس، والّتي تفيضُ فتحقِّقُ شركةَ المؤمنين في ما بينَهم، فتجمعُهم في شعبٍ واحد” (الرسالة الراعويّة لبطاركة الشرق الكاثوليك، سرّ الكنيسة، 18). وتتأصّل هذه الشركةُ في سرّ الثالوث الأقدس “فالكنيسةُ الجامعة شعبٌ واحد يستمدُّ وحدتَه من وحدة الآب والابن والروح القدس”. (دستور عقائديّ في الكنيسة، 4).

اللهُ هو نبعُ الشركة، والكنيسةُ هي أداتُها، ففي عمل الروح القدس الفاعلِ فيها وبواسطتها تتحقّقُ شركةُ المؤمنين مع الله وفي ما بينَهم. ففي وسط التمايزِ والتكاملِ بين أعضاءِ الكنيسة العلمانيّين والإكليروس والمكرّسين، كلٌّ له هويّتُه ودعوتُه المتكاملةُ مع الآخرين، “إنّ المؤمنين جميعًا بقوّة تَجدُّدِهم في معموديّة المسيح، يتمتّعون بكرامةٍ متساوِيَة، كلُّهم مدعوّون إلى القداسة وكلُّهم يساهمون في بناء جسد المسيح الواحد، وكلٌّ حسبَ دعوتِه والمواهبِ الّتي نالها من الرّوح. هذه الكرامةُ المشترَكةُ بين جميع أعضاءِ الكنيسة، هي من عملِ الروح، وترتكزُ على المعموديّة وعلى التثبيت. ونجدُ لها دعامةً في الإفخارستيّا، ولكنّ التعدُّديّةَ هي أيضًا من عمل الروح الّذي يجعل من الكنيسة أُسرةً عُضويّةً في تنوُّعِ الدعواتِ والمواهب والخِدَم (الحياة المكرّسة رقم 31).

​فمشاركةُ جميعِ فئاتِ الكنيسة في الرسالة الواحدة، تَقتَضي الانفتاحَ المتبادَل، فوجودُ عدّة هيئاتٍ وجماعاتٍ ولِجانٍ في الرعيّة الواحدة، أو في الأبرشيّة، هو بحدِّ ذاتِه علامةُ حيويّةٍ وغنى، شرطَ أن يتمَّ التنسيقُ والتعاونُ من أجل العمل المشترَك، بعيدًا عن الأفكار المسبَقة والخصوماتِ والانقسامات. ويجدُ هذا التعاونُ طابعًا ملموسًا وعمليًّا بروح الشركة لاتّخاذِ المبادراتِ المشترَكة للمشروعِ الواحد، ولخيرِ الرعيّة بأكملِها. وهذا، على سبيل المثالِ لا الحصر، عملُ المجلسِ الرعويِّ الّذي لا ينفِّذ قراراتِ الكهنة، ولكنّه، بروحِ الشركةِ، يلتئم ويفكِّر ويخطِّط وينفِّذ بروح الانفتاح، ساعِيًا إلى الوحدة في الهدف، والتوافقِ في الأسلوب، والتكافؤِ في القدرة والصفاتِ المتعدّدة، إنّه صورةٌ مصغَّرةٌ لعَيْشِ روحِ الشركة في قلب الرعيّة. هذه الشركةُ الكنسيّةُ الّتي تتمتّع ببُعدَيْن عَموديٍّ وأفقيّ. البعدُ العَموديُّ يتجسّدُ بشركة الإيمان (2قور13/12) والبعدُ الأفقيُّ هو الشركة الداخليّة، ومسيرةُ التوبةِ والنورِ الّتي يعيشُها المؤمنُ والجماعةُ معًا (1يو1/7). (البطريرك بشارة بطرس الراعي، كونوا خبراءَ الشركة، 2).

بهذينِ البُعدَينِ نفهمُ الشركةَ البعيدةَ كلَّ البُعدِ عن الانغلاقِ على الذات، والمتجلّيةَ بالانفتاحِ على حياة الله وحياةِ الإنسان. هذا يعني “أن نستقبلَ الكنيسةَ بكاملِها فينا، وأن نتركَها تستقبلُنا في داخلِها، عندها يستطيعُ الروحُ القدسُ، روحُ الوحدةِ والحقيقة، أن يكمِّلَ عملَه في قلوب النّاسِ ونفوسِهم، لِحَثّهِم على التلاقي والاستقبالِ المتبادَل” (عظة البابا بنديكتوس السادس عشر في عيد العنصرة، 2012).

لن نعيشَ الشركةَ، ونحن منغلقون على أنفسِنا، ولكنْ نكبرُ فقط، بالشركة، عندما نصبحُ قادرين على الإصغاءِ والمشاركةِ بحبٍّ وبنسيانِ الأنا.

​دعوةٌ لنا من الكنيسة، أن نجسّدَ هذه الشركةَ في عملِنا الرعويِّ عبرَ سلسلةِ أفعالٍ “نتذكّر، نعيش، نقدِّر، نختبِر، نفحص، نعتمِد، نُعيد ونعزِّز…” (الوثيقة التحضيريّة للسينودس،2).

​لذلك ينبغي في حياتِنا الكنسيّة، العملُ الدائمُ على تعزيز الروحانيّةِ وتطويرِ المهارات، وإذكاءِ الوعْيِ في أنّ عملَنا الرعويَّ هو أكثرُ من تعاون، إنّه شركةٌ، ومن دونِها لا إمكانيَّةَ لوجودِ الشهادة. هذه الشركةُ هي حياةُ الله نفسُها الّتي تعطي ذاتَها عبرَ الروحِ القدسِ من خلال يسوعَ المسيح. إنّها إذًا عطيّةٌ، وليست أمرًا نستطيعُ بناءَه بقِوانا الذاتيّة، عطيّةٌ علينا أن نستقبلَها بروح الصلاةِ والتوبة، وأن نعيشَها بروحِ المشاركةِ والرسالة.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/allahmahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا وقراءة ” التّعاون والشركة “. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضىء بوجهه عليك ويرحمك وليمنحكم السّلام!