موقع Allah Mahabba – خميس تقديس البيعة وتجديدها
الرسالة إلى العبرانيّين 10: 32 – 36
يا إِخوَتي، تَذَكَّرُوا الأَيَّامَ الأُولى، الَّتي فيهَا ٱسْتَنَرْتُم، وَصَبَرْتُم عَلى الآلامِ في جِهَادٍ طَوِيل،
وصِرْتُم تَارةً مَشْهَدًا في ٱحْتِمَالِ التَّعْيِيرِ والضِّيقَات، وتَارةً شُرَكَاءَ لِلَّذِينَ ٱحْتَمَلُوا مِثْلَ ذلِكَ.
فقَدْ شَارَكْتُمُ الأَسْرَى في آلامِهِم، وتَقَبَّلْتُم بِفَرَحٍ نَهْبَ مُقْتَنَيَاتِكُم، عَارِفِينَ أَنَّ لَكُم مُقْتَنًى أَفْضَلَ وأَبْقَى.
إِذًا فلا تَتَخَلَّوا عَن ثِقَتِكُم، فإِنَّ لَهَا ثَوابًا عَظِيمًا.
وأَنْتُم بِحَاجَةٍ إِلى ثَبَات، لِتَعْمَلُوا بِمَشِيئَةِ الله، فَتَنَالُوا الوَعْد.
فبَعْدَ قَلِيلٍ قَلِيل، سَيَأْتِي الآتِي ولا يُبْطِئ.
أَمَّا البَّارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا، وَإِنِ ٱرْتَدَّ فلا تَرْضَاهُ نَفْسِي!
أَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا أَبْنَاءَ ٱرْتِدَادٍ لِلهَلاك، بَلْ أَبْنَاءُ إِيْمَانٍ لِلخَلاص.
إنجيل القدّيس يوحنّا 17: 20 – 23
قالَ الرَبُّ يَسوع: “يا أبتِ، لا أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ هؤُلاءِ وَحْدَهُم، بَلْ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الَّذينَ بِفَضْلِ كَلِمَتِهِم هُمْ مُؤْمِنُونَ بِي.
لِيَكُونُوا كُلُّهُم وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ فيَّ، يَا أَبَتِ، وأَنَا فِيك، لِيَكُونُوا هُم أَيضًا وَاحِدًا فِينَا، لِكَي يُؤْمِنَ العَالَمُ أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي.
أَنَا وَهَبْتُ لَهُمُ المَجْدَ الَّذي وَهَبْتَهُ لي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا نَحْنُ وَاحِد.
أَنَا فِيهِم، وأَنْتَ فيَّ، لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ في الوَحْدَة، فَيَعْرِفَ العَالَمُ أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي، وأَنَّكَ أَحْبَبْتَهُم كَمَا أَحْبَبْتَنِي”.
التأمّل
”لِيَكونوا كُلُّهُم واحِدًا، كَما أَنَّكَ أَنتَ فِيَّ، يَا أَبَتِ، وَأَنا فيكَ“
في عالَمٍ تَسودُهُ الإِنعِزالِيَّةُ وَالفَردانِيَّةُ في أَنماطِ العَيش، مِن حَيثُ صارَ الإِنسانُ مُنطَوِيًا عَلى ذاتِه، مُكتَفِيًا مِن حَيثُ المـُلكِيَّة وَحارِسًا لَها، لِئَلَّا يَضيعَ مِنها شَيء، فَيَفقِدَ أَمنَهُ وَراحَتَهُ. في هذا العالَمِ لَم يَعُد لِلحَياةِ الجَماعِيَّةِ مِن رَونَق، لَقَد افتَقَدَت أَسمى مَعانيها، صَار الإِنسانُ هارِبًا في وَحدَتِهِ وَخائِفًا مِنَ الأُخُوَّةِ وَالجماعَة. صارَت الحَياةُ الإِنسانِيَّة وَبُصورَةٍ خاصَّة الإِجتِماعِيَّة-العَلائِقِيَّة، تَلَطٍّ وَراءَ وَسائِلِ التَّواصُل، وَهَكَذا بُنِيَ الجِدارُ في العَلاقاتِ المـُباشَرَة. إِلى صُلبِ هذا الواقِع تُوَجَّهُ كَلِماتُ يَسوع، لِتُعيدَ تَرميمَ وَبِناءَ المـُجتَمَعِ الإِنسانيّ عَلى المـَحَبَّةِ الَّتي تُظهِرُ كَرامَةَ الشَّخصِ البَشَريّ. مَشيئَةُ الإِبنِ الوَحيد أَن نَكونَ بِأَسرِنا وَاحِدًا، مِن دونِ انتِفاءِ التَّمايُز، بَل واحِدًا وَإِن كُنَّا كَثيرين، وَإِن كُنَّا مُتَنَوِّعينَ عَلى شَتَّى الصُّعُدِ وَالمـُستَوَيات. أَرادَ يَسوع أَن نَكونَ كُلُّنا واحِدًا بِالمـَحَبَّة لإِسقاطِ الجِدارَ الفاصِل فيما بَينَنا. القُوَّةُ تَكمُنُ في الوَحدَة، وَالمـَحَبَّةُ تَكمُنُ في الوَحدَة، فَمَن كانَ مِنَ اللهِ يَجمَعُ بِالمـَحَبَّةِ وَلا يُفَرِّق.
