موقع Allah Mahabba – قُوَّةُ الخَوفِ وَضعفُ القُوَّة
لَقَد دَعانا يَسوعُ مِرارًا لِئَلَّا نَخافَ العَواصِفَ العاتِيَة، وَلا الأَلَمَ وَالمـَرَضَ وَالإِضطِهادَ وَرَفضَ الآخَرين، وَلا حَتَّى الجوعَ وَالفَقرَ وَالعَوَز، وَلا مَن يَتَوَعَّدُ وَيُهَدِّد بِقَتلِ الجَسَدِ وَلا يَستَطيعُ بَعدَ ذَلِكَ أَن يَفعَلَ شَيئًا، لَكِنَّهُ دَعانا أَيضًا لِنَخافَ مِن شَرِّ الخَطيئَةِ وَالإِثمِ وَمِنَ المـَوتِ الأَبَديّ وَهَلاكِ نُفوسِنا، وَأَن نَخافَ العَيشَ خارِجَ سِرّ مَحَبَّةِ اللهِ وَمَلَكوتِهِ.
إِنطِلاقًا مِن تَعليمِ يَسوعَ حَولَ الخَوف، نَكتَشِفُ قُوَّةَ مَحَبَّتِهِ الفاعِلَة، الَّتي تَمضي بِإِنسانِيَّتِنا مِن حُدودِها المادّيَّة إِلى ما وَراءَ حدودِ الرُّوحِ إِلى الأُلوهَة، وَنَتَعَلَّمُ أَنَّ الرَّبَّ وَحدَهُ يُحَوِّلُ ما فينا مِن خَوفٍ كِيانيّ إِلى طاقَةٍ إِيجابِيَّة روحيَّةٍ فاعِلَة، تُساعِدُنا عَلى مُقاوَمَةِ الخَطيئَةِ وَالمـَوت، لِنَعيشَ وَفقَ مَشيئَةِ اللهِ القُدُّوسَة، فَنَبلُغَ الأَفضَلَ وَالأَكمَل في المـَحَبَّة؛ فَلا أَحَدَ مِنَّا يَستَطيعُ القَولَ: أَنا لا أَخاف. كُلُّنا نَخاف، وَلَكِن أَيُّ خَوفٍ يَتَمَلَّكُنا: الخَوفُ الكيانيّ، أَم خَوفُ النِّعمَة؟!!
يُعرَفُ الخَوفُ الكِيانيّ بِتَمَحورِهِ حَولَ الأَنا الذَّاتِيَّة، لِذَلِكَ يوقِظُ في الإِنسانِ الوَعيَ القَلِق لِلبَحثِ عَن الضَّماناتِ المادِيَّةِ الصَّرف، وَإِن بِسُبُلٍ مُلتَوِيَة، لتَلبِيَةِ وَسَدّ حاجاتِ النَّفسِ وَالجَسَد، وَيُصَوِّرُ اللهَ لَيسَ بَوجهِ الخالِق المـُحِبّ الَّذي يُعنى بِلُطفٍ بِخَلائِقِهِ، بَل بِوَجهِ إِلَهٍ ظالِمٍ جَشِعٍ يُطالِبُ خَلائِقَهُ بِما أَعطاهُمْ إِيَّاه، فَعَلَيهِم تَقديمَ الذَّبائِحَ الدَّمَوِيَّة تَكفيرًا عَن إِثمِهِم الَّذي لا ذَنبَ لَهُم فيه؛ التَّدَيُّنُ الطَّبيعيّ مُؤَسَّسٌ عَلى الخَوفِ الكِيانيّ، وَلَيسَ عَلى نِعمَةِ الإِيمانِ الحَقيقيّ وَالوَحي الإِلَهيّ.
