أيّ كنيسة يريد يسوع لليوم؟
هي، وبكلّ بساطة كنيسة الرسل، كنيسة بطرس وإندراوس، ويوحنّا ويعقوب…
كنيسة الجماعة التي لا تملك إلّا الروح القدس والهمّ الرسولي بالذهاب الى كلِّ أصقاع الأرض وتعميد الناس باسم الآب والابن والروح القدس، وتسليمهم الإنجيل، والتأكيد بشدّة أنّ الرب معهم حتى انقضاء العالم.
الكنيسة التي تؤمن، بحسب ما قال المعلّم، أنّه غلب العالم وأبواب الجحيم لن تقوى عليها.
الكنيسة التي كان كلّ شيء مشتركاً بين أعضائها، حيث لا أحدٌ يدّعي أنّه يملك شيئاً من أجلِ ذاته إنّما من أجل الأكثر حاجة.
الكنيسة التي تنشغل فقط بالإصغاء الى الروح القدس والعمل بحسب إلهاماته والإنطلاق الى حيث يريد.
الكنيسة التي تعتبر أن الكبير فيها هو الخادم، القادرَ كيسوع أن يأتزر عدّة الخدمة ليغسل أرجل المؤمنين فيطهّرهم من خطاياهم، ويضخَّ بعروقهم حياة الله مقوياً إيّاهم بعطيّة جسده ودمه غيرَ عابئ بالموت على الصليب ألف مرّة ومرّة.
الكنيسة التي يريدها يسوع اليوم هي صورة عنه، هو الذي ما كان عنده حتى الوسادة كي يُتكئ رأسه عليها، ولكنّه لم يتأخّر لحظة بأن يستعمل الطبيعة وما فيها، ومنازل الناس ومقتنياتهم ليعلن مشروعه الخلاصيّ ويفيض نور الحقيقة في وجدانهم الإنساني.
الكنيسة التي يريدها يسوع اليوم هي صورة عنه، هو الذي طاف المدن والقرى، لا فضّة عنده ولا ذهب، يعلّم، يبشّر، يقف الى جانب الإنسان، ويدفع بسامعيه لكي يقفوا إلى جانب بعضهم البعض لأن المحبّة ليست باللسان والكلام إنّما بالأفعال والأعمال.
الكنيسة التي يريدها يسوع اليوم، هي الكنيسة التي لا تخاف أن تخسر شيئاً لأنّها لا تملك شيئاً وقلبها وعقلها وروحها متعلّقين ببناء الملكوت لأن الباقي يزاد لها.
الكنيسة التي يريدها يسوع اليوم هي كنيسة مشائيّة، مجموعة من الرحّالة، تقصد الناس حيث وجدوا لتكشف لهم نصف حقيقتهم التي يجهلوها ألا وهي أنّهم أبناء الله وأنّ لهذا خُلِقوا. الكنيسة التي يريدها يسوع هي تلك التي لا تحسب الربح والخسارة بمقاييس أهل هذا الزمان إنّما بمقياس يسوع الذي علّم بأن الربح العظيم هو أن يربح الإنسان نفسه.
الكنيسة التي يريدها يسوع اليوم هي تلك التي تقبل أن تسير مع شعبها الضائع مسيرة الصليب، فتقول، إذا ما تألّمت، “بين يديك أستودع روحي”، وإذا ما خارت قواها، “أنا عطشانة” الى تتميم مشيئة الآب، وإذا ما أسيء إليها “إغفر لهم يا أبتي لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون”، وأذا ما شعرت بالتعاطف “منذ الآن أنت معي في الفردوس”، وإذا ما تحرّكت أحشاؤها “هذه هي أمّك”، وإذا ما اطمأنّت لتتميم رسالتها تتكئ الرأس وتُّسلمُ الروح الى من آمنت بأنّهم سيكمّلون الرسالة.
الكنيسة التي يريدها يسوع هي الكنيسة التي تجتمع حيث يطلب منها يسوع، وعينها شاخصة الى فوق حيث يسوع، ومن حيث تأتي نجدتها.
الكنيسة التي يريدها يسوع تدخل مجامع الناس بعد مسحها بالميرون وتعلن: “رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ”.
الكنيسة التي يريدها يسوع اليوم هي تلك التي تقوم بكلّ شيء والحلم واحد بأن تسمع يسوع يقول لها في نهاية المطاف: “تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ”.
الكنيسة التي يريدها يسوع هي تلك التي ما زالت تؤمن وتعيش وصيّة الرب لها: “مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا. لاَ تَقْتَنُوا ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً وَلاَ نُحَاسًا فِي مَنَاطِقِكُمْ، وَلاَ مِزْوَدًا لِلطَّرِيقِ وَلاَ ثَوْبَيْنِ وَلاَ أَحْذِيَةً وَلاَ عَصًا، لأَنَّ الْفَاعِلَ مُسْتَحِقٌ طَعَامَهُ”.
الكنيسة التي يريدها يسوع اليوم هي الكنيسة القادرة أن تقول لمن ضلّ الطريق من بين أعضائها: “اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ”.
الكنيسة التي يريدها يسوع اليوم هي التي تعتمد في اختيار رعاتها مقاييس يسوع: “يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هؤُلاَءِ؟” قَالَ لَهُ: “نَعَمْ يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ: “ارْعَ خِرَافِي”.
الكنيسة التي يريدها يسوع اليوم هي تلك الكنيسة التي لا تخاف أن تموت عارية على صليب الفداء لتربح خلاص النفوس؛ مشروعها الجوهري الذي تسلّمته من يسوع عينه.
الكنيسة التي يريدها يسوع اليوم هي الكنيسة التي تهتمّ:
– بالرحمة تجاه المريض أكثر من أرباح المستشفيات التي تمتلكها أو تديرها،
– بتعريف التلامذة في المدارس المعاهد والجامعات، إلى يسوع، وتحضيرهم ليكونوا مسيحيين ومواطنين صالحين، أكثر من الأقساط الدراسيّة، وبالأخص في الأوضاع الصعبة.
– بمساعدة شعبها ليعيش بكرامة في مأكله ومشربه وملبسه، ومسكنه، وعمله، ويتمسّك بأرض آبائه وأجداده، أكثر من المحافظة العقيمة على مساحات الأراضي التي تمتلكها هنا وهناك.
– بمساعدة المدعويين فيها كي يكونوا خميرة جيلهم وملحه ونوره وبوصلته وقادته الى أورشليم السماوية.
– بأن تتخطّى الخوف من أن تخسر كلّ شيء، حتى ذاتها، على مثال مثالها يسوع، لأنّها بذلك، ومعه، تربح كلّ شيء.