يَا بُنَيَّ، إِنَّ أَجمَل وَأَسمى ما يَختَبِرُ الإِنسانُ في حَياتِهِ عَيشَ المـَحَبَّةِ في العَلاقَةِ مَعَ الآخَر، وَهَذِه لا تَتَحَقَّقُ بِأَسمى أَبعادِها الرُّوحِيَّة مِن دونِ اللِّقاءِ وَالإِتِّصالِ المـُباشَر. الوُجوهُ أَوطانٌ لا بَل أَكوانٌ في حَدِّ ذاتِها، هِيَ عالَمٌ يَستَدعي البَحثَ وَالإِستِكشافَ وَالاندِهاش. الأَصواتُ وَالكَلِماتُ وَالأَفعالُ وَالحَرَكاتُ كُلُّها تُحَفٌ بِإِمكانِكَ أَن تَتَمَتَّعَ بِرُموزِها الَّتي تَقودُكَ إِلى أَعماقِ أَعماقِ أَسرارِ الحَياة. إِنِّي أَدعوكَ اليَومَ لِكَي تَبحَثَ في عَلاقاتِكَ عَن نِقاطِ التَّلاقي، وَهيَ كَثيرَة. أَدعوكَ لِكَي تَنسُجَ عَلاقاتٍ تَبني الإِنسانِيَّةَ عَلى القِيَمِ الَّتي تُؤَصِّلُ الإِنسانَ في هُوِيَّتِهِ وَتَدفَعُهُ لِمُلاقاةِ الإِنسانِيَّةِ بِشَتَّى أَوجُهِها وَأَشكالِها. لا تَسمَح لوَسائِلِ التِّكنولوجِيَّةِ أَن تَستَعبِدَكَ، وَإِن كانَ فيها الكَثيرِ مِنَ الصِّفاتِ المـُمَيَّزَة، لا بَل إِسمَح لِنَفسِكَ أَن تَعودَ إِلى أَصالَتِها، إِلى عَفَوِيَّتِها وَسَذاجَتِها، لِذَلِكَ تَخَطَّ سِجنَكَ الكَبير، وَقُضُبانَهُ المـَخفِيَّة وَراءَ تِلكَ الوَسائِل، وَامضِ إِلى لِقاءِ أَخيكَ الإِنسانَ وَجهًا لِوَجه. إِسمَح لِنَفسِكَ أَن تَسمَعَ صَوتي عَبرَ حاجاتِ الآخَرين. لَقَد صَلَّيتُ لِكَي تَكونوا بِأَجمَعِكُم وَاحِدًا، كَيما تَكتَشِفوا مَعًا مَعنى الأُخُوَّةِ الحَقَّة.
مَن أَرادَ حَقيقَةً أَن يَعيشَ الإِنجيل، عَلَيهِ أَن يَعودَ أَدراجَهُ إِلى حَيثُ شُوِّهَت عَلاقاتُهُ بِالآخَرين، وَعَلَيهِ أَيضًا أَن يُقَيِّمَ أَهَمِّيَّةَ التَّضامُنِ وَالتَّعاضُدِ مَعَ الآخَرين. كُلٌّ مِنَّا يُريدُ أَن يَأنَسَ بِآخَرٍ إِلى جانِبِهِ في وَقتِ الأَلَمِ وَالوَحدَة، وَبِالتَّالي هِيَ قَضِيَّةٌ أَن نَترُكَ كُلَّ شَيءٍ جانِبًا، أَعمالَنا، إِنشِغالاتِنا، إِهتِماماتِنا، وَحَتَّى أَيضًا جِراحَنا، عِندَما نَكونُ مَعَ الآخَرين. في عالَمِ اليَوم صارَ الإِنسانُ بِحاجَةٍ لِأَحَدٍ يُصغي إِلَيه، الكُلُّ يُريدُ أَن يَتَكَلَّم، لِأَنَّ الكُلَّ يَبحَثُ عَن أَحَدٍ يُصغي لَهُ. الكُلُّ صارَ مُتَأَلِّمًا مِن وَحدَتِهِ وَمُتَعَلِّقًا فيها في الوَقتِ عَينِه. مَن أَرادَ الإِبحارَ في وجُوهِ النَّاسِ وَأَصواتِهِم وَكَلِماتِهِم يَمضي حَقيقَةً في سَفَرٍ يَبلُغُ إِلى الله. لِيَكُن مَقصَدُكَ أَن تَكونَ أُذُنًا صاغِيَةً وَاعَمَل عَلى الوَحدَة.
رَبِّي يَسوع، أَنتَ الذَّي صَلَّيتَ لِنَكونَ بِأَجمَعِنا واحِدًا، لِأَنَّكَ أَرَدتَنا أَن نَعيشَ مَحَبَّتَكَ المـُقَدَّسَة عَن طَريقِ تَعاضُدِنا وَتَضامُنِنا مَع بَعضِنا البَعض. كُلُّ شَيءٍ باتَ اليَوم يَدعونا إِلى الإِفتِراقِ وَإِلى الإِنعِزال، أَتَوَسَّلُكَ يَا إِلَهي الحَبيب، أَن أُسقِطَ كُلَّ المـَخاوِفِ الَّتي تَعتَري قَلبي عِندَما أَمضي إِلى لِقاءِ القَريب، وَكُن أَنتَ وَحدَتَنا مَعًا، آمين.
تابعوا قناتنا
شكراً لزيارة موقعنا وقراءة تأمّل خميس تقديس البيعة وتجديدها “ليكونوا كلّهم واحدًا، كما أَنَّك أنت فيّ، يا أبتِ، وأنا فيك ”. ندعوك لمشاركة هذا التأمّل مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت، وأن يعطيك نعمة القداسة لكي تكون ملحاً للأرض ونوراً لعالم اليوم!