يُوَلِّد هذا الخَوف على المـُستَوى المـَعيشيّ: الهُمومَ وَالتَّذَمُّرَ وَالقَلَق، وَيَضَعُ الآخَر في مَوقِعِ العَدُو، وَيُجَرِّمُ اللهَ ظَنًّا أَنَّهُ سَبَبَ البُؤسِ وَالتَّعاسَةِ وَالأَلَم، أَمَّا على المـُستَوى الرّوحيّ فَلا عَلاقَةَ مَعَ الله، بَل مَعَ صورَةٍ مُشَوَّهَةٍ عَنهُ.
يَومَ خافَ التَّلاميذُ في العاصِفَةِ، سَأَلَهُم يَسوعُ عَن إِيمانِهِم، وَهَكَذا بَيَّنَ لَنا قُوَّةَ الإِيمان الَّذي يَأَخُذُ ضِعفَنا البَشَريّ بِما فيهِ مِن خَوفٍ، لِيَجعَلَهُ قُوَّةً صَلبَة، تُؤتينا العَزمَ وَالشَّجاعَة. وَيَومَ زَعَمَ بُطرُس أَنَّهُ لا يَهابُ المـَوتَ حُبًّا بِسَيِّدِهِ، على قاعِدَةِ غُرورِهِ الرُّوحيّ، عِندَما دُقَّتِ السَّاعَةِ ارتاعَ فَأَنكَرَهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّه أَصغى لِلخَوفِ الَّذي اعتَراهُ، وَخابَ أَمَلَهُ بِقُوَّتِهِ الشَّخصِيَّة، وَلِضِعفِ إِيمانِه.
بِدَورِهِ عَرَفَ القِدّيسُ بولُسُ الخَوفَ وَالضِّعفَ هُوَ الَّذي عُرِفَ بِقُوَّةِ شَخصِيَّتِهِ وَالَّذي تَباهى يَومًا بِأُصولِهِ العِرقِيَّة وَالدّينيّة. يَومَ التَقى بِالقائِمِ مِن بَينِ الأَموات، وَمَعَ دَيمومَةِ هَذا اللِّقاءِ في وَجهِ الكَنسيَةِ الَّتي كانَ يَضطَهِدُها وَباتَ يُبَشِّرُها، عَرَفَ قُوَّةَ اللهِ في الضُّعف، لِأَنَّهُ عَرَفَ في صَميمِ قَلبِهِ أَنَّ نِعمَةَ الإِيمانِ أَولى مِن حَرفِ الشَّريعَة، وَمِنَ الإِرادَة الذَّاتِيَّة، وَرَحمَةَ اللهِ بِيَسوعَ المـَسيح، تَجعَلُ مِنَ ضُعفِ الإِنسانِ وَخَوفِه، المـَكانَ الَّذي تَتَجَلَّى فيهِ مَحَبَّتُهُ وَقُوَّتُهُ وَعِنايَتُهُ.
إِنَّها لَنِعمَةٌ عَظيمَةٌ أَن تَلتَقي الرَّبَّ في ضعفِكَ وَخَوفِكَ، حَتَّى تَشهَدَ قائِلًا مَع بولُس الرَّسول: “فإِنِّي راضٍ بِحالاتِ الضُّعفِ والإِهاناتِ والشَّدائِدِ والاِضطِهاداتِ والمَضايِقِ في سَبيلِ المسيح، لأَنِّي عِندَما أَكونُ ضَعيفًا أَكونُ قَوِيًّا” (2 قور 12: 10)؛ “وَأَنا أَستَطيعُ كُلَّ شَيءٍ بِذاكَ الَّذي يُقَوِّيني” (فيل 4: 13).
تابعوا قناتنا
https://www.youtube.com/channel/UCWTL4VXQh38PrPBZvVSZGDQ
شكراً لزيارة موقعنا وقراءة مقالة “ قُوَّةُ الخَوفِ وَضعفُ القُوَّة ”. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت، وأن يعطيك نعمة القداسة لكي تكون ملحاً للأرض ونوراً لعالم اليوم!